آخر الأخبار

كندا، ومونديال قطر .. إبداع، ورسالة إنسانية عظيمة !

مونديال تاريخي بكل معنى الكلمة .. في الحقيقة أننا سعدنا جداً بمشاركة المنتخب الكندي في مونديال كأس العالم في قطر 2022 الإستثنائي في التنظيم والإبهار ، وذلك بعد غياب طال 36 عاماً ، بقدر ما سعدنا بمشاركة الفرق العربية،  ولم نكن نتوقع نتيجة أفضل مما شاهدناه، ولكن الحق يُقال بأن المنتخب الكندي كان سيئ الحظ حيث أنه أدى أداءً قوياً في كل المباريات التي خاضها والتي كانت أمام فرق قوية ولديها من الخبرة الكبيرة في الملاعب وفي بطولات كأس العالم مما هو أضعاف ما لدى المنتخب الكندي الذي يحالفه الحظ بإستثمار جهود لاعبيه.
لذلك أرى كما الكثيرين أن المنتخب الكندي أذهلنا بأدائه الكروي الرائع والذي كان ينقصه فقط إنهاء الجهود بترجمة أهداف في مرمى الخصم، ولكن هذه هي كرة القدم،  حظوظ وتوفيق ..... 
مع ذلك ، لقد ابدع المنتخب الكندي وأكد على أن لدينا في كندا شباب مبدعين ولديهم القدرة على المشاركة الدائمة في البطولات الدولية وفي تقديري أن المستقبل سيحمل معه الكثير من تطوير الأداء وسيكون لدينا نجوم دوليين ومحليين بكل معنى الكلمة يحفرون إسم كندا في كل ملاعب الدنيا ليكونوا بذلك خير سفراء لبلدهم وسيقدمون ما يليق بمكانتها الدولية.
من جانب آخر، لقد قدمت قطر نموذجاً متميزاً من الإعدادات المذهلة  الخاصة بهذا  الحدث العالمي يليق بالهوية العربية وبهذه البطولة حيث وفرت كل ما يلزم كي يصبح هذا المونديال أفضل بطولة عبر تاريخها، كما أكدت على أن الهوية العربية لها مكانتها وإمكانياتها وتستطيع أن تقدم الكثير إن مُنحت الفرصة.
كما أكدت قطر على أن الثقافة العربية الإسلامية هي محل إعتزاز لدى كل عربي ومسلم، وأن هناك ثوابت لا يمكن التنازل عنها أو القبول بالمساس بها إرضاءً لأطراف تعرف مسبقاً بأن الثقافة الإسلامية لها أسس وثوابت وأن الشعوب العربية والإسلامية لا يمكن أن تتغاضى أو تقبل بما يتناقض مع عقيدتها وشريعتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها بالتوازي مع إحترامها لمتطلبات وثقافات الآخرين.
لذلك إستطاعت قطر بذكاء أن تكسب تعاطف الشارع العربي والإسلامي وتعاطف وإعجاب غالبية الزوار الذين ذهبوا  ليستمتعوا  بحضور  هذه  البطولة  الدولية.
نعم إن قطر إستطاعت بلا شك أن تقدم نموذجاً إنسانياً مرتبطاً بسماحة الإسلام والثقافة العربية الغنية، وبالمقابل أكدت على ثوابتها كدولة عربية إسلامية تعتز بهويتها وثقافتها وهذا حقها.
نعم إن قطر قدمت نموذجاً إبداعياً طوال مراحل البطولة وأكدت على أن الهندسة المعمارية العربية والإسلامية الأصيلة هي نموذج حضاري لا نموذج همجي،  يحمل معه الأمل في تطوير الحلم الإنساني بالعيش في عالم مسالم وخالٍ من العنف وزاخر بالأمل بتحقيق الرخاء والإزدهار.
لا بل كان هناك درساً جسدته قطر من المفيد إستثماره في تعزيز  أهمية التلاقي وضرورة  التعايش وقبول الآخر  بشرط  إحترام  الثقافة  والهوية  لكل طرفٍ بدون المساس بثقافة الآخر أو إملاء ما لا يمكن القبول به، وبالتالي إفساح المجال أمام الأجيال القادمة للتحليق في عالم الإبداع والشراكة والتكامل من أجل بناء الإنسان وسلامة البشرية والإرتقاء بالروح الإنسانية المقدسة.
هذا عوضاً عن أن بطولة مونديال كأس العالم  2022 قدمت مفاجآت كروية ومتعة خاصة لدى الملايين من الحاضرين والمشاهدين عن بعد ، بالرغم من أن منتخب قطر لم  يوفق  في  تقديم  نموذجٍ  كروي  إبداعيٍ بل خانه الحظ وقدم عروضاً ضعيفة وهزيلة لا تليق بتنظيم قطر هذه البطولة على أرضها وبين جمهورها كما كان المأمول منه،  ومع ذلك حظي الجميع بكرم  الضيافة  ورقي الأخلاق من قطر وشعبها، وكان هناك فرصة لتلاقي الثقافات وإزالة الخلافات، وبناء الصداقات، وفتح الآفاق أمام مستقبل مليئ بالأمل من أجل بناء عالم أفضل خالٍ من الصراعات والحروب، عالم قائم على التكامل والشراكة لا عالم قائم على الإستحواذ والإقصاء وإنصهار الثقافة.
إن الدرس الأهم من هذه البطولة هو أن فرصة خلق الكادر الكروي المحترف غير مستحيلة، وأن الفرصة لم تعد محتكرة على منتخبات بعينها ، وإنما بإمكان أي دولة تهتم بشبابها أن تقدم نموذجاً كروياً رياضياً يحمل معه رسالة إبداعية وإنسانية تساهم في بناء الإنسان وتطوره والإرتقاء بمكانته وقدراته، مما ينعكس إيجاباً على بناء الأفراد والمجتمعات وتشجيعهم على الإنخراط والإندماج والمشاركة في البناء والتطوير.
كما أن هذا الأمر يخلق مجتمعات مسالمة ومحبة للإبداع الإنساني مما يساعد في خلق بيئة مسالمة تفسح المجال أمام القضاء على الجريمة وبناء مجتمعات أمنة ومبدعة.
هذا إلى جانب أن اللقاءات بين الشعوب المختلفة خلال مثل هذه البطولات يبني جسوراً من التواصل بين الحضارات المختلفة، ويزيد الوعي بين الناس فيجعلهم يكتشفون الكثير من الحقائق عن اهمية قبول الآخر وفتح الحوار فيما بينهم، ويتعرفون على عادات وتقاليد بعضهم البعض من خلال الاحتكاك المباشر، هذا التواصل الإنساني ينعكس إيجاباً على البشر ويجعلهم يغيرون الصور النمطية السلبية مسبقاً في أذهانهم، وبالتالي يفتح مجالات للحوار والعمل المشترك والتفكير الإبداعي السليم والتطور الفكري الإنساني بدلاً من الجنوح للعنف وما يترتب عليه من هدر للأرواح والمقدرات.
هنيئاً لقطر تنظيمها هذه البطولة الدولية بنجاح ، وهنيئاً لكندا على مشاركة منتخبها في هذه البطولة بعد غياب طال 36 عاماً، وهنيئاً لكل أفراد المنتخب الكندي على حسن أدائهم وإبداعهم في تقديم النموذج الكندي الذي أكد على أن كندا لديها ما تقدمه في هذا المجال كما المجالات الأخرى وأن المستقبل أمامها واعد ويحمل معه الكثير للبطولة التي ستقام في كندا في المونديال القادم.
إلى ذلك اليوم أتمنى كل التوفيق لمنتخبنا الكندي، وأن تكون هذه التجربة فرصة حقيقية لتعزيز إمكانيات فريقنا الوطني والعمل الدؤوب من أجل الإستثمار في هؤلاء الشباب لمنحهم الفرصة بأن يكونوا خير  سفراء لبلادهم  التي  أحبوها  وأحبتهم ..... هكذا هي كندا وهكذا نتمنى أن تكون على الدوام!.