الأمن الفكري للشباب العربي في المهجر ما بين الواقع والتحديات

بالرغم من جرأة الزعران من الشباب الفاشل وأسرهم في هذه الأيام وميلهم لفعل ما يريدون وكيفما يريدون طالما توفرت لديهم أموال مشبوهة وغير معلومة المصدر تمكنهم من ممارسة العربدة والتشبيح من خلالها بدون الأخذ بعين الإعتبار مخاطر ذلك وما يمكن أن يترتب عليه من ضياع للمستقبل، لذلك لا يمكن أن تستقيم الحياة الدنيا وسعادتها إلا إذا كان الإنسان آمنًا على نفسه، مرتاح القلب، هادئ النفس، لا يخاف من وقوع مكروه يهدد أمنه وأمن أسرته وأطفاله، أو ينتقص من قيمه الدينية، أو ينتهك حرماته، أو يستلب خيراته، أو يفرض عليه ما يتعارض مع دينه وثقافته من أفكار تخلخل توازنه ، وبناءً على ذلك فإن على الشباب العربي والمسلم في المهجر أن يكون دائمًا يقظ القلب، دائم البحث والنظر، سريع الحركة، عالي الهمة، موظفًا كل قدراته، مسخراً قلمه وفكره في سبيل الحفاظ على مقاصد ثقافته ودينه، وتعزيز كيانه، والحفاظ على أمنه من غائلة الأحداث، ومكر الأعداء والخونة والغادرين من أبناء هويته ودينه، ولا شك في أن من أولى ما صُرِفت إليه الجهود، وعُنيت به العقول، واشتغل به أولو العلم والقلم، هو موضوع الأمن الفكري ، لعظم أهميته، وحسن عاقبته عند توفره، وشدة خطر فقدانه أو الإخلال به.
 إن أهمية الأمن الفكري تنبع من ارتباطه بدين وأخلاق الأمة، وأساس ذكرها وعلوها، وسبب مجدها وعزها، ومن غايته المتمثلة في سلامة العقيدة وضوابطها ومحاذير العادات والتقاليد الموروثة، واستقامة السلوك، وإثبات الولاء لكل هذه العوامل الرافعة لكرامة الإنسان والحافظة لفكره ومكانته، وتصحيح الانتماء لها .
 كما ترجع أهمية الأمن الفكري إلى ارتباطه بأنواع الأمن الأخرى، وأنه الأساس لها، والركن الأهم في نظم بنائها.
هذا يأخذنا إلى أن هناك الكثير من  المهاجرين العرب والمسلمين في المغترب من الذين يواجهون تحديات ضخمة ليس على المستوى الإقتصادي أو على مستوى الإنتماءات السياسية والدينية فقط وإنما على المستوى الإجتماعي الذي بدأ يغزو عقول الشباب بطريقة عنيفة تجعلهم يسقطون ضحايا سهلة في مستنقعات عميقة من الخلل الفكري والأخلاقي نتيجة عوامل كثيرة أهمها الغزو الفكري الذي يتعرضون له سواء داخل الأسرة  المتشرذمة والفاقدة لوعيها بالتعامل مع الضوابط الدينية والأخلاقية والثقافية، أو من خلال العوامل المجتمعية المحيطة بهذه الأسرة الهابطة فكرياً وسلوكياً والتي تخضع وتنهزم أمام التحديات المحيطة التي تستهدف تماسكها في ظل قسوة ظروف الحياة في المغترب وغياب الإنتماء للهوية والثقافة واضمحلال التمسك بالعقيدة وثوابتها.
كما أن غياب تأثير المؤسسات الدينية التي تنشغل بصراعات جانبية حول النفوذ والمصالح يجعل هؤلاء الشباب فريسة سهلة أمام الغزو الفكري الجامح الذي يسهل عمليات الإسقاط الفكري والأمني والأخلاقي ليجعلهم أدوات جالدة للقيم المجتمعية وضاربة بقوة للتماسك الأسري لتحقيق هدف زعزعة المجتمع المترابط من خلال ضرب اسس الإنتماء للهوية والثقافة واللغة والعقيدة وذلك بأيدي أبنائها من خلال إستسلامهم للغزو الفكري الذي يطحن شبابهم ويفتت طموحاتهم ويدمر آمالهم ويسقط ثوابتهم ويفترس مستقبلهم.
لكن السؤال هنا هو ، لمصلحة من يتم تحطيم المجتمعات العربية في المهجر وضرب بنية الأمن الفكري لديهم من خلال ضرب رأس الهرم الأسري لتطويعه للقبول بالمستحيل الذي يتنافى مع عاداته وتقاليده وثقافته وهويته وعقيدته؟!.
لمصلحة من تتكالب بعض الأدوات الرخيصة والفاشلة والمجرمة للإطاحة بالقيم الأسرية وهي تدرك أن ذلك سيطيح بكل المكونات المجتمعية وسيفتح الباب على مصراعيه بضرب أسس الترابط الثقافي والديني؟!. 
للإجابة على هذا السؤال المتشعب نحتاج البحث في العوامل التي تدفع أدوات الغزو الفكري للعمل على إسقاط الأسس المجتمعية من خلال ضرب الأمن الفكري لأعمدة هذه المجتمعات المتمثلة في الشباب.
كيف لا ونحن نواجه حقيقة ساطعة بأن من كنا نعتقد بأنهم أعمدة واقفة راسخة في التكوين المجتمعي يصدرون فشلهم في التربية لأخرين ليأكدوا على رغبتهم بمشاركة الفشل الأخلاقي والسلوكي والفكري والتربوي حتى يعم الدمار في البنية المجتمعية ضاربين عرض الحائط كل المخاطر التي تترتب على الإطاحة بالأمن الفكري للفرد  والمجتمع!.
كيف لا ونحن نواجه نماذجاً  إجرامية تعمل على تدمير رسالة المهاجر التربوية والأخلاقية والثقافية لا لسبب إلا لأنها لا ترى طريق الصواب سبيلاً للنجاح لذلك تبحث عن طرق الإجرام بتشجيع من أدوات خفية ولربما راعية لها طالما أنها تعمل على تنفيذ أجندة خيانية سواء كان ذلك عن وعي أو من دون وعي، وذلك من أجل تدمير الصورة النمطية الناصعة للمهاجر العربي والمسلم الذي يسعى لأن يرسم لوحة فسيفسائية من نماذج إبداعية تشارك في عملية البناء والتطوير لا عمليات النهب والنصب والإحتيال والإجرام  والخطف والتعدي على كرامات الآخرين!.
هذا الأمر بحد ذاته يعد نموذجاً خطيراً جداً لأنه يعمل على ضرب الأمن الفكري للفرد والمجتمع وبالتالي تسهيل عملية إضعافه وتطويعه للسقوط في مستنقعات الغزو الفكري لضرب بنيته الأخلاقية وتطويعه ومن ثم ترويضه وهذا يعمل على الجذب الخبيث لمربعات التخلي عن فكرة الإعتزاز بالثقافة والإنتماء للعقيدة والتمسك بالهوية وهي الأسس التي تجعل من الأفراد أقوياء ومؤثرين في المهجر وبالتالي ينعكس هذا إيجاباً على المصلحة العامة لكل المكونات المجتمعية برمتها سواء كان ذلك على مستوى الفرد أو الأسرة أو المجتمع.
لربما هناك الكثير من الحديث عن هذا الأمر ولكنه  بالغ الحساسية ويحتاج لجهود كبيرة وفطرة سليمة وفكر متفتح وصحة عقلية طبيعية وصدور مفتوحة وعقول نيرة وقادة مجتمع أعزاء النفس ولديهم كرامة ينتفضون من مضاجعهم عنما يقترب الضر من مجتمعاتهم، وأسر ملتزمة بالعادات والتقاليد وكوادر مدركة لمخاطر التخلي عن أصول التربية وشباب طموح عالي الهمة ويدرك مخاطر الإنعزال والسقوط في مستنقعات الإستسلام للغزو الفكري وضرب الأمن الفكري للفرد والأسرة والمجتمعات التي ينتمون إليها.
لربما أن هناك رسالة اردتها من وراء هذا المقال ولكن أيضاً هناك غصة وهناك حزن شديد على حال تدهورت فيه القيم وأصبح الأمن الفكري للشباب العربي في المهجر يترنح تحت وطأة التحديات الكبيرة وتواطؤ واضح المعالم،  حيث أن واقع الحال يقول بأن الهجرة مكلفة وبأن عوامل كثيرة تدفع الشباب المهاجرين للجنوح للجريمة بدلاً من الإرتقاء بروح الأمل ليخلقوا لأنفسهم مستقبلاً أفضل والذي يجعلنا نقول لا عزاء في شباب لم يرثوا من أهلهم النخوة وروح الغيرة ومعنى الشرف وأهمية التمسك بالهوية.