آخر الأخبار

العنصرية في تركيا بين الحقيقة والتهويل الإعلامي ـ أحمد الصالح

تعتبر العنصرية في تركيا ضد اللاجئين والأجانب بشكل عام، وخاصة السوريين من الأمور التي تصاعدت مؤخراً، بين وقائع حقيقية ثابتة وتهويل إعلامي ممنهج يخدم زيادة الشرخ بين الأتراك والأجانب المقيمين على الأراضي التركية، وبين المنكر للعنصرية، والمهوّل لها تضيع حقوق الكثير من اللاجئين ويفقدون القدرة على متابعة الحياة بأمان وراحة في تركيا. 

متى ظهرت العنصرية في تركيا ضد اللاجئين؟


بشكل عام تعتبر ظاهرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين في تركيا هي بداية نشوء الفكر العنصري منذ 11 سنة تقريباً، وخاصة مع ربط وجود السوريين في تركيا بالبرامج الانتخابية لكل من المعارضة والحكومة في تركيا. 

وازدادت الحساسية ضد وجود اللاجئين عبر تغذية الشحن العنصري من خلال نشر الشائعات على منصات التواصل الاجتماعي، لتتطور إلى خطابات حزبية ممنهجة، وشعارات انتخابية، ولكن منذ عام 2020 إلى اليوم ومع تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا باتت العنصرية إحدى ردود الفعل مع ربط الظروف الاقتصادية بوجود السوريين والعرب في تركيا، ولكن الانفجار الأخطر كان منذ مطلع عام 2023 مع اقتراب الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا. 

حيث خرجت الأمور عن السيطرة وتحولت إلى جرائم منظمة، ومتكررة، تغذت من الشعارات المعادية للحزب الحاكم في تركيا، ومستفيدة من تهاون الحكومة التركية في كبح جماح العنصريين بذريعة عدم استفزاز الشعب التركي قبيل الانتخابات، وخاصة مع تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية، والتحالف الحاكم بشكل عام. 

ما هي أسباب ظهور العنصرية ضد اللاجئين والأجانب في تركيا؟ 


هناك الكثير من الأسباب التي تقف خلف ظهور التصرفات العنصرية ضد المقيمين الأجانب في تركيا من لاجئين وغيرهم، ويمكن اختصارها بما يلي: 

الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة في تركيا 


اتسم المشهد السياسي في تركيا بالاستقطاب والمناقشات المثيرة للجدل،  ولقد خلق الصراع السياسي المستمر بين الحكومة والمعارضة بيئة يمكن أن تزدهر فيها الخطابات المثيرة للانقسام. 

ويستغل بعض القادة السياسيين هذا الانقسام، مستخدمين كراهية الأجانب والمشاعر المعادية للاجئين كأداة لحشد الدعم أو صرف الانتباه عن قضايا أخرى.

الوضع الاقتصادي والظروف التي يمر بها اقتصاد تركيا 


إثر التحديات الاقتصادية، بما في ذلك البطالة والتضخم، وما يواجه الاقتصاد التركي من صعوبات في السنوات الأخيرة، قد نظرت بعض شرائح السكان إلى اللاجئين والأجانب على أنهم مساهمون في الضغط الاقتصادي، وبشكل مؤسف هذه التصورات زادت من مشاعر الكراهية والعداء تجاه اللاجئين، وتطورت لاحقاً إلى تصرفات وردود أفعال عنصرية.

كما أنّ تحدث الرئيس التركي وعدد من المسؤولين الأتراك بشكل مستمر عن دعم اللاجئين ودفع مبالغ مالية لهم، كان له الأثر السلبي في تأجيج مشاعر الكراهية لدى القوميين المتشددين الذين يربطون بين الوضع الاقتصادي المتدهور، مع دفع الحكومة التركية لمبالغ بمليارات الدولارات لإدارة شؤون اللاجئين على أراضيها. 

مخاوف المتشددين القوميين من التغيير الديموغرافي في تركيا 


غالبًا ما تبدي الجماعات القومية المتطرفة مخاوف بشأن التغيير الديموغرافي، حيث أثار التدفق الكبير للاجئين والمهاجرين إلى تركيا في السنوات الأخيرة مخاوف بين بعض القوميين من احتمال تغيير تركيبتهم الثقافية والديموغرافية، وخاصة في المدن الكبرى، مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، وقد تُرجمت هذه المخاوف في أكثر من مرة على شكل أفعال عنصرية.

مثلاً، وهذا الحدث تكرر في أكثر من ولاية تركية، عندما يتم رصد جريمة يقوم بها لاجئ بحق مواطن تركي، تخرج مظاهرات عنصرية تطالب بطرد جميع الأجانب، وتطفو شعارات التخوف من تعاظم قوة ووجود الأجانب في تركيا للدرجة التي لا يمكن بعدها مقاومتهم، على حد تعبير العنصريين. 

الدعاية الإعلامية المنظمة للتحريض ضد اللاجئين والأجانب 


يلعب الإعلام دوراً محورياً في تشكيل التصورات العامة،  وفي كثير من الحالات، انخرطت وسائل الإعلام أو المنصات التركية في حملات دعائية منظمة للتحريض على العداء تجاه اللاجئين والأجانب، من خلال تقارير مسيّسة وموجهة نحو نشر المزيد من الكراهية تجاه السوريين على وجه الخصوص، والأجانب بشكل عام. 

ويمكن أن تساهم التقارير المثيرة، ونشر الروايات الكاذبة، والتغطية المتحيزة في خلق الصور النمطية السلبية والمواقف التمييزية، خاصةً أنّ الملاحظ في تركيا أنّ إعلام المعارضة أقوى وأنشط بكثير من إعلام الحكومة التركية. 

غياب الوازع الديني والأخلاقي لدى المحرضين على العنصرية 


خلافاً لتعاليم الإسلام، الدين السائد في تركيا، قد يفتقر بعض المحرضين على العنصرية إلى دوافع دينية أو أخلاقية في أفعالهم، فمن المعروف أنّ الإسلام دين الرحمة والتعاطف وكرم الضيافة تجاه الغرباء، بما في ذلك اللاجئين، ومع ذلك، فإن الأفراد الذين يعتنقون المعتقدات العنصرية قد يتجاهلون هذه المبادئ، وتطغى عليهم العصبية القومية أكثر من تعصبهم للمبادئ الدينية السامية، والفطرة الإنسانية السمحاء. 

إنّ غالبية المتورطين بجرائم عنصرية ضد اللاجئين في تركيا هم من أهل السوابق الجنائية، وممن يمتلكون خلفية ثقافية غير متزنة، وبعيدة عن سماحة الدين الإسلامي، وهذا أحد أسباب انتشار العنصرية في تركيا بين هذه الأوساط. 

أين التهويل في أخبار العنصرية في تركيا؟ 


على الرغم من حديثنا عن وجود أفعال واضحة وصريحة تنمّ عن نفس عنصري بحث، وصلت أحياناً إلى القتل، أو الحرق، أو التهديد بذلك، ولكن هناك تهويل إعلامي ممنهج في الحديث عن كل فعل أو حادثة يكون طرفاها لاجئ من جهة، ومواطن تركي من جهة أخرى، على أنها حادثة عنصرية.

فنحن نتحدث عن دولة فيها 83 مليون نسمة من المواطنين الأصليين، وأكثر من 15 مليون مقيم أجنبي بين لاجئ وسائح وغيرهم، ولذلك من المتوقع أن تحدث حوادث أو مشاحنات أو خلافات، وهذا طبيعي في أي مجتمع، ولا يمكن تحميل كل تجاوز من أي طرف على محمل العنصرية. 

ولكن مع الأسف عدم الأمانة في طرح هذه القضايا أدى إلى فقدان الثقة لدى الكثيرين بمصداقية الحديث عن العنصرية ضد اللاجئين في تركيا، كما أنّ الحكومة التركية باتت أكثر تراخياً تجاه الأفعال العنصرية، وصارت تعتبر العديد من التقارير عن العنصرية بمثابة محاربة للمجتمع التركي.

هناك إعلاميون ونشطاء مقيمون خارج تركيا كان لهم دور كبير في تهويل الأخبار والشائعات التي تتناول الحديث عن العنصرية، وصلت إلى خطاب تعميمي شامل يوجه ضد الأتراك بشكل عام، وهذا خطاب خاطئ ومؤذٍ للسوريين والعرب المقيمين هناك، لأنه يعمّق الفجوة بينهم وبين الشعب التركي، ويعيق التعايش المشترك والتأقلم والاندماج داخل المجتمع. 

هل الخطوات الحكومية التركية قادرة على كبح الممارسات العنصرية؟


في الدول التي تحترم نفسها، لا بد أن يكون القانون هو الفيصل الحاسم لمنع أي ممارسات تؤدي إلى جرائم عنصرية، أو تغذي مشاعر الكراهية والعداء، وتتولى الحكومات هذه المسؤولية بشكل كامل، وتتحمل تبعات تقاعسها عن أداء واجبها.

في الحقيقة .. إنّ الحكومة التركية لا تقوم بعمليات منظمة لمحاربة العنصرية، باستثناء حملات متفرقة لاعتقال مسؤولين وناشرين على منصات إعلامية تحرض مباشرة على العنصرية في تركيا. 

وقد زادت مخاوف الحكومة التركية مؤخراً بعد وصول الأعمال العنصرية إلى درجة خطيرة، وصلت إلى تهديد السياحة في تركيا التي تعتبر من الموارد الاقتصادية المهمة للبلاد. 

ولكن لا زالت الحكومة تتعامل بحذر في هذا الملف، وتغض الطرف كثيراً عن الخطابات العنصرية، ولا تتدخل إلا في حال حصول أزمة كبيرة، ويعزي البعض ذلك إلى المخاوف من فقدان التأييد الشعبي في الانتخابات البلدية في 2024، خاصة بعد تراجع شعبية الحزب الحاكم في الولايات الكبيرة. 

لذلك يعتقد أنّ هذه الخطوات قد لا تكون مجدية في الكبح التام للممارسات العنصرية المتكررة ضد السوريين والعرب والأجانب عموماً في تركيا، ولا زالت الطريق طويلاً أمام إيقاف التصرفات العنصرية، كما أنّ مستقبل التعايش بين الأتراك والأجانب على الأراضي التركية يعتبر غامضاً ما لم يكن القانون التركي في صف وقف العنصرية بشكل حازم