آخر الأخبار

وسـادة الحـــرير

بقلم/ ماجد الحجامي

   رفعت يديها مبتهجةً بعد أن رأت سيارتي تقترب منها  ، وضَعتْ حقائبها في الصندوق ، دلفت إلى السيارة مسرعة وهي تخبيء يديها الباردتين تحت معطفها الصوفي ، أخرجت يديها بعد أن جلست في الخلف لتمسح بقايا الثلوج عن وجهها المحمر المرتجف بمنديل ورقي ، نصحتها أن تضع حقائبها إلى جوارها خشية النسيان  لأنني كنت أعاني من كثرة العودة إلى المنازل لإرجاع الأمتعة التي وُضِعت فيه ، لكنها أجابت بثقة واطمئنان :
- لست كالآخرين  ، أنا ساعية بريد وهي جزء من عملي ، إطمئن لن أترك سيارتك دون حقائبي . 
- كيف حالك هذا اليوم ؟
- كان يوما طويلا متعبا، كانت حقائبي ملأى بالرسائل والطرود ، فرقتها جميعا بين عشرات المنازل والبنايات في هذا البرد القارص .
  كانت الطرق مغطاة بكثبان الثلج الذي كان  يتساقط بكثرة في ذلك المساء، كنت أسير بها شرقا عن قلب مدينة (وينيبغ) وهي توصي بالحذر والإنتباه والتريث في السير .
 أشفقت عليها كثيرا عندما رأيت أن التعب والأرهاق قد نال منها الكثير ، سألتها إن كانت تعجز عن إيجاد عمل آخر بعيدا عن المشقة والأرهاق ، أجابت ضاحكة :
- أحب عملي كثيرا وإن كان متعبا ، ليس كل مُتعِبٍ مكروه ، أتحمل عبيء اسرتي بمفردي منذ أن رحل زوجي منذ عشرة أعوام لذلك أجد في العمل رغبة ومتعة رغم معاناته .
- آسف جدا ، لكن لازال سنك مناسبا لإيجاد من يتقاسم معك أعباء الحياة .  
  أطرقت برأسها أرضا ، رفعت راسها ثانية ، قالت بصوت حزين :
- لقد أستقر زوجي بأعماق القلب ، لايمكن لأحد أن يرفعه عن مكانه أبدا  ، لم أعشق في هذا الكون سواه ، قوة الحب  تمنعني أن أرتبط برجل آخر ، كان كل شيء لي في هذه الدنيا المتعبة التي أصبحت سوداء بعد رحيله عنها لذلك قررت أن لا أرتبط برجل آخر حتى ألتقيه ثانية ، أشعر أنه لازال يعيش معي في منزلنا الذي بنيناه معا وينام إلى جواري على وسادة الحرير التي لم أغيرها إلى الآن ، ترك لي ولداً وبنت هما ثروتي الثمينة ، لازالت إبنتي تسكن معي .
- يالهُ من وفاء وحب وأخلاص يكاد أن يكون معدوما هذه الأيام ، وماذا عن ولدك ؟
 - طردته من المنزل بعد أن رفض الأذعان إلى شروطي ، أنهى دراسته الثانوية ، ثم آثر أن يبقى جليس الدار ، وضعته أمام ثلاث خيارات ، ألعودة الى الدراسة أو البحث عن عمل مناسب أو يجد له منزلاً آخر ، أختار المنزل الآخر للأسف  .
- أليس من الصعب عليك فراق ولدك الوحيد وهو كل مالديك في هذه الدنيا ؟
- لقد حكمت عليه بعقلي لابقلبي ، لوترك الخيار لقلب الأم بعيدا عن سلطة العقل لما نضج الأبناء ، أفتقده كثيرا ، يعتصر قلبي ألماً حين يكلمني على الهاتف قائلا : أمي لقد اشتقت إليك ولأختي كثيراً . اشتقت إلى طبخك والجلوس أمامك حول مائدة واحدة ، كم أتمنى أن أتفرج على أحد الأفلام وأنت تضعين يدك على كتفي . أقاطعه بصوت صارخ : أخرس ؟!! لاتقل لي أمي ثانية ، بعد أن أغلق سماعة الهاتف أضع أحد ثيابه على وجهي ، أشمها وأبكي طويلاً  لأنني أشتاق إليه أكثر من إشتياقه لي بكثير.
- هل ستفعلين ذلك مع ابنتك ايضا ؟
- لا .
- كيف ترين أن الذكر يختلف عن الأنثى في بلد يحكم بالمساواة بينهما ؟
- لأنهما فعلا مختلفان ، أنا لا أتحدث عن الحقوق بل أقصد الأفراد . 
- مالفرق بين المرأة والرجل إذن ؟
- عفوا ، أريد أن يكون سؤالك أكثر وضوحا ، تريد الفرق المرأة والرجل أم ألبنت والولد ؟
- سالتها مستغربا بعد أن وقفنا أمام بوابة منزلها :
- هل ترين أن الأمر يختلف كثيرا ؟
- الفرق كبير جدا ياصديقي ، عندما تكبر البنت تصبح إمرأة  أما الصبي فيحتاج إلى جهد ومشقة وعناء كي نصنع منه رجلاً ، إفتح الصندوق رجاءً .