آخر الأخبار

حالة مزمنة للشاعر عبد السلام زهران

حالة مزمنة

لم أُشفَ بعدُ منَ الحنينِ ..

يشدُّني عبقُ البدايةِ من ضلوعي 

نحوَ أروقةِ البكاءِ ..

أراقبُ المطرَ الكفيفَ 

على رصيفٍ مثقلٍ بفراغِهِ الشّتويِّ ..

لا أحدٌ سيعبرُ بعدَ هذا البردِ ،

لا قدمٌ ستزعجُ هدأةَ الليمونِ 

فوقَ جدارِهِ المُبْتَلِّ بالذكرى ..

ولا صوتٌ سيكسرُ صمتَ هذا الليلِ ..

يشربُني ضبابُ الفجرِ مُتّئداً ،

فأوغلُ في الأماكنِ مثلَهُ ..

أجتازُ سورَ الياسمينِ بخفّةِ الشّبحِ الخفيِّ ،

لعلَّ أغنيةً هنا سقطتْ 

نسينا أن نُواريها الثّرى عندَ الرّحيلِ ..

لعلَّ بعضَ العطرِ 

ما زالتْ روائحُهُ على جنحِ الهواءِ 

وترفضُ النّسيانَ ، مثلي ..

ربّما أجدُ البقيّةَ من تفاصيلِ الحكايةِ 

في المرايا الواقفاتِ على شفيرِ الانكسارِ ..

فإنّني لم أُشفَ بعدُ من الحنينِ ،

ولي هنا قُبَلُ النّجومِ على شفاهِ الرّملِ ،

لي قمرانِ مشغولانِ من غيمٍ شهيِّ الهطلِ ،

لي وطنٌ تجسّدَ في عيونٍ لا تنامُ ..

ولي مفاتيحُ النّدى 

في صبحِهِ الموشومِ بالألوانِ والضّحكاتِ ..

مكتملٌ حصارُ الرّوحِ في هذا الشّتاتِ ،

فمَن يُرمّمُ كلَّ هذا الرّدمِ ..

مِن منفى إلى منفى ،

ومِن ذكرى إلى جرحٍ تعمّقَ في الوريدِ ..

تكدّسَ الزّيتونُ حولَ ملامحي ،

وأنا أبَشّرُ بالسّلامِ ، وبالحمامِ ..

وساعدايَ يُلَوّحانِ برايةٍ زرقاءَ 

تختصرُ السّماءَ ،

وتستضيفُ البحرَ بين ندوبِها ..

هل يكذبُ الشّعراءُ حقّاً 

عندما يَصِفونَ كم عشقوا النّدى ،

ويُصدّقونَ نبوءةً خضراءَ

إذْ تنثالُ من أقلامِهمْ ..؟

هل يكذبُ العشّاقُ 

إذْ يبكونَ من وخزِ الأماني ،

وارتطامِ القلبِ عمداً بالمُحالِ ..؟

فإنّني يا سيّدي 

أقتاتُ من حلمٍ ماطرٍ في راحتَيها 

واكتفيتُ من الصّباحِ بجرعةٍ من مقلتَيها ..

وانتظرتُ على رصيفِ العمرِ تاريخاً طويلاً

لم يكنْ يُفضي إليها ..

وانتشيتُ من الغيابِ كشمعةٍ تذوي

فتحرقُ خاصِرَيها ..

مَن يُرمّمُ كلَّ هذا الفَقدِ ،

والحزنُ المعتّقُ 

صارَ أشجاراً على طرقِ السّرابِ ..

وإنّني لم أُشفَ بعدُ من الحنينِ ،

قصيدتي تعبتْ ، وذاكرتي ..

وهذا الفجرُ يطويني وأوراقي ،

ويُقرِئُني صباحُ الخيرِ يا هذا ،

كفى أرقاً ،

فقد طلعَ النّهار ..!