الأسرة العربية والمسلمة في المغترب بين المطرقة والسندان !

كثيرة هي الأسر العربية والمسلمة التي تواجه عواصف شديدة في المغترب سواء كانت من داخل الاسرة أو من التحديات المحيطة. وقبل أن أدخل في التفاصيل لابد لي من التنويه إلى أن البعض يظن أن هذه العواصف تأتي نتيجة اختلاف العادات والتقاليد أو تدافع الأجيال أو حتى الخوف من الانخراط في المجتمع متعدد الثقافات التي تتناقض في العقيدة مع موروث الأسرة العربية والمسلمة، وهذا أتفهمه جيداً ولكنه في تقديري ليس السبب الوحيد،  لكن السؤال الأهم هو لماذا نحن كعرب ومسلمين نختار الهجرة ونحن نعلم بأن هذا النمط الحياتي لن يتوافق مع طبيعتنا الثقافية بأي حالٍ من الأحوال ؟! لكي نستطيع أن نجيب على هذا السؤال المهم لابد لنا من أن نتعرف على مفهوم مكانة الأسرة ودورنا في الحفاظ عليها، وبداية نبدأ بمكانة الأب الذي قيل فيه أنه هو الجناح الذي نطير به في سماء الحياة، كما قيل فيه أنه هو من يزرع حدائقنا، دون انتظار إهداءه وردة مما يدلل على مكانة الأب وضرورة الحفاظ على هيبته ومكانته، وهذا طبعاً لا يمكن أن يغفل الدور العظيم الذي تقوم به الأم الواعية والقادرة على حماية سفينة الحياة كشريكة أساسية في العبور من هذا البحر الهائج والمليئ بالصعاب والتحديات. من هنا نعرف أن للأسرة أعمدة لابد من الحفاظ عليها حتى تستمر هذه الأسرة في التجديف لعبور أمواج بحر الحياة ، حيث أن للأسرة في كل الأمم شأن عظيم، فهي أساس المجتمع الإنساني، وما زال المجتمع بخير ما دامت الأسرة على الفطرة محصنة من كل ما يقوض دعائمها ويفسد أساسها، وما يصيب أحد أعمدتها فضرره على الفرد والمجتمع ضرر جسيم، قد يصل إلى حد الهلاك والزوال، لذلك، ومن باب الحكمة، يجب أن تنال الأسرة من داخلها عناية خاصة ومستمرة للحفاظ على كيانها وصونها من كل ما قد يؤذيها، ولذلك فهي تحتاج إلى إحكام وتحصين وتفهم كل طرفٍ فيها لدوره، حتى يكون هناك مناعة حقيقية تحميها من الغارات الوافدة، وتواجه بها التحديات المحيطة، والمشكلات العارضة.  
ونحن، إذ نتحدث عن الأسرة العربية والمسلمة، لا بد أن نستحضر السياق العام الراهن المليئ بالتحديات وما يثير قلقها ، وهذا السياق – للأسف- يبرز فيه ما يمكن فهمه بأنه هجوم على القيم الفطرية الإنسانية، مما يجعل هذه الأسرة تعيش في بحر هائج، وفي محيط مضطرب، ووضع معقد يثير قلقها ويهدد إستقرارها. والمتأمل في واقع الأسرة العربية والمسلمة اليوم يجد أنها بدأت تفقد بعض تأثيرها ودورها الريادي في التنشئة السليمة والفاعلة ، وذلك بسبب الضعف الملحوظ في البناء الإيماني والتصوري والتربوي لبعض الأسر، وبسبب ضعف الثقافة الأسرية وتباين الأدوارتجاه تحمل المسؤوليات بين رغبة الرجل السلطوية بدافع الغريزة الذكورية والقلق الجامح على الأمانة التي بين يديه، وبين رغبة المرأة بالتحرر من قيود الرجل بدعم من ما يوفره لها القانون والظروف المحيطة لكي تتحرر أكثر وأكثر وتصبح  مما جعلها تميل إلى التمرد على عباءة الرجل السلطوية إن جاز التعبير، لهذا وغيره من الأسباب ظهرت في المجتمع العربي والمسلم مشكلات كثيرة ومتشعبة تهدد بتفكك هذه الأُسر وخاصة خلال فترة جائحة كورونا وما تلاها ، حيث بدأت تنكشف الكثير من الخلافات الفكرية والسلوكية داخل الأسرة الواحدة، وزاد من حدتها وتنوعها الانفتاح الثقافي، وطغيان العولمة الإعلامية والاجتماعية، وظهور ضعف أحد أعمدة الأسرة أمام توفير الحماية لأسرته من الغزو الفكري بالغ التعقيد، وأصبحت الأسرة العربية والمسلمة تتعرض لتغيرات فكرية وسلوكية سريعة من خلال غزو ثقافي ومفاهيمي في كثير من مكوناتها، كما يرى البعض بأنها باتت تتعرض لتحديات خطيرة تهدد هويتها وتماسك كيانها واستقرارها. هنا بدأت تضعف مسؤوليات أعمدة تماسك الأسرة المتمثلة في الأب والأم ، وذلك في ظل عدم فهم تحديات الواقع الحديث وطبيعة المسؤوليات الملقاة على عاتق كل منهما من جهة ومن جهة أخرى عدم إدراك الأبناء لاهمية فهم العلاقة الأسرية وضرورة الحفاظ على الجسور الممتدة ما بين أركانها ضمن مفهوم الحقوق والواجبات ، وبدلاً من ذلك الجنوح لجعلها في إطار مادي والميل للإستقلالية الكاملة الخطرة، مما يخلق ضغوطات نفسية أكبر على راعي الأسرة تجعله حائراً وضائعاً وفريسة سهلة للإحباط ومن ثم إفساد الحياة لنفسه ولمن حوله من أفراد أسرته.
خلاصة القول إن المسؤوليات المعقدة المُلقاة على أعمدة الأسرة تحتاج إلى حرص شديد وتفهم كل طرف لدوره حتى لا تنهار سفينة الرحلة الحياتية وبذلك تسقط الأعمدة وتغرق الأطراف الباحثة عن دور بدون فهم لواقع الحياة وطبيعة التحديات، وأن الأزمان مختلفة والثقافات مختلفة وأن للخيارات أثمان لابد من أخذها بعين الإعتبار حتى لا تهدم الأسرة ويضيع الأبناء، ويظل معدن الإنسان هو من يحدد بوصلة السير في هذه الحياة وتقدير التضحيات ليفهم دوره في إنقاذ السفينة وتقدير البدائل والخيارات ، حتى لو كان ذلك من خلال بعض التنازلات وتغيير بعض السلوكيات !، ويبقى في النهاية القرار لكل صاحب شأن وبصيرة في إدراك كيفية الحفاظ على سفينته التي تسير في بحرٍ هائج ومتلاطم الأمواج تجعلها على الدوام بين المطرقة والسندان .
في الختام لابد أن ندرك جميعاً بأنه مهما كانت الظروف محبطة او مؤلمة، هي مجرد وقت وسوف يمر فدوام الحال من المحال، وأن سلامتنا النفسية تحافظ على سلامتنا الصحية وأنها نابع منا نحن ولن يقدمها لنا أحد على طبق من فضة وإنما نحن من ينتزعها من هذه الحياة، فنحن من يقررأن لا نضع حياتنا بين المطرقة والسندان وذلك بالعيش بتفاؤل وطمأنينة وثقة بالخالق أولاً، وبأنفسنا وقدراتنا ثانياً ، والإيمان بأن الحياة لا تحتمل الصراع الذاتي بجانب والصراع مع الشريك ، مع ما تمليه من تحديات ، لذلك يجب أن يكون العقل والقلب على وئام حتى نصل لطمأنينة وسلام نفسى داخل أنفسنا أولاً  بناءً على ما تمنحه الفطرة من مساحة شاسعة واتخاذ قرارات نجاة، وبالتالي ينعكس على أمن أسرنا واستقرارها وبالتالي ينعكس على الأمن المجتمعي بدون أدنى شك، غير ذلك لا فائدة من البحث عنه في مكان آخر لربما لا يوفر إلا مزيد من ضنك الحياة حتى لو إعتقدنا بأن البدائل توفر رفاهية ما نظنه مفقود في هذه الحياة!.