آخر الأخبار

في حضرة الأغلبية الصامتة

م.زهير الشاعر 

رئيس تحرير صحيفة عرب كندا


في حضرة الأغلبية الصامتة
في كلمة العدد السابق من صحيفة عرب كندا تحدثت عن جوانب عديدة تهتم بالسلوك الفردي بشكل عام، وأهمية البحث في آليات إختيار من يتحدث بإسمنا ويبحث عن حل لمشاكلنا وهمومنا اليومية، ويدعم أمالنا وتطلعاتنا كجالية عربية وإسلامية تتطلع لأن تعيش حياة آمنة وكريمة، كما دعوت للتأكد من قدرتهم على توجيهنا بالشكل الصحيح، حتى نصبح مجتمعاً إيجابياً وقادراً على الاندماج والمساهمة بفاعلية وإيجابية في عملية البناء والتطوير في البلد الذي نعيش فيه لا مجرد أرقاماً صامتة يتم استغلالها عند الحاجة. 
حيث أنه في ظل الحراك الفردي العفوي للبعض الناشط لتقدم الصفوف والمشاركة الفاعلة في القرار،  وفي ظل عزوف الأغلبية عن الممارسة السياسية الإيجابية والبناءة في الإختيار في أي انتخابات بشكل عام، والذين يمكن تسميتهم بالأغلبية الصامتة، التي تتجاذبها القوى السياسية، بين مد وجزر حول تمثيلها، كان لابد لنا من الحديث في حضرة هذه الأغلبية، التي غالباً ما يتم إستقطابها وتجييرها لصالح الحزب أو الفرد بعيداً عن المصلحة العامة للمجتمع الذي ننتمي إليه كأقليات عربية ومسلمة.
فهل يمكن اعتبار الأغلبية الصامتة منا هي  كتلة مؤثرة سياسياً ومنسجمة مع بعضها، تعبر عن موقف سياسي ناتج عن قناعة، أم هي مجرد كم غير متجانس تجمع بين مكوناته اللامبالاة وعدم الإكتراث بالشأن السياسي أو حتى الإجتماعي، يتم لربما توجيهها من قِبَل قلة من المنتفعين وأصحاب المصالح المتقاطعة والذين يخشون العمل في النور لذلك يحالون السيطرة على فكر هذه الأغلبية الصامتة من خلال ترهيبهم من فكرة الإندماج الكامل أو ممارسة حقهم الطبيعي بإبداء الرأي والمشاركة الفاعلة؟.
حيث أنه لا شيء يصعب تفسيره كما يصعب تفسير الصمت، فهو الاحترام والإهانة، والرضى والسخط، اللامبالاة والمبالاة كلها، لذلك لا غرابة في أن نرى البعض يستمتع وهو صامت حتى لو كان ذلك من خلال غض النظر عن البحث في تفسير وجهة نظر المحيطين به لحالته.
فهناك من كسرتهم الحياة وفقد أمله بكثير من الأشياء التي جعلت منه إنساناً سلبياً للغاية، وهناك من تطورت سلبيتهم الذاتية مع تقدمهم العمري والزمني بدون أن يتغيروا أو أن يكون لديهم إستعداداً للتغيير الذاتي أو الارتقاء بالسلوك والتفكير السوي وضرورات قبول الآخر والتأثير به إيجابياً ومن ثم نقله إلى الأجيال المتتابعة ضمن ضرورات المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع.
كما أن هناك البعض الذين يعيشون حالة إنفصام في الشخصية أو إنفصال عن الواقع  من خلال تناقض السلوك الإنساني والفكري،  الذي يجعلهم يعيشون تحت مؤثرات صراخ يصمت وصمت يصرخ وهدوء يشعر بالضجيج وضجيج يشعر بالهدوء، فيركنون إلى زاوية الإنبطاح والمشاهدة من بعيد بسلبية تسلبهم حقهم بالتمتع بجمال الحياة أو تختصرها عليهم برضى بما يتوفر لديهم من قليل، بعيداً عن البحث في ضروريات تطوير الذات والإبداع في ذلك.
لذلك جاء المستغلون الذين لا يوفرون فرصة لإستغلال طاقات هؤلاء الصامتين وبيعها بثمن رخيص حسب حاجة المواقف إليها،  ومن ثم الغياب بعيداً بدون البحث في إمكانية رد الجميل حسب الأصول وما توفره المساحة المتاحة لذلك أو تقديم ما يمكن أن يتناسب مع تطلعاتهم كمجتمع يمثل مكوناً أساسياً بالشراكة مع المجتمعات الأخرى.
نعم لقد جعل هؤلاء من أنفسهم بصمتهم وسلبيتهم أرقاماً يتم إستخدامها كلما تم الحاجة إليهم، فلا هم من الذين يشاركون برأي ولا هم من الذين يبحثون عن حقوق،  ولا هم من الذين يبادرون بإيجابية للمشاركة البناءة في بناء بلد عظيم يعيشون فيه، صان لهم كرامتهم وإحتضن أمالهم وتطلعاتهم وكفل لهم حرية المشاركة والتعبير، لا بل هم من يوفرون لأمثال هؤلاء الإستغلاليين مساحة واسعة من التحرك من أجل إستغلالهم والصعود على أكتافهم.
كيف لا، وهم  يقبلون بالتبعية لقامات مصطنعة توجههم وهي منقسمة ومنتفعة،  لا بل عاجزة عن تمثيلهم أو الحديث بإسمهم أو نقل همومهم وآمالهم وتطلعاتهم بصدق أو بالشكل الصحيح.
كيف لا، ولا زال همهم الأكثر أولوية هو البحث في إن كان هذا لحم حلال وذاك حرام،  أو خطف أضواء بالفهلوة وتصنع الذكاء من أجل تحقيق مصالح ذاتية أو البحث في سيرة موت لهذا وذاك بدون النظر إلى أن بداية الحياة والموت هي حقيقة قائمة بعيداً عن حبك القصص والدراما وصناعة الأحلام وبيع الأوهام.
لهذا كان من الضروري المطالبة بتحفيز هذه الاغلبية الصامتة وحثها على المشاركة الفاعلة والإدلاء برأيها بحرية وبدون توجيه أو إستقطاب من خلال المستغلين الباحثين عن مصالحهم الذاتية فقط، وذلك من أجل التأثير والتغيير الذاتي للأفضل في كل مكونات الحياة بدءاً بالجمعيات والمؤسسات وغيرها التي تمثلنا. 
لذلك لا نرى هنا حرجاً في أن نطالب الأغلبية الصامتة بالخروج من شرنقة السلبية ودعوتهم للانخراط في المجتمع بطريقة أكثر إيجابية وأكثر فعالية لا بل أكثر جاذبية، وذلك من أجل الحفاظ على هوية الفرد وثقافته وصون كرامته بالشكل المنشود، بعيداً عن أي استغلال من هذا أو ذاك والغرق في تفاصيل صغائر الخلافات كون أن الفرصة عظيمة ومتاحة أمام الجميع في بلد عظيم ومتعدد الثفافات.
 هذا بلا شك سيساهم في خلق أثر نفسي إيجابي لدى الأفراد وسيدفعهم لاستغلال مواهبهم وتطوير قدراتهم وزيادة الثقة في أنفسهم مما يجعلهم يُقدِمون بأمل وإيجابية على المشاركة الفاعلة في البناء وصناعة القرار والإبداع في ذلك ،  بدلاً من حشرهم في زاوية اللا خيار أو تطويعهم لكي يكونوا رقماً جامداً لا صوتاً له قيمته المعنوية والإنسانية ومؤثراً في كل جوانب الحياة.
هنا لابد من الإشارة بأنني لا أتجاهل حقيقة أن الكثيرين منا ممن قدموا من دول العالم الثالث لم يمارسوا حرية التعبير والمشاركة في صنع القرار وبقوا على نفس الوتيرة بدون الإستعداد للمبادرة بالتغيير الأفضل للذات وفهم متطلبات تطوير الفكر والسلوك وأهمية الإندماج في الحياة الجديدة، ولذلك لأن هذه الممارسات تتطلب نظام ديمقراطي يسمح للمواطن بالمساهمة الحقيقية في صناعة القرار، فإنه يتوجب علينا كمواطنين في بلد ديمقراطي عظيم ككندا يمنح الفرصة لكل مواطنيه بالتساوي للمساهمة الفاعلة في كافة المجالات، أن لا نضيع هذه الفرصة في البحث في صغائر الأمور والغرق في بحر الأوهام، وعوضاً عن ذلك علينا أن نخرج من ثوب التبعية الفكرية والسلوكية للأخر الذي يستغلنا بدون تفكير ، وهذا ما تعودنا عليه في بلادنا، كما علينا أن نحترم صوتنا وقرارنا ونكون على ثقة بأننا ليسوا مجرد أرقام جامدة وهامدة في التعداد السكاني بل نحن مكون أساسي مبدع وله وزن في القرار السياسي والبناء المجتمعي، ومن حق هذا البلد علينا أن نطور من أنفسنا فيه حتى نستحق حق المواطنة بجدارة، وهو البلد الذي إحتضننا ومنحنا كل المساحات الإنسانية والإجتماعية والمهنية والتعليمية والإبداعية وغيرها الكثير مما يستحق أن نعتز ونفخر به لأننا أحد مكوناته الأساسية، ومن أجل أن نحقق ذاتنا ونبدع فيه خاصة في إظهار إمكانياتنا وطاقاتنا الإيجابية والبناءة لا من أجل أن نركن بعيداً على هامش الحياة فيه ونعيش في حالة إتكال أو صمت دائمة!.