قرار لم شمل العائلات الغزاوية في كندا .... ما بين الفرحة وخيبة الأمل!

بعد مرور عدة أسابيع بدأت كندا مثلها مثل دول أخرى مثل بلجيكا ونيوزيلاندا واستراليا والولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة الأسر التي تحمل جنسيات هذه البلدان للخروج من دائرة الحرب الهمجية التي تشنها قوات الإحتلال الإسرائيلي على المدنيين العزل في قطاع غزة والتي أدت إلى سقوط عشرات الألاف من الضحايا وتدمير الحجر والشجر.

هذا المبادرة لم تسعف جميع الأسر الذين يحملون جنسيات هذه البلدان للخروج بأمان من قطاع غزة ولكن هناك العشرات ممن فقدوا أرواحهم حيث قُتِلَت أسر بأكملها في ظل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل.

لكن في خضم ذلك قدمت كندا مبادرة إنسانية لجمع شمل الأسر الغزاوية في كندا خاصة ممن لديهم أقارب من الدرجة الأولى يحملون الجنسية الكندية وذلك أسوة بمبادرات أخرى مع رعايا الدول التي تعرضت لحروب مدمرة مثل أوكرانيا وسوريا وأفغانستان وأخيراً السودان ولكن في حالة أهل غزة كانت الأمور شديدة التعقيد والبرنامج المعروض كان مخيباً للآمال نتيجة الشروط بالغة التعقيد الموضوعة ، حيث أنه من الصعب جدا أن تنفذه الأسر الكندية لجمع شمل باقي أفراد اسرهم ممن يقطنون تحت وطأة الحرب المسعورة التي يشنها الإحتلال على الأبرياء في قطاع غزة والذين فقدوا كل مقدراتهم مما جعلهم ينتظرون المساعدات الإنسانية حتى يستطيعون الإستمرار في هذه الحياة، هذا عوضاً عن أن أهلهم من الكنديين لن يستطعيوا تحمل تكاليف جلبهم من غزة إلى كندا.

لكن الحكومة الكندية عرضت قرضاً بدون فوائد يتم سداده خلال المرحلة الممنوحة للإقامة لهؤلاء القادمين حتى تضمن بان يجتهدوا ويسعوا للعمل وليس للتواكل والإعتماد على مساعدات الدولة وبالتالي سيمثلون عبئاً إضافياً إلى جانب ما تواجهه الدولة من تحديات إقتصادية ضخمة.

هنا لا أريد أن أبرر للحكومة الكندية بطئ إجراءاتها في تسريع جلب هؤلاء المواطنين من غزة إلى كندا ، خاصة في ظل الخشية من الإتهام بأن كندا تعمل على تهجير الفلسطينين من أبناء غزة والجميع يعلم أن هذا الأمر بالغ الحساسية على المستوى الدولي ولربما يسبب إحراجاً لكندا أمام المجتمع الدولي.

هذا عوضاً أن لدى الحكومة الدندية تخوفات كبيرة من تسلل أفراد ينتمون للمقاومة الفلسطينية وما يعنيه ذلك من تهديد للأمن القومي الكندي حسب تقديراتهم مما يجعل عملية إخراج هؤلاء المواطنين بالغة الصعوبة أيضاً.

هذا إلى جانب العراقيل الكبيرة التي تضعها إسرائيل التي تريد أن تزيد من معاناة الفلسطينين وتمعن أكثر في قتلهم من جانب ومن جانب آخر موقف مصر الذي يرى في ذلك عملية تسهيل للهجرة الطوعية وخشيتها من الإتهام بأنها تعمل على تهجير الفلسطينين من ارضهم.

السؤال هو ، لماذا لم تتخذ كندا خطوات أكثر جرأة وصرامة حتى اللحظة لمساعدة هذه الأسر على الأقل لإخراجها من غزة وتوفير الضمانات لها بالإقامة في القاهرة لحين الإنتهاء من الفحوصات الأمنية المشروعة والمطلوبة ، وبذلك تستطيع أن تفرز من يمكنها منحه التأشيرة للسفر إلى كندا معززاً مكرماً ومن ترفضه لأسباب أمنية وبالتالي إعادته إلى غزة أو أن تتركه يختار قراره بنفسه بخصوص وجهته الجديدة.

هذا الأمر على الأقل يمنح الفرصة لضمان سلامة الناس الأبرياء من الأهالي الذين يكتوون بنار الحرب والجوع والدمار النفسي.

هذا الأمر يفسح المجال ايضاً لتخفيف الضغوطات النفسية على الأقارب ممن يحملون الجنسيات الكندية أو الإقامة الدائمة في كندا وجعلهم يقدرون هذا الموقف عالياً للحكومة الكندية التي لا زال موقفها سلبياً في نظر الكثيرين من الكنديين المؤهلين لهذا البرنامج.

هذا الأمر سيعطي هؤلاء بارقة أمل وبالتالي سيمنحهم القوة للتعبير عن حمله الهوية الكندية وإعتزازهم بإنتمائهم الصادق والأمين لكندا عندما يرون بأنها تتعامل بمعايير إنسانية واحدة بعيداً عن الإزدواجية التي يراها الكثيرين تجاه أهل غزة دون سواهم ممن تعرضوا لظروفٍ اقل قسوة مما يتعرض له الأبرياء العزُل من الأهالي في غزة.

هذا الأمر يفسح المجال أيضاً لفقدان الثقة بما تدعيه كندا من رعايتها لحقوق الإنسان وصونها لكرامته وكسر الجسور ما بين الحكومة والمواطنين الكنديين المؤهلين لهذا البرنامج.

إن هذا الأمر يحتاج لشجاعة بالغة وأخلاق إنسانية عالية تكون رافعة ودافعة للعمل على إيجاد آلية تنفيذية أكثر وضوحاً وأكثر ليونة لمواجهة التحديات غير الإنسانية الناجمة عن هذه الحرب البربرية والهمجية وبالتالي المشاركة الفاعلة والأمينة في حماية أرواح الأبرياء من القتل والجوع.

أخيراً ، استطيع القول بأن ما يليق بكندا العظيمة هي أفعال أكبر بكثير مما نراه  من تردد وبطئ في تنفيذ هذا البرنامج الإنساني ، وعمليات إخراح الناس من معبر رفح لهؤلاء المواطنين مع التأكيد على فهمي العميق للتحديات التي تواجه مثل هذه الخطوة،  ولكن في تقديري أن مكانة كندا تجعلها مؤهلة لإتخاذ خطوة كبيرة بالتنسيق مع جميع الأطراف لضمان خروج وإجلاء هذه الأسر وحمايتها من الموت أو القتل أو الجوع بأسرع وقت ممكن خاصة في ظل التهديدات الإسرائيلية بإجتياح مدينة رفح الصغيرة التي تأوي غالبية سكان قطاع غزة .... لذلك أتمنى أن لا يخيب ظني!.