الموازين المقلوبة لحياة المغترب في المهجر

بداية كل عام وأنتم بألف خير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، ونتمنى أن يٌعاد عليكم وأنتم في تمام الصحة والسعادة           والتوفيق وأن يكون شهر رمضان القادم هو شهر تحقيق الأماني لكل واحد منكم.

كما أنني لا أنسى التنويه إلى أنه وفي ظل الظروف الظالمة والصعبة وبالغة التعقيد التي تعصف بحياة أهلنا في قطاع غزة بات القلم عاجزاً عن التعبير عن أي شئ تجاه هذه المأساة الإنسانية التي تتنافى مع القيم والقوانين والعدالة الدولية والأخلاق الإنسانية ونتمنى أن يتوقف شلال الدم وأن يبادر الأفراد بتقديم يد العون والمساعدة كل حسب مقدرته لإغاثة المكلومين هناك.

 ولكن في ظل الطعنات الغادرة التي يوجهها بعض المنفلتين سلوكياً وفكرياً، والمجرمين في المهجر بات الإنسان حائراً أمام تفسير كيف يستطيع هؤلاء أن يقوموا بهذه الأفعال الإجرامية غير آبهين بما سيترتب على أفعالهم هذه بالغة الخطورة.

لذلك في ظل غياب الوعي والوازع الديني وصحوة الضمير تبدأ الهزيمة النفسية ، لتستعد هذه النفسيات المهزومة بإستقبال شهر العبادات بإنكسار وغير مبالاة وتحدٍ للإرادات العقائدية والربانية.

لذلك عندما ينظر المرء إلى المرآة المقعرة أو المحدبة سيرى نفسه عكس حقيقته،  إما ستكون الصورة مقلوبة أو أكبر من حقيقتها وهي صورة إفتراضية تتكون من سقوط إشعاعٍ وانعكاسه في المرآة وتتجمع في بؤرة لتتشكل الصورة الإفتراضية وهذا حسب قانون الإنعكاس.

ما أود قوله هنا أن ما نعيشه في المغترب من واقعٍ مليئ بالتناقضات ولربما بات مذلاً ومخزياً كما هي الصورة الإفتراضية في المرآة، صورةٍ مشوهة إنقلبت فيها الموازين وتبدلت الأحوال، ففقدنا فيها هويتنا وأسس ثقافتنا، وأصبحنا كالتائه في الصحراء يركض خلف سراب،  يستبيح فيه المجرم كرامتنا بدون أن يجد أي محاسبة أو يواجه ما يردعه، حيث دخلنا في الصورة الإفتراضية للمرآة بغير حقيقتها بانعكاس الإشعاعات التي كونت الشكل والواقع الذي نحن فيه، وما هذه الإشعاعات التي تحرقُ كل قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا وضوابطنا الدينية إلا جزء من أدوات  الفساد والإفساد التي تعمل على إجهاض نهوض المغترب من غفوته  ومنعه من الإبداع والمشاركة في البناء.

لذلك إن ما نراه من تردٍ في كل مناحي حياتنا من سقوط ما هو إلا لأننا تخلينا عن قيمنا وأخلاقنا وديننا، فنرى نفاق بعض رجال الدين الذين اعتلوا سدة المنابر، وما هم إلا بيادق محركة حسب أهوائهم ومصالحهم الشخصية، ولهذا فهم على ما يبدو بأنهم يُنفذون أجندات موضوعة لهم،  عليهم تنفيذها حتى لو كانت تتنافى مع مصلحة مجتمعاتهم والضوابط الدينية، وكل ذلك أدى إلى ظهور طبقة المطبلين والمزمرين للباطل على حساب الحق والذين قلبوا الموازين حسب مصالحهم،  فأصبح الخائن شريفاً والشريف خائناً والمجرم سوياً والسوي مجرماً، والظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، ذلك كله بسبب تحكم المادة والمصالح الآنية في تصرفاتهم، فتنكروا لكراماتهم وقضاياهم المصيرية من خلال العمل على ضرب أسس البنية  المجتمعية.

هذا وقد تختلف المقاييس التي يعتمد عليها الناس اليوم وخاصة في المهجر في تقييمهم للأمور ، فالكثير يعتبر الغنى والثراء والقيمة المادية هي المقياس الحقيقي لقدر الإنسان وعلو منزلته وشأنه، وهذه المقاييس لا تتعدى كونها مقاييس مادية بحتة ضيقة الأفق وقد تكون مؤقتة ، فالإنسان الذي يفاضل بين الأشخاص على هذه الأسس ، إنما ينظر إلى الحياة بمنظار ضيق جدا ، فالشخص العريق النسب لا قيمة لنسبه مع انحطاط في أخلاقه وقيمه الدينية والاجتماعية.

لذلك إن ما نراه الآن هو حالة مهووسة من الإفلاس الفكري والأخلاقي لقلب الموازين ، موازين الحق التي يقلبها أهل الباطل بكل خبث ، وعند ذلك يصبح كل شيء معكوساً تماماً.

 الطيب خبيث والخبيث طيب ، الأمين خائن والخائن أمين ، التقيُّ فاسد والفاسدُ تقيّ ، الصادق كاذب والكاذب صادق، الجلاد ضحية والضحية جلاد، المختطف ولي والولي مختطف، المجرم بريئ والبريئ مجرم، العادل ظالم والظالم عادل، العاقل سفيه والسفيه عاقل .

لذلك أقول لبعض هؤلاء الذين تبدلت أحوالهم في المغترب ، إياكم وغدر الزمن، حيث أنكم اليوم أصبحتم أدوات ساقطة كما من تبدلت أحوالهم في الأوطان وأصبحوا أدوات خيانية ليس إلا، وعلينا أن نعود للتاريخ ونأخذ منه العِبر وأن الأيام دوال ولا تستقر على حال،  وأن النصر سيكون حليف أصحاب الحق رُغم التخاذل والنكران وإن ضعُفت عُدتهم أو حُجتهم أو وسوس الشيطان للمجرمين بأنهم فوق الحق، وإن الباطل ممحوق وإن استشرى الباطل ،وإن الضوابط الدينية هي مصدر الإلهام وإن كره المجرمون.

لذلك ليس غريباً أن نكون اليوم أمام حالات من تجارة البشر ، وحالات إختطاف من خلال التظليل والحصار الفكري وغسل الأدمغة، وحالات تعدي على كرامات الناس، وغرق في عمليات إجرامية، وتجارة مخدرات، وسقوط في مستنقعات الدعارة ، لا بل إن هناك حالات تغول على الحقوق الإنسانية، وهناك من يشرعنها في ظاهرة فاجرة لقلب المقاييس وضرباً من ضروب الجنون في التعدي على الثوابت الإنسانية والإخلاقية والعادات والتقاليد الموروثة.

إن ما نعيشه اليوم هو قلب للموازين في التعاطي مع مفهوم حرية الأفراد  وأمن المجتمع، لا بل هو مساراً خطيراً يهدد البيئة الإبداعية المجتمعية التي من المفترض أنها تتوفر للفرد الذي يعتبر أساس الأسرة و التكوين المجتمعي السليم، لذلك نجد أن هناك مسارات متناقضة في ضرب الفكر الفردي والمجتمعي الذي بات منهزماً أمام هذه الحقيقة التي تتمثل في أن قلب الموازين بات سائداً وأصبحت الرواية الكاذبة المضللة هي سيدة الموقف والحقيقة غائبة والعقل عاجزاً وللأسف الشديد المجرم حراً طليقاً!.