آخر الأخبار

تداعيات جائحة كوفيـد-19 علــى الصحـة العامـة والنفسيــة ..

 "العزل" لم يثنِ الفايروس القاتل عن غزو بيوتنا

الوجه الآخر لـ"كورونا" .. سُمنة و اكتئاب و ما خَفيَ أعظم
 

تحقيق 

رائدة أبو سلامة - محمود العيد - وسيم حمزة
 

ثلاثة شهور ونيّف انقضت منذ دعوة الحكومة الكنديين للمكوث في منازلهم، بهدف تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي للحد من انتشار فايروس كورونا، حنها اعتقد الناس بأن عزلتهم عن التواصل سيحميهم من خطر الفايروس القاتل، في الوقت ذاته بدأت تظهر آثار العزل من قلب بيوتنا متمثلة بظهور أمراض لا تقل خطورة عن الإصابة بالفايروس ذاته، ذلك بداية من مرض السمنة و نقص فيتامين (د) مرورا بآلام المفاصل، ختاما بالانطوائية والاكتئاب وما خَفيَ أعظم.
ويحذر متخصصون في مجال الطب النفسي و الصحة العامة و الأغذية من المخاطر المترتبة على الجلوس في المنزل لفترات طويلة، و على رأسها السمنة التي تصيب كافة الأعمار وما يترتب عليها من زيادة في نسبة الدهون المتراكمة بالجسم على حساب تراجع الكتلة العضلية، أما على المستوى النفسي و العقلي، لوحظ تزايد القلق خلال الحجر لدى الفئة العمرية الصغيرة لعدم قدرتهم على تفريغ طاقاتهم باللعب خارج المنزل أو الذهاب الى المدرسة ومقابلة الاصدقاء، بينما ازدادت احتمالية إصابة المراهقين بالاكتئاب نتيجة الابتعاد عن الأصدقاء.
"عرب كندا نيوز" استطلعت آراء المتخصصين بهذه المشاكل الصحية، كما استطلعت رأي الشارع بمخاطر الحجر الصحي وكيفية قضاء الأفراد لساعات المكوث في المنزل، وأتينا لكم بالتالي:

 


إلى ذلك، أكدت الصيدلانية سالي مجنّة أن المكوث في المنزل لفترات طويلة لاسيما خلال جائحة كورونا نتج عنه أمراض عديدة على رأسها السمنة التي تصيب كافة الأعمار، وزيادة نسبة الدهون المتراكمة بالجسم على حساب تراجع الكتلة العضلية، كذلك نقص فيتامين "د" المسؤول عن امتصاص الكالسيوم وصحة العظام والعضلات، إضافة إلى اختلال الساعة البيولوجية وما يترتب عليه من اضطرابات في النوم ومستويات النشاط والشهية، وجفاف العين بسبب استخدام الأجهزة اللوحية بشكل مفرط للعمل والتسلية، كما أن إرهاق عضلات العين بالنظر الطويل للأشياء على مسافات قصيرة يؤدي الى قصر البصر.
وأوضحت مجنة أن السمنة تعد من أهم مسببات أمراض القلب والجلطات والسكتات الدماغية وأمراض المفاصل خاصة عند الكهول، إضافة الى ارتفاع ضغط الدم الشرياني وداء السكري خاصة في ظل الضغوط النفسية الراهنة، ما يدخل المريض بما يدعى "الحلقة المعيبة" أي متتالية الأمراض بمعنى أحدها يسبب الآخر، مبينة أن السمنة تعد أحد مسببات تكيسات المبايض واضطرابات الدورة الشهرية ما يؤثر على الخصوبة، علاوة على أنها أحد عوامل المساعدة في الإصابة بالكورونا، مبينة أن نقص فيتامين "د" يسبب هشاشة عظام من التقدم بالعمر أما نقصه الشديد قد يسبب تأخر في نمو العظام والأسنان وقد يصل الى كساح في الأطفال.
وأكدت أنه لا علاج دوائي لكل ما سبق إن لم يتم تشخيصه من قبل طبيب مختص، مقدمة مجموعة نصائح قد تفيد في تلافي تلك الأمراض، ففي حالة السمنة لا ينصح بأي علاج دوائي إلا إذا وصف من قبل مختص، بينما يعتبر اتباع نظام غذائي متوازن وحميات محسوبة السعرات أو قليلة السكريات والدسم طرق أثبتت فعاليتها، كذلك الابتعاد عن المشروبات الغازية والمقرمشات واستبدالها بوجبات خفيفة ( خضار – فاكهة-....)، والالتزام بتمارين الرياضية المنزلية على الأقل، واستخدام فيتامين "د" بجرعة ما بين ٤٠٠ – ١٠٠٠ وحدة دولية للبالغين وخاصة من تجاوز سنه ٥٠ عاما.

فتح النوافذ
ودعت مجنة إلى ضرورة فتح النوافذ والستائر والتعرض لأشعة الشمس للحفاظ على الساعة البيولوجية أو حتى الخروج من المنزل في ساعات الصباح الأولى بين ٧-١٠ لمدة ١٥ دقيقة مرتين اسبوعيا على أقل تقدير للحصول على فيتامين د من أشعة الشمس، مشددة على أهمية استشارة الطبيب عند الشعور بوهن شديد أو اضطرابات في النوم أو الدورة الشهرية أو في حالات زيادة الوزن السريع والمفرط في حال الحاجة لمستحضرات دوائية للمساعدة.

 


نفسية وعقلية 
بدورها، قالت أخصائية العلاج النفسي سكينة بنزاكور أننا نعيش الآن مرحلة حرجة بدأت مع انتشار فيروس كورونا وما رافقه من أضرار وأعراض صحية على الأشخاص، مضيفة أن عدم اكتشاف لقاح ناجع للفايروس جعل المكوث في البيت والتزام التباعد الاجتماعي الطريقة الوحيدة للوقاية منه، لكن هذا خلّف مشاكل صحية أخرى جسدية ونفسية خاصة للفئة العمرية الصغيرة، تمثلت بتزايد القلق لديهم لعدم قدرتهم على تفريغ طاقاتهم (سلبية كانت أو إيجابية) عن طريق اللعب خارج المنزل أو الذهاب الى المدرسة ومقابلة الاصدقاء.
وأضافت أما بالنسبة للمراهقين ازدادت احتمالية إصابتهم بالاكتئاب بسبب الابتعاد عن الأصدقاء، لا سيما أن مرحلة المراهقة تعد مرحلة انتقالية تكميلية مهمة لبناء مهارات هذه الفئة العمرية من الناحيتين الاجتماعية والشخصية، موضحة أن الجلوس في البيت لفترات طويلة يؤدي عند جميع الفئات العمرية إلى اختلال في الايقاع الداخلي للجسم وهو ما نسميه بالساعة البيولوجية والمرتبط بمدى التعرض للشمس، مبينة إن قلة التعرض للشمس يسبب آثارا سلبية تحدث خللا بالتوازن الداخلي عند الإنسان، وبالتالي يؤثر ذلك على المزاج وساعات النوم والشهية، ما يسبب الاكتئاب.
تجنب الانطواء
وأشارت بنزاكور إلى أن الفرد خلال جائحة كورونا يحتاج أكثر من أي وقت مضى للتواصل مع الناس لتجنب الانطواء، كما أن مشاهدة التلفاز ومتابعة الأخبار عن تطورات الفيروس تزيد نسبة القلق لدى البعض خاصة أولئك الذين يعانون من القلق العام أو ما يعرف بـ(Generalized Anxiety)  واضطراب الوسواس القهري، مبينة أن الإفراط في مشاهدة التلفاز يجعل الأمور أكثر تعقيدًا من الناحية النفسية والعقلية لهذه الفئة، ذلك دون أن نقلل من أهمية متابعة الاخبار المتعلقة بطرق الوقاية، موضحة أن عدد من الدراسات أشارت إلى وجود علاقة مباشرة بين الأمراض آنفة الذكر وارتفاع ضغط الدم وعدم اتباع نظام غذائي صحي وبين احتمالية الإصابة بمرض الزهايمر. 
وشددت على أن الأثار السلبية للجلوس في البيت معظمها مرتبطة بالصحة النفسية للفرد، لكن يمكننا القول أن الأسرة قد تشهد خلافات بين أفرادها بسبب القلق والضغط النفسي، وهذه المشكلات إذا تكررت ولم يتم حلها بشكل سليم ربما تتحول إلى ظواهر اجتماعية سلبية، تظهر على شكل العنف الأسري، وزيادة حالات الاكتئاب المسبب للانتحار، لاسيما إذا اجتمعت مع عوامل أخرى مثل البطالة وقلة المدخول المادي وارتفاع نسبة الفقر، داعية الجميع خلال فترة الجلوس في المنزل إلى استغلال الوقت في رسم خطط مستقبلية على المستوى الشخصي والمهني والاجتماعي، وممارسة الرياضة للحد من العصبية والقلق الزائد وتجديد الطاقة، إضافة إلى تعلم مهارات جديدة.

أغذية ضارة
أما بخصوص الأغذية وأنواعها خلال الحجر، قالت خبيرة التغذية سنا مجنة أن الحجر المنزلي خلال كورونا أثر على نوعية الأطعمة التي نتناولها حيث زاد استهلاكنا للأرز و للمخبوزات والأطعمة المعلبة لسهولة تخزين الحبوب، إضافة إلى استهلاك الحلويات باعتبارها كمصدر للسعادة اولاً و للسكريات ثانياً، كونها تمد اجسادنا بالطاقة اللازمة لاسيما مع قلة تناول الفاكهة.
وتابعت: "كوننا نقضي معظم أوقاتنا في المنزل أصبحت المقرمشات والمكسرات المملحة عنصرا أساسيا من نظامنا الغذائي، مبينة أن المخبوزات و الحلويات تحتوي على كميات كبيرة من السكر ما يؤدي إلى السمنة المفرطة و الإصابة بالسكري و زيادة احتمال الإصابة بأمراض القلب لدى البالغين و كبار السن، كما أنها تؤدي إلى فرط النشاط عند الأطفال، حيث تحتوي المخبوزات على الطحين المعالج المسبب بنقص كمية الألياف و المواد المغذية الموجودة فيه، بينما تشكل المعلبات خطراً رئيسياً على صحتنا نظراً لكونها معالجة و تحتوي على الكثير من المواد الحافظة و الملح و السكر ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم و السكر في الدم و بعض أمراض القلب خاصةً لدى الكبار بالسن.
العزلة .. حزن و إنفاق
وبالعودة إلى رأي الشارع بمخاطر الحجر المنزلي، يقول أحمد خالد أن جائحة كورونا وما ترتب عنها من المكوث طويلا في المنزل دفعني لاستخدام الانترنت لفترات أطول ومشاهدة محتويات الیوتیوب ونتفلكس، مضيفا "تواصلي مع أصدقائي وأفراد عائلتي يقتصر على المكالمات الهاتفية"، مبينا أن الجلوس في المنزل لم يسبب لي مشاكل صحية، بل على العكس أعمل على استغلال فترة الراحة "المدفوعة".
من جهتها قالت منى نزھة، "أن كثرة استخدام الانترنت والأكل خلال الجلوس في المنزل أثر كثيرا خاصة مع شعورنا بالوحدة نتيجة العزلة عن الأخرين، مضيفة أن الأكل و الجلوس لفترات طويلة من الطبيعي أن يسببان في زيادة الوزن، هذا عدا الإنفاق الزائد على المشتريات، بينما قالت نهى أن الجلوس في المنزل خلال الفترة الماضية سبب لها الحزن و بدأت تظهر لها بعض الهموم والمشاكل الجديدة التي كانت منشغلة عنها في السابق، إضافة إلى الإفراط في الأكل، مشيرة إلى أن أهم الاثار السلبية للعزلة هي الاعتياد على ملازمة المنزل والخوف من مقابلة الناس أو التحدث معهم، وزيادة الإنفاق على المشتريات، داعية الجميع إلى ممارسة الرياضة و سماع الموسيقى خلال الجلوس في المنزل.
1000 فيلم 
من جهته، قال ياسين أن السهر لساعات متأخرة و قلة الحركة من السلوكيات الجديدة التي أدخلها فايروس كورونا على حياتي، إضافة إلى الإقبال الكبير على الطعام ومشاهدة التلفاز، مضيفا "لقد شاهدت مايزيد عن 1000 فيلم خلال 3 شهور ويمكنني القول أنني حققت رقما قياسيا في هذا المجال"، وبشأن الانقطاع عن التواصل مع الأخرين، قال " لقد أرحت رأسي من القيل والقال"، داعيا الجميع إلى الراحة وممارسة الأنشطة و الابتعاد عن الاستماع للشائعات.
بدورها قالت حنان خليل، أن المكوث في المنزل دفعها إلى الاعتياد على قلة الكلام والحركة و والشعور بالانطوائية، كما رافق ذلك مزيدا من الإنفاق والأكل و الاعتياد على النوم، ومشاكل نفسية وزيادة في الوزن.
كوادر جانبية
تخزين للحوم و المواد الغذائية!

أكد صاحب أحد المتاجر العربية في أوتاوا، أن فترة بداية العزل نتيجة كورونا شهدت المحلات التجارية لاسيما التي تبيع اللحوم الحلال، إقبالا كبيرة من أبناء الجالية العربية، حيث تركزت مشترياتهم في بداية الأمر على المواد الغذائية واللحوم، بكميات كبيرة بهدف تخزينها، مضيفا أن بعض المنتجات اختفت من الأسواق، لافتا إلى أن هذا التصرف قد يكون مبررا بعض الشيء نتيجة خوف الناس من انقطاع المواد الغذائية، لكن علينا أن نتذكر بأننا نحن نعيش في كندا وهي أحد الدول المتقدمة التي تضع خطط طوارئ جيدة لمثل هذه الحالات، لكن خوف الناس كان أكبر من ذلك.
وعن قوة البيع بعد فتح الأنشطة في المقاطعات أخيرا، قال لقد عاد الوضع إلى طبيعته كما كان قبل كورونا، حيث زال الخوف وعادت الناس إلى حياتها التي كانت تزاولها مع قليل من الحذر.
من جهته، قال صاحب متجر كندي، أن إقبال الناس مع بداية الحظر، كان على شراء المواد الغذائية و مواد التعقيم و التنظيف، إضافة الى بيع الكترونيات التسالي، لكن الأبرز كان إقبال الناس على شراء الثلاجات لتخزين الأطعمة، حيث بعنا منها المئات وبكافة الأحجام.
بينما أعرب أحد الزبائن عن أسفه لاستغلال بعض المتاجر أزمة كورونا و رفع الأسعار لعدد من المنتجات، مضيفا "لقد خزنت الكثير من الأطعمة من لحوم ومعلبات بعضها فسد وتخلصت منه، كانت خسائر كبيرة بالنسبة لي، ولن أنجر خلف الشائعات مرة أخرى".
أوجاع الظهر والعمود الفقري
شددت سالي مجنة على أن العمل من المنزل يتطلب استخدام طاولة مع اسناد الظهر في جلسة صحية لتجنب أوجاع الظهر ومشاكل العمود الفقري والاستفادة من فكرة العمل من المنزل لأخذ استراحات قصيرة متكررة كل ساعة لتحريك الجسم و تجديد النشاط عن طريق القيام ببعض التمارين الخفيفة وإراحة العين عن طريق النظر عبر النافذة على مدى البصر لعدة ثوان ثم النظر بتركيز على شيء قريب وتقليب النظر.
أما بشأن صحة الأطفال خلال الجلوس في المنزل لفترات طويلة، دعت إلى التركيز على تغذيتهم بشكل متوازن مع ممارسة أنشطة جسدية بدلا من ألعاب الفيديو التي سبق وان صنفتها منظمة الصحة العالمية كنوع من أنواع الإدمان، كذلك تعرضهم لأشعة الشمس ساعات الصباح الأولى وتجنب الإفراط في تناول الحلويات لتجنب المشاكل السنية و زيادة الوزن، بينما دعت كبار السن إلى عدم اعتماد نظام حياة ساكن وعدم الجلوس لفترات تزيد عن ساعتين متواصلتين دون أن يتخللهما وقت للمشي والحركة أو الاستعانة ببعض الأجهزة الرياضية البسيطة إن أمكن، مع المداومة على أدويتهم الدائمة والمتابعة مع أطبائهم في حال احتاجوا لتغيير في الجرعات أو في حال ظهور أعراض جديدة.
لنظام غذائي متوازن اتّبع التالي:
دعت سنا مجنة إلى ضرورة الحصول على نظام غذائي متوازن، وشرب الماء بعيداً عن المشروبات الغنية بالسكر و الاعتماد بشكل رئيسي على الخضار و الفاكهة الطازجة كونها توفر جميع العناصر الغذائية اللازمة للجسم كالفيتامينات و الألياف التي تساعد على عملية الهضم، إضافة إلى السكريات و البروتينات التي يحتاجها الجسم للقيام بوظائفه كالنمو و إفراز الهرمونات.
وأشارت إلى ضرورة الاعتماد على الحبوب الكاملة كونها تحتوي على البروتين و المعادن و فيتامين ب و مضادات الاكسدة ما يقلل من خطورة الإصابة بأمراض القلب، كذلك استهلاك كميات متوازنة من البروتينات الحيوانية الموجودة في اللحوم و البيض و منتجات الألبان لاحتوائها على الأحماض الدهنية الضرورية لبناء أغلفة الخلايا و تنظيم إنتاج الهرمونات و وظائف الجسم المختلفة.
 ولفتت إلى أهمية تقسيم كميات الطعام على عدة وجبات منتظمة في أوقات معينة و وتناول الوجبات وجود أشخاص آخرين، لأن تناول الطعام بشكل فردي يزيد من استهلاك الطعام بسبب الشعور بالملل و الوحدة، إضافة إلى تناول الطعام ببطء كي يتم مضغه بشكل جيد مما يسهل عملية الهضم على الجهاز الهضمي.
إيجابيات "كورونا"
دعت نورما الجزائري، إلى النظر للجوانب الإيجابية لفايروس كورونا، وأهمها اجتماع العائلة في المنزل مع بعضهم البعض، بعد أن فرقتهم مشاغل الحياة و مصاعبها، مضيفة "نحن نجلس الآن على مائدة واحدة كما كنا نفعل منذ سنوات طويلة، الأب كان مشغولا و الأم كذلك و الأولاد إما في المدرسة أو مع الأصدقاء، بينما اليوم كلهم يجلسون في المنزل سويا و كأنهم يتعرفون على بعضهم البعض من جديد.