مع أنّ عام 1929 ليس بداية النظر بجدية إلى حقوق المرأة في كندا إلا أنّ هذا التاريخ له رمزيته عند النساء في كندا حيث حصلت في هذا العام الحادثة المشهورة باسم "الخمسة المشهورات".
يعتبر نضال المرأة الكندية لنيل حقوقها في التاريخ المعاصر من الأحداث المهمة في صياغة العقد الاجتماعي في كندا، وتقرير الحقوق والواجبات للمواطنين الكنديين، وتعتبر حقوق المرأة من النقاط التي تستوجب الوقوف عندها والتعرف عليها، وخاصة من قبل المهاجرين إلى كندا.
ما هي أشهر حقوق المرأة في كندا؟
تتمتع المرأة في كندا بالكثير من الحقوق التي وصلت إلى مرحلة المساواة بين الرجل والمرأة بشكل كامل في جميع الوظائف والحقوق والواجبات والمسؤوليات، وتختصر أهم حقوق المرأة الكندية بما يلي:
1. حق ممارسة الحياة السياسية في كندا، والترشح للانتخابات والتصويت، ودخول البرلمان والحكومة
2. المشاركة في العمل والحصول على فرص متساوية مع الرجال في كافة قطاعات العمل والوظائف الحكومية والخاصة
3. حق التعليم والحصول على كافة الخدمات التعليمية في كندا
4. حق الصحة والحصول على الرعاية العلاجية العامة، والاستفادة من برامج رعاية الأسرة والخدمات الصحية ذات الصلة، وخاصة خدمات الصحة الإنجابية.
5. حق اختيار الشريك بحرية، وحق الطلاق، والإجهاض ومنع الحمل.
6. الحماية من العنف الأسري والتمييز على أساس الجنس، وتوفير الدعم للحماية من حالات العنف والتمييز
7. الحق في الاستقلال الاقتصادي، وامتلاك الأموال المنقولة وغير المنقولة، والمشاركة في الأعمال التجارية بشكل مستقل، والحصول على القروض التمويلية للمشاريع في كندا.
8. الحق في الحصول على إجازة أمومة مدفوعة الأجر، لتمكين النساء من الاعتناء بالأطفال الرضع، دون فقدان وظائفهن أو أجورهن.
وقفات تاريخية لحصول المرأة على حقوقها في كندا
هناك العديد من الوقفات التاريخية المهمة في مسيرة حصول المرأة الكندية على حقوقها، وإيراد هذه الحقوق في نصوص ثابتة وواضحة في القانون الكندي:
حصول المرأة على حق الانتخاب لأول مرة في كندا
كان حصول المرأة على حق التصويت من أهم المعالم البارزة في مجال حقوق المرأة في كندا، ففي 24 مايو 1918، مُنحت المرأة الكندية هذا الحق الديمقراطي الأساسي.
لعبت الجهود الدؤوبة التي بذلها الناشطون في مجال حق المرأة في التصويت، دورًا محوريًا في إحداث هذا التغيير، ومن خلال تأمين حق التصويت، اكتسبت المرأة أداة قوية للتأثير على القرارات السياسية وتشكيل مستقبل بلادها.
وإن كان هذا الحق في التصويت تأخرت المرأة في الحصول عليها في بعض مناطق كندا مثل "كيبيك"، ولكن كانت هذه الخطوة من الخطوات الملهمة لأنشطة الدفاع عن المرأة لاحقاً، والبحث عن المساواة السياسية والمجتمعية مع الرجل.
المشهورات الخمسة في كندا
يرتبط الحديث عن تاريخ حقوق المرأة في كندا دائماً بما تعرف باسم "قصة المشهورات الخمسة" أو الشجاعات الخمسة، وهن خمس نساء كنديات برزن في عام 1927 في سياق نضالي للحصول المساواة السياسية بين المرأة والرجل في حق الاقتراع.
وهن:
ـ هنريتا موير إدواردز: ناشطة ومصلحة في مجال حقوق المرأة
ـ نيللي مكلونك: مؤلفة ومعلمة، وأول امرأة تعمل في الإذاعة الكندية
ـ لويز ماكيني: مؤسسة اتحاد الاعتدال المسيحي للمرأة في ألبرتا ـ كندا
ـ إيميلي ميرفي: أول امرأة تشغل منصب قاضٍ في الإمبراطورية البريطانية
ـ إيرين بارلبي: أول وزيرة في مجلس الوزراء في ألبرتا
في بدايات هذا الكفاح عانت الشجاعات الخمسة من عدم تنفيذ مطالبهن بالمواساة، إلا أنّ هذه الجهود وبعد إصرار شديد أثمرت في عام 1929.
تضمين المساواة بين المرأة والرجل في الدستور الكندي
في عام 1982، أقرّت الحكومة الكندية المساواة بين الجنسين في الميثاق الكندي للحقوق والحريات، وكان هذا التعديل الدستوري بمثابة لحظة محورية في الكفاح من أجل المساواة بين الجنسين في كندا، وضمان حقوق المرأة والحماية من التمييز.
وقد كان إدراج المساواة بين الجنسين في الدستور الكندي بمثابة الأساس للتشريعات والسياسات اللاحقة التي تهدف إلى خلق مجتمع أكثر إنصافاً، تتساوى فيه الحقوق والواجبات.
وصول أول امرأة إلى منصب رئاسة الوزراء في كندا
بين 25 يونيو و4 نوفمبر من عام 1993، شغلت السيدة كيم كامبل منصب رئاسة مجلس الوزراء في كندا، لتكون بذلك الامرأة الأولى والوحيدة التي وصلت إلى هذا المنصب الرفيع في كندا، وهي قد شغلت منصب وزيرة الدفاع قبل ذلك لمدة ستة أشهر قبل أن تستلم منصبها الجديد في رئاسة الوزراء، وقد كانت كذلك أول امرأة تصل لمنصب وزارة الدفاع، كما هي المرأة الوحيدة التي شغلت هذا المنصب كذلك.
على الرغم من قصر الولاية التي تولت فيها كيم كامبل رئاسة مجلس الوزراء في كندا، وقد كانت 132 يوماً فقط، إلا أنها تعتبر من الخطوات المهمة والتاريخية في النضال للحصول على حقوق المرأة في كندا بشكل كامل، كما كانت فترة حافلة بالإصلاحات الاجتماعية، وحماية البيئة والاستقرار الاقتصادي.
كيم كامبل سياسية كندية، ومحامية، وكاتبة، وقد كانت عضواً في مجلس الملكة الخاص بكندا، كما أنها حصلت على وسامين مهمين هما: وسام كندا، ووسام كولومبيا البريطانية، وقد كانت رئيسة الوزراء في الحكومة التاسعة عشرة في تاريخ كندا المعاصر.
المساواة بين الجنسين في كندا
إنّ لكندا تاريخ طويل في مجال المساواة بين المرأة والرجل، وسواءً اختلفنا أو اتفقنا حول توزيع الحقوق والواجبات بين الجنسين، إلا أنّ القانون الكندي يعتبر من القوانين المتوازنة والتي حافظت على معايير العدل بين الجنسين، وتوفير فرص الحياة الكريمة بعيداً عن التمييز الجنسي.
يؤكد الدستور الكندي على عدم التمييز فيها بين المرأة والرجل من خلال ثلاثة قوانين واضحة وهي:
ـ قانون المساواة في التوظيف
ـ قانون المساواة في الأجور
ـ قانون المساواة في الميزانية "الإدارة المالية والضرائب ...الخ"
والقانون الرابع الذي ينص على المساواة بين الرجل والمرأة هو "قانون العمل الكندي" مع فروقات في ما يتعلق بإجازات الأمومة للنساء، وإجازات ضحايا العنف الأسري، وبعض النقاط الفارقة.
وتعتبر هذه القوانين بمجملها أساساً مهماً لتكريس مفهوم حقوق المرأة في كندا من خلال تمكينها من الوصول إلى تكافؤ الفرص مع الرجل، ومساعدتها في تجاوز العقبات التي كانت تحدّ من حصولها على حقوقها.
تأقلم المهاجرين المسلمين مع حقوق المرأة في كندا
لا شكّ أن الهجرة إلى كندا تحمل في تفاصيلها مفهوم "التأقلم" مع الكثير من القيم والمبادئ المجتمعية في كندا، وخاصة التي قد تصطدم مع المبادئ الدينية أو الاجتماعية الخاصة بالمهاجر، ولكن بشكل عام، إن أردنا الحديث عن هجرة العرب والمسلمين إلى كندا ومدى القدرة على التكيّف مع حقوق المرأة في كندا يمكن أن نلخص ذلك بالنقاط التالية:
ـ لا يوجد تعارض بين حصول المرأة على حقوقها في كندا، أو الحقوق المشروعة لها وفقاً للدين الإسلامي، فالنساء شقائق الرجال في كثير من مناحي الحياة.
ـ قد توجد بعض الفروقات فيما يخص قوانين الأحوال المدنية، فالرجل في الإسلام يباح له التعدد في الزواج، بينما يمنع ذلك في القانون الكندي، كذلك مسألة العصمة وقوامة الرجل على المرأة.
ـ تبقى هذه الفروقات طبيعية باعتبار أننا نتكلم عن مجتمع غربي، ولكن لا تؤثر بشكل كبير القوانين والحقوق الممنوحة للمرأة في كندا على طبيعة العلاقات الاجتماعية، والعلاقة بين الزوجين، وبناء الأسرة المسلمة، وتبقى الكثير من الأمور العائلية المبنية على أساس ديني هي ضمن الحقوق والحريات الشخصية للمسلمين في كندا.
ـ كما أن الواقع يثبت أن العائلات العربية المهاجرة إلى كندا لم تجد صعوبة في الحفاظ على التكوين العائلي لها، واتزان العلاقات، وحتى توزيع المهام والمسؤوليات ضمن الأسرة الواحدة، ولم يعكّر التزامها بمبادئها الدينية على تأقلمها مع المجتمع الكندي وقوانينه.
الفهم السليم لحقوق المرأة للحفاظ على الأسرة المسلمة في كندا
تؤكد ثوابت وتعاليم الديانة الإسلامية على المساواة في القيمة والكرامة والحقوق بين جميع الأفراد بغض النظر عن الجنس، سواءً الحق في التعليم أو التملك، أو التوريث، والموافقة على الزواج، وغيرها من الحقوق الأخرى.
لذلك لا يمكن أن يحصل تضادّ حقيقي بين نصوص حقوق المرأة في كندا والحقوق الطبيعية التي نص عليها الإسلام بالنسبة للنساء، إلا في حالات محدودة، ولا تؤثر بشكل عام على حرية المرأة وحقوقها في ممارسة هذه الحرية وفق ضوابط القانون الكندي من جهة، ووفق ضوابط القيم والأخلاق والتعاليم الإسلامية من جهة أخرى.
إنّ الفهم الصحيح والسليم لما تتمتع به المرأة في الإسلام من حقوق يجعل الأسر المسلمة أكثر قوة وتمكيناً مع دعم القانون الكندي للمرأة وحقوقها، وكذلك الفهم الصحيح للقانون الكندي والحقوق الممنوحة للنساء من خلاله تجعل من السهل الموازنة ما بين الحقوق القانونية والقيم الدينية.