لقاء مع سعادة سفيرة المملكة المغربية لدى كندا السيدة سُورية عُثماني

السفيرة  عُثماني : نطمح ونسعى جاهدين إلى تنمية علاقاتنا مع مختلف المقاطعات والأقاليم الكندية الأخرى والانفتاح على مختلف الشركاء بها لتحقيق ما نصبو إليه 

في لقاء العدد الذي أجراه رئيس تحرير صحيفة عرب كندا م. زهير الشاعر مع سعادة سفيرة المملكة المغربية لدى كندا، سُورية عُثماني، التي رحبت بدورها بهذا اللقاء ترحيباً خاصاً، وأجابت كعادتها على كل أسئلتنا بدون تحفظ وبرحابة صدر وجرأة وصراحة وثقة كبيرة بالنفس، كما أنها حرصت كل الحرص على إتمام هذا اللقاء الحصري وإنجاحه. 

س. بداية نود منكم التكرم بإعطاء القارئ العربي الكريم في كندا نبذة تعريفية عن سعادة سفيرة المملكة المغربية لدى كندا! 

ج. أود في البداية أن أنتهز هذه الفرصة لأشكركم على إتاحة الفرصة للتحدث الى القارئ العربي بكندا عبر هذا المنبر الصحفي التواصلي، صحيفة "عرب كندا". ونحن بدورنا ندعم هذا العمل الاعلامي لما له من أهمية بالغة للتواصل مع الجاليات العربية. 

أما بخصوص مساري المهني فهو يمتد لأكثر من 30 سنة في كنف وزارة الخارجية والتعاون الدولي التي بدأت فيها مشواري سنة 1982 كمستشارة للشؤون الخارجية، ثم تدرجت فيها عبر تكليفي بمسؤوليات عدة، كلفت بها في مديرية العلاقات المتعددة الاطراف كرئيسة مصلحة ومشرفة على برامج التعاون مع وكالات الامم المتحدة المكلفة بالبيئة والتنمية المستدامة، وقضايا المرأة واندماجها، واليونيسف والمنظمة العالمية للصحة، والاغدية والزراعة..... 

بعدها التحقت كنائبة سفير في كل من بعثة المملكة بالنمسا والسويد، ومن ثم عدت للعمل بوزارة الخارجية مرة أخرى سنة 2001 كرئيسة قسم بمديرية التشريفات، ثم عينت سنة 2004 للعمل كقنصلة عامة للمملكة المغربية بمونتريال، وبعدها حظيت بالتعيين كسفيرة لصاحب الجلالة سنة 2011 بجمهورية التشيك، ومن ثم حظيت بالثقة مرة أخرى بالتعيين كسفيرة لصاحب الجلالة وذلك منذ عام هنا في كندا. 

س. كيف تنظرون للعلاقات السياسية والاقتصادية المغربية الكندية اليوم؟   

ج. مند عام 1962، تاريخ إقامة العلاقات الديبلوماسية بين المغرب وكندا، شهدت هذه العلاقات تطوراً نوعيا ونمواً مطرداً في مختلف المجالات والأصعدة. وهنا لا بد من الإشادة بالتعاون المثمر والبناء والمتنوع الذي يميز هذه العلاقات على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.  

كما أنني أود التأكيد على أنه لا شك في أن قوة هذه العلاقات بين البلدين الصديقين تتجسد على أعلى المستويات بفضل الإرادة السياسية السامية والرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محـمد السادس نصره الخالق، الذي يولي أهمية قصوى لتوطيدها والرقي بها حتى تستجيب لتطلعات البلدين والشعبين، حيث جعل كندا في مصاف الدول الصديقة للمملكة المغربية، باعتبار شراكتهما الاستراتيجية المتميزة والمتنوعة. 

 على صعيد أخر، تم تعزيز هذه الشراكة من خلال الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الكندي الأسبق ستيفين هاربر إلى المغرب في شهر يناير من عام 2011، والزيارات الرسمية التي تمت قبله لحكام عامين لكندا. كما احتفل البلدان سنة 2012 بالذكرى الخمسين لإقامة علاقتهما الدبلوماسية، وقد شهدت السنوات الأخيرة زيارات متبادلة على أعلى مستوى بين وفود البلدين التي شملت ميادين التعاون في المجالات العلمية والثقافية والأكاديمية، والطاقات المتجددة، والطاقة النووية، والطيران، والأعمال والاستثمار. كما قام وزير الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندي السيد أحمد حسين أواخر سنة 2018 بزيارة للمغرب للمشاركة في المؤتمر الدولي الخاص باعتماد الميثاق العالمي للهجرة. 

من جانب آخر، على المستوى الاقتصادي، عمل البلدان في السنوات الأخيرة على توطيد وتطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية، التي تشهد نموا سريعا سنة بعد أخرى، لكنها لا تزال لا ترقى إلى المستوى المنشود الذي يطمح اليه البلدان خاصة في ظل الإمكانات التي يتوفران عليها، رغم ارتفاع معدل التبادل التجاري خلال السنتين الاخيرتين الذي ناهز 800 مليون دولار.  

ونحن بدورنا نبذل كافة الجهود لنضاعف هذا المعدل ، خاصة بعد أن قامت المملكة المغربية مؤخرا بتدشين المحطة التجارية الثانية للبضائع بميناء طنجة المتوسط،  الذي يعتبر اول ميناء تجاري في القارة الافريقية والخامس في العالم، والذي سيشهد قريبا تدشين خط تجاري بحري مباشر مع كندا مما سيساهم بلا شك برفع الميزان التجاري بين البلدين، لاسيما عن طريق المشاركة المتبادلة في المعارض التجارية، وتشجيع الاستثمار، وتنظيم زيارات لرجال الأعمال، وتنمية المبادلات بين المؤسسات المغربية والكندية ذات الطابع الاقتصادي والتجاري، كالمتواجدة هنا فوق التراب الكندي مثل مؤسسة الخطوط الملكية المغربية وممثلية البنك الشعبي، والبنك التجاري المغربي، والبنك التجاري وفاء، والمركز الثقافي المغربي، التي تعمل جميعها جنب إلى جنب مع مصالح السفارة ومصالح القنصلية العامة للمملكة المغربية بمونتريال على توطيد وتطوير العلاقات الثنائية المغربية-الكندية. كما نطمح إلى تقوية هذا الإطار المؤسساتي المغربي في كندا عبر فتح قنصلية عامة للمملكة المغربية في مدينة تورونتو في المستقبل القريب، بهدف تقريب الإدارة من المواطنين المغاربة ومختلف الشركاء المتواجدين في أونتاريو وعموم المقاطعات غرب كندا وتسهيل معاملاتهم اليومية. 

واذ كان المغرب ومقاطعة كيبيك استطاعا خلال السنوات الماضية تطوير علاقتهما في مختلف المجالات، بفضل الإرادة السياسية المتبادلة وتواجد نسبة كبيرة من الجالية المغربية بكيبيك، بالإضافة الى عامل اللغة المشتركة، فإننا نطمح ونسعى جاهدين إلى تنمية علاقاتنا مع مختلف المقاطعات والأقاليم الكندية الأخرى والانفتاح على مختلف الشركاء بها لتحقيق ما نصبو إليه.  

وعلى المستوى الدولي، يواصل البلدان تعاونهما الدائم، لاسيما على مستوى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بالنظر لتقارب وجهات نظرهما حول عدد من القضايا الراهنة، كحفظ السلام والأمن في العالم وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، والتنمية، والحفاظ على التعددية الثقافية، والديمقراطية، والعيش المشترك. 

س. كما تعلمون بأن كندا هي بلد متعدد الثقافات، كيف وجدتم تأثير ذلك على تجربتكم هذه كسفيرة في كندا للمملكة المغربية التي لديها حضارة وثقافة عريقة، منذ مجيئكم إليها حتى يومنا هذا؟، وماذا تودون القول اليوم لأبناء الجالية العربية بشكل عام والجالية المغربية بشكل خاص بهذا الخصوص؟ 

ج. صحيح ان كندا بلد متعدد الثقافات ولكن لا يجب ان ننسى انها اصبحت كذلك بفضل استقطابها لمهاجرين حملوا معهم ثقافاتهم المتعددة وكفاءاتهم وخبراتهم ونمط عيشهم. فكما لا يخفى على أحد أن كندا هي بلد منفتح على الهجرة وذلك لأسباب واعتبارات ذات طابع ديموغرافي واقتصادي ولغوي. فالمهاجر بصفة عامة اختار الاقامة في هذا البلد لما يتميز به المجتمع الكندي من اختلاف وتنوع قل نظيره سواء على مستوى تركيبته الدينية أوالعرقية أوالعقائدية، وكذلك ما يوفره هذا البلد من قوانين مهمة تعترف بحرية الهوية الثقافية والدينية لكل فئة وتوفر لها الحماية الكاملة، مما جعل هذا البلد يتبوأ مكانة مرموقة بين دول العالم في ميدان التعايش بين الجاليات المختلفة ثقافياً وعقائدياً.  

وإذا أردنا ان نصنف جاليتنا المغربية في هذه الفسيفساء الثقافية المتنوعة، فإنها تحتل مكانة طيبة وجد محترمة بين الجاليات الأخرى. كما أنه في تقديري وبحكم تجربتي المتواضعة في هذا البلد الذي قضيت به سبع سنوات كقنصلة عامة للمغرب بمونتريال وشاءت الاقدار ان أعود اليه كسفيرة، نجد في كندا عددا كبيراً ومهما من حالات الاندماج الناجح التي لها تأثيرها الإيجابي والبناء، وهذا لا يجعلنا أن نغفل بأن هناك بالمقابل تجارب فاشلة واخفاقات عسيرة وهذا أمر طبيعي ولكنه يحتاج بالطبع لإهتمام وإستعداد أكبر لتجاوزه.  لذلك في نظري لا توجد وصفة سحرية او قاعدة يمكن الاستناد اليها لضمان النجاح سوى الاعتماد على النفس وعلى القدرات الذاتية والمؤهلات والحوافز الخاصة لكل فرد. 

إذاً ، لابد ان تسعى هذه الجاليات العربية دون كلل او ملل في الانخراط والاندماج في الحياة الكندية حيث أن هناك برلمانيين ووزراء ورجال اعمال واطباء وطلبة من أبنائها شقوا طريقهم ونجحوا فيها. ولذلك في تقديري أنه ينبغي على الاجيال الصاعدة من ابناءنا ان تحذو على خطى هؤلاء في طريق النجاح. كما أنني أتمنى لإخواننا العرب عامة والمغاربة خاصة ان يحافظوا على سمعتهم الطيبة وان يكونوا على الدوام سفراء لبلدانهم وصلة وصل مفيدة بين بلدهم في المهجر وبلدهم الاصلي، وان نسمع دائما منهم وعنهم الكلمة الطيبة والايجابية والبناءة . 

وهنا أثير انتباه الأسر العربية القاطنة هنا بكندا أن تحمي أبناءها، والمسؤولية الاولى تقع بلا شك على الآباء والامهات من خطر العالم الافتراضي لوسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك من خلال الحديث المستمر عن الوطن الأصلي وتاريخه وزيارته، وكذلك تشجيع أطفالنا على تعلم اللغة العربية وأصول الدين الإسلامي الصحيح المنفتح على الاحترام ونبذ العنف والتطرف. والمثل يقول " إذا لم يكن للإنسان جذور فلن تكون له فروع ". 

س. لديكم مركز ثقافي في مدينة مونتريال ويقوم بنشاطات ثقافية مهمة للغاية خاصة فيما يتعلق بموضوع الحوار بين الثقافات والأديان المختلفة، ما الذي يدفع المملكة المغربية لذلك؟ 

ج. يعتبر المركز الثقافي المغربي - دار المغرب- بمونتريال معلمة ثقافية أساسية ونافدة مهمة لتوطيد العلاقات الثقافية المغربية الكندية. ويعكس إقامة هذا الصرح الثقافي بكندا، الذي دشنته صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء سنة 2012، بتزامن مع الاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وكندا، الاهتمام الكبير الذي يوليه صاحب الجلالة للمعرفة والثقافة كركيزة أساسية لتسهيل الاندماج والتفاهم والتعايش، وكدعامة للحوار بين الثقافات والأديان المختلفة، وإشاعة قيم السلم والتسامح التي ما فتيء المغرب يدافع عنها.  

ويندرج إحداث دار المغرب بمونتريال في إطار سياسة المملكة المغربية الرامية الى النهوض بالثقافة والحضارة المغربيتين في ربوع العالم، تماشياً مع توجيهات المملكة في دعم الدبلوماسية الثقافية عبر تنظيم أنشطة ثقافية ومعارض فنية للتعريف بالرصيد الحضاري والثقافي العريق للمغرب وتعزيز اشعاعه دولياً، والتعريف بهويته الموحدة الاصلية والغنية بروافدها، العربية والاسلامية والامازيغية والحسانية والاندلسية والعبرية، التي تثري تنوع المملكة في إطار من الوحدة. 

ووفقا لهذا التوجه، ساهم هذا الفضاء الثقافي المغربي الأول من نوعه في امريكا الشمالية منذ تأسيسه، في تعزيز وإثراء التبادل الثقافي المغربي- الكندي، بفضل الأنشطة المكثفة التي ينظمها ويحتضنها طيلة السنة، في مختلف المجالات كالفنون التشكيلية، والمسرح، والسينما، وتنظيم معارض للصناعة التقليدية والطبخ المغربي الأصيل، وتنظيم ندوات فكرية وثقافية بمشاركة أساتذة وأكاديميين مرموقين من المغرب وكندا، تشكل بالنسبة لهم فرصة سانحة للالتقاء وتبادل وجهات النظر التي تهم قضايا الساعة والتي تشهد تجاوباً كبيراً. كما يعمل المركز من أجل تعليم اللغة العربية للأطفال من أبناء الجالية المغربية والعربية والإفريقية والمشاركة في أنشطة مخصصة وموجهة لهذه الفئة.  

كما يستقبل مختلف الأنشطة الموجهة للجالية المغربية في الأعياد الوطنية المغربية والمناسبات الدينية، مما يمكنها من تقوية أواصرها، والتواصل فيما بينها، والحفاظ على عاداتها وتقاليدها وهويتها، مع ضمان بقاء المركز منفتحا على الجاليات الأخرى بكندا، كالجالية العربية والجالية الإفريقية، لتنظيم أنشطتها المختلفة في مجال الفنون والثقافة، ناهيك عن احتضانه لفعاليات ثقافية وترفيهية بمشاركة عدد من السفارات العربية والأفريقية المعتمدة لدى كندا.   

وهكذا تمثل دار المغرب بمونتريال نموذجاً يحتذى به للتعاون الناجح بين المملكة المغربية وعدد كبير من المؤسسات الثقافية الكيبيكية خاصة والكندية عامة، والذي تتعزز سنة بعد اخرى على أساس قيم مشتركة تحافظ على التعددية والانفتاح والتنوع واحترام الآخر. 

س. في ظل التحديات التي تواجه العالم خاصة الإرهاب، نجد أن المملكة المغربية تضرب مثلاً رائعاً بالاستقرار في السنوات الأخيرة والالتفاف حول القيادة المغربية، فما سر ذلك؟، هل هو حكمة القيادة المغربية أم أن هناك أسباب أمنية أخرى؟ وبماذا تنصحون ابناء الجاليات العربية لكي يحصنوا أنفسهم من هذه التحديات؟ 

ج. لقد أصبح الارهاب من الظواهر التي تقلق المجتمع الدولي، حيث أصبح يمس المجتمعات ويستهدف كيانها وبنيانها الاساسي، فتوسعت رقعة الارهاب اقليمياً وعالمياً من طرف الجماعات الارهابية "كداعش والقاعدة" وكذلك بما يسمى "الذئاب المنفردة" ، مما دفع كل الدول بدون استثناء الى اتخاد تدابير امنية وسن قوانين جديدة للتصدي لهذا الخطر الداهم وحماية شعوبها من أثاره المدمرة. 

والمملكة المغربية لم تكن بمنأى عن هذا الخطر، فالأحداث الارهابية التي شهدتها الدار البيضاء سنة 2003 وما أعقبها من أحداث أخرى سنة 2011 دفعت بالمغرب إلى إعادة النظر في مجموعة من سياساتها الأمنية والعقائدية. 

أما بالنسبة للمقاربة الامنية، فقد أحدث المغرب المكتب المركزي للأبحاث القضائية المعروف اختصارا (BCIJ)  وهو تابع للمديرية العامة لمراقبة التراب للوطني، والذي يهدف بالأساس الى مواجهة الجريمة الارهابية وكل الجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي والخارجي، حيث مكن هذا المركز من خلق سياسة أمنية رادعة ويقظة واستباقية لمواجهة الأخطار الإرهابية في المهد. وبذلك تمكنا بالفعل من تفكيك عدد كبير من الخلايا الارهابية باحترافية وكفاءة عالية مما مكن المغرب من أن يكون نموذجاً مطلوباً من قبل عدد من الدول بغية تعزيز التنسيق الأمني لمواجهة خطر التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة. 

والمملكة المغربية إيماناً منها بحرية الاعتقاد وتبنيها للمذهب السني المالكي المعتدل وكذا برعاية جلالة الملك محـمد السادس وبصفته "أميراً للمؤمنين"، أعلن خطة شاملة سنة 2005 لإعادة هيكلة وزارة الشؤون الإسلامية (المشرف الرئيسي على المساجد والخطباء)، وإحداث مجالس علمية محلية بكل مدن المملكة بعناصر نسائية لأول مرة، وإعادة هيكلة المجلس العلمي الأعلى الذي يترأسه جلالته شخصيا والذي يعتبر الهيئة الوحيدة في المملكة التي لها الحق في البث في مسألة الفتوى. 

بعد ذلك اسس جلالته المعهد الوحيد في العالم لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات الذي لا يستفيد منه المغاربة فقط، وإنما أيضا وافدون من دول عديدة.  فهو يهدف بالأساس إلى تكوين ديني مؤسساتي يغلق الباب أمام الايديولوجيات الدينية التي تنتج متطرفين، وذلك من خلال رجال دين يأخذون بالفقه الأشعري والمذهب المالكي والتصوف السني كثواب لدين الامة الإسلامي. 

بجانب هذا، أحدث المغرب سنة 2015 مؤسسة محـمد السادس للعلماء الأفارقة والتي تسعى بدورها إلى توحيد وتنسيق جهود العلماء المسلمين في كل من المغرب وباقي الدول الإفريقية والعربية للتعريف بقيم الإسلام السمحة ونشرها وترسيخها، حيث أن معالجة مشكل الإرهاب في العالم من منظور جلالة الملك يجب أن تكون شاملة، وذلك من خلال إدماج الجوانب الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وخاصة منها مكافحة الهشاشة ودعم المشاريع التي لها وقع اجتماعي مباشر على السكان لأن مكافحة الإرهاب في الواقع هو حرب ضد الفقر والهشاشة والاقصاء أولاً. 

س. تعرفون أن موضوع الاندماج هو امر بالغ الأهمية لخدمة القضايا العربية، وهناك تحديات تواجه أبناء الجاليات العربية خاصة فيما يتعلق بالانعزال والخوف من الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، ماذا تودون القول حول هذا الأمر؟ 

ج. تواجه الجاليات العربية في دول المهجر تحديات متنوعة، تختلف باختلاف البلدان والمجتمعات التي يعيشون فيها، ومن أبرزها تحدي الاندماج. ولابد من التمييز، بطبيعة الحال، بين الاندماج السلبي وهو الذوبان التام في المجتمع والانسلاخ من الهوية الأصلية تماما، والاندماج الإيجابي المرغوب فيه، وهو نقيض للأول.  

فهذا النمط الأخير من الاندماج يتيح المشاركة الفعلية والكاملة وعلى جميع الاصعدة في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية لبلدان الاستقبال والإبداع فيها والتأثير الإيجابي والبناء في كل مكوناتها، وهذا في الواقع هو المطلوب من الجالية العربية بكندا، لأن ذلك يُمكنها من تنمية شخصيتها وهويتها الحضارية بما فيها، اللغة والقيم والعادات والتقاليد داخل المجتمع الكندي. وهذا التوجه مطلوب ومُلح، لأنه يناقض تماما التقوقع على الذات والانعزال عن المحيط، الذي يؤدي في النهاية إلى الانفصال الكلي عن المجتمع والفشل، وربما إلى التطرف. 

وبما أن المجتمع الكندي غني بتنوعه ويسعى دوما للحفاظ على تعدديته الثقافية، فإن الاندماج فيه يُعد فرصة لتحقيق النجاح وبلوغ الأهداف المرجوة. وهذا الاندماج يحتاج لبناء مؤسسات قوية ومندمجة على أعلى مستوى من الكفاءة حتى يكون لها الوزن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي المطلوب وتترجم الطموحات والآمال الى واقع حي.  

وهنا لابد من الإشادة بالعمل والمجهودات التي تقوم بها بعض الهيئات العربية بكندا، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، المجلس العربي الكندي للأعمال، ومجلس سفراء العرب المعتمدين بكندا، وبعض منظمات المجتمع المدني، والمدارس التي تعنى بتعليم اللغة العربية للأجيال، مما يخدم مصالح الجالية العربية ويساعدها على الاندماج الإيجابي في المجتمع الكندي. 

وفي هذا الصدد، ووعياً منه بالدور الريادي الذي تلعبه الجاليات العربية المقيمة في كندا، يتواصل مجلس سفراء العرب المعتمدين بكندا مع البرلمانيين من أصول عربية في البرلمان الكندي، ومختلف الهيئات المدنية والسياسية والثقافية والفكرية والأكاديمية العربية بكندا. كما ينظم كل سنة فعاليات اليوم الثقافي العربي بكندا بحضور شخصيات كندية وازنة سعياً للتعريف بالخصائص الحضارية والثقافية والفنية للبلدان العربية وتقريبها من المجتمع الكندي، والتي شهدت مشاركة واسعة للجالية العربية ولقيت صدى طيباً لدى الجهات السياسية والاقتصادية والثقافية الكندية. 

 

س. كيف ترون السياحة في المغرب وماذا تودون القول لأبناء الجالية العربية في كندا من خلال صحيفة عرب كندا حول هذا الموضوع لتشجيعهم للزيارة السياحية في المغرب؟ 

ج. يتميز المغرب بالأمن والاستقرار وبمؤهلات سياحية متنوعة، من تراث حضاري عريق وموقع جغرافي استراتيجي، ومناظر طبيعية خلابة، إضافة الى بنية سياحية وفندقية مهمة. 

فالمغرب يسعى باستمرار في تحديث قطاع السياحة من خلال تطوير جودة الاستقبال وتعزيز وجهته في الاسواق العالمية للحفاظ على اشعاعه السياحي كبلد مُفضل للسياح. 

فزائر المملكة المغربية يستمتع بكل ما يناسب اذواقه وميزانيته، فهو مرحب به دائماً وكرم المغاربة الشعب المغربي وحسن ضيافته أمر معروف. 

فميزة مناخ المغرب المعتدل في معظم ايام السنة والطبيعة الخلابة من جبال وغابات وشواطئ وصحراء، وكذلك ما تقدمه المطاعم والفنادق من أطباق متنوعة ولذيذة من المطبخ المغربي الأصيل، تمنح للسائح ذكريات جميلة وانطباعاً جيداً على عن الزيارة. 

في المغرب مثلا، ومقارنة بكندا، يمكنك في غضون ساعات قليلة ان تجد نفسك بين سفوح جبال الاطلس الشاهقة، أو وسط واحات الصحراء الجميلة، او على شاطئ من شواطئ المملكة النظيفة، سواء منها المطلة على البحر الابيض المتوسط، أو تلك المطلة على المحيط الاطلسي، كل هذا ينقلك في سفر عبر مدن تزخر بحضارة وتاريخ وتراث عريق. كما تُقام ايضاً مهرجانات ثقافية وفلكلورية على طول السنة تجلب محبيها سواء منها الدينية أو العالمية. 

وبفضل موقعه الجغرافي المتميز، وكقطب للتبادل بين أوروبا وأفريقيا، وبين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، اعتمد المغرب استراتيجية طموحة في مجال الربط الجوي، من خلال تكثيف الرحلات وافتتاح خطوط دولية جديدة، لا سيما عبر محور الدار البيضاء، وتشييد مطارات دولية في مختلف المدن السياحية، مما ساهم كثيرا في تنشيط السياحة.   

ولابد من الإشارة، في هذا الصدد، إلى الدور الكبير الذي تلعبه الخطوط الملكية المغربية التي تؤمن رحلات يومية بين مونتريال والدار البيضاء منذ ما يزيد عن أربعين سنة، إلى جانب الخطوط الكندية منذ عام 2016، في إتاحة الفرصة للكنديين لزيارة المغربية واكتشاف مؤهلاته وتنوع منتوجه السياحي. لذلك فكرة زيارة المغرب كمقصد سياحي تستحق الإهتمام من أبناء الجالية العربية. 

س . ننتقل إلى محور آخر، حيث أنه كما تعلمون بأن القضية الفلسطينية لا زالت هي الشغل الشاغل والأهم لأبناء الأمة العربية والإسلامية، وهي قضية محورية بالنسبة للملكة المغربية خاصة بأنها تولي أهمية بالغة للقدس ومكانتها الدينية . في تقديركم ما هو الموقف المغربي مما يتم طرحه حول ما يُسمى بصفقة القرن؟ 

 

ج. خطة السلام التي سُميت "بصفقة القرن" والتي يُقال إنها خصصت لجلب الاستثمارات وبناء مستقبل مزدهر لمنطقة الشرق الأوسط، هي في الواقع تسريبات وتخمينات غير واضحة المعالم. 

 وكما تعلمون، فقد شارك المغرب بتمثيل محدود في الورشة التقنية والقطاعية في أشغال "الورشة حول السلام والازدهار" التي احتضنتها عاصمة المملكة البحرين الشقيقة يوم 25 و26 يونيو 2019، والتي عرفت مشاركة العديد من البلدان العربية والافريقية والأوروبية الى جانب عدد من المنظمات الاقليمية والدولية. 

فكما يعرف الجميع، أن موقف المملكة المغربية من القضية الفلسطينية واضح وثابت، ويتجلى دائماً في حرص صاحب الجلالة الملك محـمد السادس بصفته رئيسا للجنة القدس على حماية المدينة المقدسة باعتبارها مُلتقى الديانات السماوية، كما يواصل جلالته جهوده الدؤوبة من أجل التوصل الى تسوية سلمية وعادلة ودائمة وشاملة للصراع العربي الإسرائيلي.  

وسيراً على هذا النهج، يسهر جلالة الملك منذ تربعه على العرش على تعزيز التضامن الإسلامي ولا يدخر جهداً بصفته كذلك أميراً للمؤمنين في الدفاع عن المبادئ النبيلة للإسلام وقيم التعايش والحوار بين الاديان والحضارات. 

كما تحرص المملكة المغربية على دعم كل مبادرات المجتمع الدولي الرامية الى إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس الشرعية الدولية، ورفض أي مقترح أو مشروع أو خطة أوصفقة للتسوية السلمية لا تتوافق ولا تنسجم مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفق ما أقرته الشرعية الدولية وهو اقامة دولتين تتعايشان جنبا الى جنب في سلام واستقرار، بما يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وقابلة للحياة على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. 

كما ثم إحداث وكالة بيت القدس الشريف سنة 1998 كمؤسسة عربية إسلامية غير هادفة للربح وذلك بمبادرة من المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رئيس لجنة القدس آنذاك، والمنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي تبنت هذه المبادرة الهادفة الى حماية الحقوق العربية والاسلامية في المدينة المقدسة وتعزيز صمود أهلها، من خلال دعم وتمويل برامج ومشاريع في قطاعات الصحة والتعليم والاسكان والحفاظ على التراث الديني والحضاري للقدس الشريف. 

س. أشكركم ، وأخيراً ما هو رأيكم بصحيفة عرب كندا؟ 

ج. أجدد لكم الشكر على استضافتي في هذا اللقاء لتسليط الضوء على بعض جوانب العلاقات المغربية الكندية. صحيفة "عرب كندا" هي بلا شك منبر رئيسي للتواصل مع القارئ العربي سواء في كندا أوفي خارجها، وتتيح له الاطلاع باستمرار على مختلف المستجدات على الساحة السياسية والثقافية والاقتصادية والاعلامية بكندا. وهذا الأمر في حد ذاته مهمة نبيلة وجليلة باعتبار أن هذه الصحيفة منبعاً ومصدراً إخباريا أساسياً.  

كما أن هذا المنبر يتيح فرصة الاطلاع على مختلف المبادرات التي تقوم بها الجالية العربية بكندا، أفراداً أو مجموعات، خاصة الهادفة الى تحقيق المزيد من الاندماج في المجتمع الذي يعيشون فيه والتأثير فيه إيجابياً والتعريف بحقوقهم وواجباتهم وخلق مجالات التعاون فيما بينهم، وإيصال صوتهم ومهاراتهم وإبداعاتهم إلى الكنديين وغيرهم من الجاليات الأخرى. 

وبالتأكيد، نحن نعتقد أن إشراك الأجيال الجديدة من أبناء الجالية العربية في هذا العمل التواصلي سيكون نبراساً لهم لمواصلة الركب وسيساهم في إسماع كلمتهم واهتماماتهم وقضاياهم لدى صناع القرار والرأي العام الكندي بشكل عام.  

وأخيراً، أجدد شكري لزيارتك هذه كرئيس تحرير لصحيفة "عرب كندا"، كما أتمنى لصحيفتكم المزيد من الانتشار والتألق والوصول إلى أكبر عدد من أبناء الجالية العربية ، متمنية لكم كل التوفيق.