كلما ضاقت الأرض إزدهرت السماء

كثيرون هم من باتوا يصرخون في هذه الدنيا نتيجة اليأس والإحباط الذي ألم بهم ، وهذا أمر لابد من التوقف عنده قبل أن تزداد الشروخ الحياتية بين أبناء المجتمعات الواحدة، وتبدأ بالتحول لصراعات إنسانية ضخمة صعب التنبؤ بنتائجها وبما ستؤول إليه .

فمثلاً من العبث واللامسؤولية ترك حالات مريضة بالتطرف ومليئة بالشر بدون علاج فوري ومتابعة حثيثة لإيجاد حلول منطقية واحتواء شرورها قبل أن ينجم عنها جرائم مرعبة، مثلما حصل في كثير من الحالات الشاذة في الكثير من دول العالم.

كما أن الأمر لا يتعلق بالتضامن، أو التعبير عن حالة غضب  لحظية، أو إستثمار لحالة مرعبة كهذه هنا أو هناك ، بل يجب أن يكون هناك نهجاً متكاملاً ومنسجماً مع التحديات التي تواجه المجتمعات في سياق ثقافة إنسانية متوازنة وعادلة ، تتضمن الإيمان الصادق بمفاهيم القبول بالآخر من جهة ومن جهة أخرى تضمن إفساح المجال أمام إندماج المجتمعات مع بعضها البعض بما يجعلها مجتمعات آمنة ومسالمة ومبدعة.

أما أن نترك الأمور تسير بدون ضوابط مجتمعية ومؤسساتية واضحة وفي سياقات أمنية فقط، تخضع في بعض الحالات لمزاجات لحظية قد تكون غير موفقة تحت ذرائع كثيرة ومسميات مختلفة بحجة أن الحرية والديمقراطية تضمن ذلك في حين أن جسور الثقة غالباً ما تكون شبه معدمة ما بين الأفراد والجهات الأمنية أيٍ كانت، وذلك بالفطرة!.

 لذلك في تقديري أن هذه المفاهيم تحتاج إلى تطوير وتحديث للقوانين بما يتناسب مع التحديات التي باتت تواجه العالم أجمع ، والحرص الدائم على ترميم العلاقات ما بين هذه الأجهزة والمجتمعات ضمن مفاهيم تكاملية وجسور متينة من الثقة.

فلا يجوز على سبيل المثال ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام أصحاب الرؤى الضيقة والمتطرفة والفشلة من عشاق عدم قبول الأخر والعمل على إقصائه وهم المحرضين على رفضه، أن يسرحوا ويمرحوا من خلال المنابر والمساحات الإعلامية المتوفرة أمامهم ليبثوا سموم الحقد والكراهية بطرق لئيمة وخبيثة كيفما يشاؤون.

بل يجب أن يكون هناك آليات إنسانية واضحة وأدوات صادقة ومحترفة تعمل على إحتواء اليأس وتحل مكانه الأمل، وتقلل من حجم الإحباط لتستبدل ذلك بالإبداع ، وبذلك يصبح هناك مساحات واسعة للإيمان بأهمية التعايش المشترك والمسالم ما بين مكونات المجتمعات المختلفة ثقافياً وعقائدياً مع بعضها البعض، لتخلق بذلك حالة رخاء وإزدهار ترتقي بمكانتها، وتنعكس بلا شك على رفع مستوى معيشة الفرد فيها وتلبية إحتياجاته بشكلٍ يضمن كرامته ويضمن رقيه وتقدمه.

لذلك لابد من الإشارة بشجاعة لمسببات اليأس والإحباط بمسمياتها ومخاطبة المجتمع بكل مكوناته حول أهمية إيجاد علاج لها، وهي العوامل الرئيسية التي غالباً ما تأخذ الإنسان إلى طريق الموت والهلاك وتُنمي فيه الرغبة الشريرة بالدمار، وهذا ما نلاحظه غالباً في كل الحالات التي يسيطر عليها الشر لتسقط في مستنقعات التطرف والإرهاب وتصبح أداة رخيصة في يد من يدفع لها أكثر أو ضحية لنفسٍ غير سوية يملؤها الحقد والكراهية، مما يتطلب علاجاً وقائياً منطقياً وواقعيا وليس ملامسة الأمر سطحياً أو التعاطي معه بطريقة خجولة لتطييب خاطر الضحية التي غالباً ما تكون متهمة وهي بريئة!، وكأنه حالة طارئة يجب إطفائها بقليل من الماء أو تجميلها بقليل من مساحيق التجميل!.

هنا لابد أيضاً من إحياء وتشجيع فكرة العمل المشترك التي يتوجب أن تساهم فيه كل  الشرائح المجتمعية لدراسة متطلبات وحالة المجتمعات بواقعية وتوفير عوامل عيش مشترك بمسؤولية في اللحظات الراهنة، وتقديرها بشكل عميق ومسؤول، لتقليل مستوى اليأس، ويمكن أن يتم ذلك من خلال برامج تركز على اكتساب مهارة التدرّب على التركيز على المشاعر الإنسانية ومتطلبات الإرتقاء بها والتفاصيل التي يعيشها الفرد أثناء رحلة البحث للعثور على الأمل.

كما بالإمكان عمل برامج للشباب من مختلف الأعمار ومختلف الثقافات بدون تمييز أو غمزٍ أو لمزٍ لأصول هذا أو ذاك أو للتوقف عند أخطاء عابرة لا ترتقي لمستوى خطايا وكأنها جرائم يستحق عليها النبذ أو العزل أو التجاهل!، يتطوعون من خلالها للعمل على أهمية إرساء مفاهيم التعايش الإنساني والتعاون من أجل الإرتقاء بالمجتمع وضمان رخائه وإزدهاره في الحاضر والمستقبل.

وبذلك تكون الأرض واسعة للجميع وتصبح الحياة مليئة بالأمل ولا تزدهر السماء بأرواح الأبرياء من الباحثين عن الحياة الأمنة والعيش بسلام، لا بل تزدهر المجتمعات على الأرض وترتقي بكل مكوناتها وتستعيد بهجتها ورخائها.

وهنا أود أن أنوه إلى أهمية دور وسائل الإعلام المعتدلة بكل أشكالها في هذا المجال وضرورة دعمها لترسيخ دورها التوعوي لإرساء مبدأ التعايش المشترك وقبول الآخر من خلال خطاب إعلامي واعي ومدروس وغير متحيز.

 كما أننا لا ننسى ابداً أن الإنسان قد خُلِقَ ليعمر في الأرض ولهذا فإن واجب الحفاظ على الروح البشرية أينما كانت وأي كانت معتقداتها أو ثقافتها هي مسؤولية كل البشر على الأرض، فليتحمل كل فرد منا مسؤوليته من أجل مجتمع ينعم بالأمن والأمان، ولنكن رسل سلام ننشر المحبة ونُجزِل العطاء من أجل مجتمعات آمنة ومستقرة ومزدهرة تُؤَمِن مستقبل أطفالنا تحت مظلة واحدة هي علم بلادنا، عنوانها التعايش المشترك والبناء جنباً إلى جنب ويداً بيد  لتكون بلادنا هذه التي نعيش فيها هي الأجمل وتمثل منارةً إنسانية وفخراً للبشرية. 

بقلم  رئيس التحرير

م . زهير الشاعر