آخر الأخبار

الوحدة وآثارها السلبية على المراهق في المهجر

الكثيرون من المواطنين العرب والمسلمين يقعون في براثن الوحدة والإنعزال وضيق الأفق مما يجعلهم عرضة للإفتراس من الذئاب البشرية التي لا ترحم صغيراً ولا كبيراً كونها مجرمة تبحث عن فريسة ضعيفة تكون سهلة السقوط.
لذلك نستطيع القول أنه بالرغم من أن الإنسان العصري متشابك مع العالم منذ نعومة أظافره بسبب سهولة التنقل وتوافر التكنولوجيا والعالم الرقمي؛ مما يجعله عرضة لمخاطر كبيرة إن لم يكن محصناً بشكل كامل علمياً وثقافياً ودينياً من التحديات المحيطة ومع ذلك نرى أن الوحدة أصبحت مرضا شائعا، وهناك تشخيص صادم يقول بأنه "القاتل رقم واحد" في المجتمع العصري. ويحذر العلماء منذ 15 عاما من خطورة الوحدة على الحالة الصحية للإنسان، حيث أعد باحثون منذ ذلك الحين 148 دراسة من أنحاء العالم تتعلق بهذا الأمر وجاءت النتائج مرعبة!
وبحسب تلك الدراسات فإن الوحدة والإنعزال الاجتماعي لهما أكبر تأثير على عمر الإنسان، ويفوق تأثيرهما إدمان الكحول والبدانة، كما أن هناك تزايدا في عزلة البعض عن المجتمع أمكن ملاحظته منذ سنوات وخلق حالات مرضية كثيرة ومنها النرجسية القاتلة التي تدفع الإنسان ليفكر بنفسه فقط بعيداً عن الآخرين ويرى في نفسه قوة خارقة تدفعه لإرتكاب حماقات قد ترتقي لمستوى الجريمة ومنها إلى الهاوية.
العزلة إذا ليست مجرد شعور غير مريح، وإنما مسألة يمكن أن تكون لها آثار خطيرة جداً وتأثير سلبي على الصحة،  والسؤال هنا هو لماذا يندفع البعض نحو الوحدة خاصة بين الشباب المراهق في المهجر ؟
الإجابة على هذا السؤال، كما يعتقد العلماء، لها علاقة بماضي البشرية والتربية الأسرية والبيئة المجتمعية، حين كان العيش المشترك شرطا أساسيا للبقاء على قيد الحياة. فالحياة وسط المجموعة أسهل عندما تتوفر لغة الحوار الصادقة والأمينة مع واقع حقيقي وليس واقع وهمي فرضته التكنولوجيا، مما ابعد هؤلاء عن الإهتمام الإساسي نحو القاسم المشترك في العمل الجماعي الاخلاقي والتربوي والإنساني لتأمين المستقبل بما يتضمن الغذاء والتعليم والتناسل وقبل كل شئ الحماية من المخاطر كمواجهة الحيوانات البشرية المفترسة.
أما الخروج من الجماعة فيعني مواجهة مخاطر الحياة منفردا، وهو ما ينتج عنه توتر نفسي يدفع الجسم لمواجهة إنذارات صحية عديدة، بسبب فقدان الأمان المتوفر في المجموعة وهذا ما يسعى إليه المجرم عندما يستهدف الضحية من هذا النوع حتى يتمكن منها تماماً ظناً منه أنه بذلك قد إنتهى الأمر وعليه أن ينتقل في مساره لضحايا أخرين ولكنه يجهل بأن هذه الحالة المرضية قد تساهم في تدميره وتحطيمه عندما ترى الضحية أن ما تعيشه هو حالة إستعباد لا علاقة لها بالحرية الإنسانية مما يجعلها تنتفض على الظروف التي دفعتها للوحدة التي أدت بها لان تصبح ضحية لمثل هذه الذائاب البشرية.
هذا وقد قام علماء مختصين بإجراء تجربة على شخصين في ظروف مختلفة لقياس نسبة التوتر لديهما، وذلك عن طريق فحص اللعاب لمعرفة نسبة هورمونات الإجهاد لدى كل منهما، والنتيج كانت هي :
أن الشخص الذي يتمتع بعلاقات اجتماعية ارتفعت لديه نسبة هرمون الكورتيزول باعتدال، فالانتماء للمجموعة منحه الأمان، حسب ما يعتقد الباحثون.
أما الشخص الذي يعاني من الوحدة فكانت نسبة الكورتيزول لديه مرتفعة، وأظهرت دراسات أخرى بأن النسبة كانت مرتفعة طيلة اليوم، والنتيجة هي أن جسم الإنسان الذي يعاني من الوحدة يكون أكثر عرضة  لأعراض  صحية محتملة، فيقل النوم وترتفع نسبة السكر والضغط، كما تتدنى كفاءة جهاز المناعة بسبب الكورتيزو هذا عوضاً عن التخبط العاطفي الذي يجعل من هذا الإنسان ضعيفا وسهلاً وعرضة لمخاطر كبيرة.
 هذا يأخذنا للتأكيد على أن الوحدة والانعزال عن الناس تسببان الإصابة بأمراض خطيرة كأمراض السرطان والأوعية الدموية وأمراض القلب نتيجة عدم الإتزان العصبي، وبالتالي فهي ليست مجرد أزمة نفسية اجتماعية عابرة فقط كما يظنها البعض بل هي حالة مرضية خطيرة قد تطيح بمستقبل هذا المراهق إن لم يتم اللحاق بها مبكراً وتصحيح مساره ومعالجته من الحالة المرضية التي يعاني منها.
لذلك نجد أن الشعور بالوحدة يمثل تجربة مؤلمة للشخص الذي يحرم نفسه من العلاقات الاجتماعية الضرورية حيث أنه لا يستطيع    أن يرى الواقع بصورته الحقيقية وإنما من خلال رؤية ضيقة الأفق، معدومة الجودة ، مقارنة مع ما هو مرغوب فيه مما يجعله يدفع ثمناً باهظاً إن لم يستسقظ  ويخرج من هذه العزلة المدمرة.
إن تجربة الشعور بالوحدة ذاتية للغاية ؛ ويمكن للفرد أن يكون بمفرده دون الشعور بالوحدة ويمكن أن يشعر بالوحدة حتى مع أشخاص أخرين في حال عدم إنسجامه للمحيط أو مقاومته للواقع وجنوحه للأفضلية أو الحصول على الإهتمام أو لربما يقع ضحية التنمر الذي يدفعه للإنزواء والإنعزال.
هذا ويرتبط الشعور بالوحدة المطول بالاكتئاب، وضعف الدعم الاجتماعي ، والعصابية ، والانطوائية والتمرد على الواقع والخشية من المستقبل ورفض الحال  مما يجعل هذا الإنسان عرضة لإغتيال الشخصية سواء كان ذلك بيده أو من خلال ذئاب بشرية.
هذا وقد أظهرت الدراسات أن الوحدة النفسية تعرض الأشخاص لخطر الإصابة بأمراض جسدية وقد تساهم في تقصير العمر الافتراضي، ولكن الأخطر من ذلك أن الشباب المراهق في المهجر يندقع لغرتكاب خطايا تبقى تلاحقه طوال عمره مما قد يدفعه للإنتحار أو السقوط في مستنقع الجريمة وما يترتب عليها من ضياع للمستقبل بشكل نهائي.
في تقديري أن هذا الأمر  يتطلب تعاوناً صادقاً وأميناً وجذرياً وصارماً مجتمعياً وأسرياً وبين الأفراد والمؤسسات الدينية لحماية هذه النواة من الضياع.