الإنتخابات المحلية ... قدرات ومبادرات!

تشهد الإنتخابات المحلية في أونتاريو سباقاً محموماً بين المتنافسين ، حيث أن الجميع يرون بأنفسهم الأقدر والأجدر على تحمل المسؤولية ولديهم القدرة على خدمة الناس، وهذا بالتأكيد حق مشروع لا خلاف حوله  أو عليه، ولكن  اصبح هناك ظاهرة واضحة وهي أن الكثيرين ممن رشحوا أنفسهم لهذه المهمة لربما هم من الذين لا يتمتعون بالخبرة الكافية ولا يدركون حجم المسوؤلية الملقاة على عاتق العضو في المجلس البلدي سواء كان مستشاراً أو عمدة حيث أنهم بلا خبرة حقيقية في هذا المجال، وبالتالي لا أدري كيف بإمكانهم المشاركة في رسم سياسات المدن للعمل على حل مشاكلها وإيجاد آليات حقيقية للتعاطي مع التحديات التي تواجهها. 
فالأمر حقيقة لا يتعلق بوظيفة وراتب ومنصب وبرستيج وإنما يتعلق بقدرات ومبادرات ورؤى لا بل بمهارات فنية وعلمية حتى لا يسقط هذا المرشح مبكراً عندما يجد أن المسوؤلية أكبر من قدراته ويصبح عبئاً بدلاً من أن يكون عضواً فاعلاً ومساهماً في البناء.
ففي أحد جلسات الحوار والنقاش التي شاركت فيها من أجل صياغة الإستراتيجية الأولى لمدينة أوتاوا التي تم إعتمادها كمدينة تضع أسساً لمحاربة العنصرية وترسيخ مبدأ المساواة ونبذ الكراهية وحل مشاكل الإسكان من خلال توفير الوحدات السكنية الميسورة ، أستحضر من ذلك الاجتماع بأنه كان هناك إقتراحاً بأن يكون هناك معايير   للترشح ترتكز على أسس علمية وخبرات أساسية تتناسب مع المسؤوليات الملقاة على عاتق البلديات من بناء مدن جديدة وتوفير الخدمات الأساسية وضمان الأمن والسلامة المجتمعية وغيرها الكثير والكثير من المسؤوليات والخدمات التي تحتاج إلى رؤى وخبرات علمية لكي يكون هناك مجلساً قوياً يعمل على الإرتقاء بالمدن والمجتمعات وما يلزمها من بنى تحتية حتى تواكب التطورات السريعة والتكنولوجية ومتطلبات المدن الذكية بما يجعلها مدن تعتمد على الطاقة النظيفة.
لذلك في تقديري أنه لا يكفي أن يجد الشخص في نفسه القدرة على خوض الانتخابات وإنما يجب أن يتمتع بالحد الأدنى من القدرات العلمية التي تدعمه في تحمل المسؤولية  خاصة أن وظيفة السلطات المحلية دائما هي تنفيذية وليس سياسية كما يظن البعض.
هنا لا بد من التعرف على الإنتخابات المحلية والتي تتنوع على نطاق واسع عبر المقاطعات أو الولايات القضائية.
ففي النظام الانتخابي مع وجود أدوار مثل التي يقوم بها العمدة تطورت آلية الصلاحيات ليتم توضيح ووصف الإجراءات التنفيذية التي يتم تطبيقها في المدينة أو البلدة أو المقاطعة على الرغم من إختلاف الوسائل الفعلية للانتخابات.
كما أن الإنتخابات المحلية في أونتاريو تتم كل أربع سنوات يتم خلالها إنتخاب عمدة المدينة ومجلس مستشاريه، كما يتم إنتخاب مجالس المدارس العامة والكاثوليكية.
هذا ويُفتح باب الترشيح أمام الجميع ضمن شروط بسيطة تفسح المجال أمام كل من يرغب بخوض الإنتخابات بغض النظر عن خبرته أو شهاداته العلمية طالما تحققت هذه الشروط.
لذلك أجد أن هذا الأمر  من ناحية عاطفية يُفسح المجال أمام الكثيرين ليخوضوا التجربة ومنهم من ينجح ويستكمل المسيرة ومنهم من لا يحالفه الحظ ويخرج من السباق ويعود لحياته الطبيعية وفي كلتا الحالتين لا يوحد خاسر، فالجميع فائزين،  كونهم قد بادروا وسعوا من أجل الدفاع عن حقهم كمواطنين كنديين، وعن إيمانهم بقدارتهم، ورغبتهم بخدمة المجتمعات التي يمثلونها وهذا أمر حميد وجيد ولا خلاف حوله.
ولكني أرى ايضاً  أن الأمور من جهة أخرى تحتاج لمنطق ضرورة توافر ضوابط لابد من توفرها في كل من يرغب بخوض الإنتخابات المحلية سواء البلدية أو المجالس التعليمية حيث أن السياسات التي سيتم رسمها تحتاج لخبرات علمية من المفيد عدم التغافل عنها لأن لها إنعكاسات كبيرة سواء على الفرد أو المجتمع..
في النهاية ، أمر جميل أن نرى روح التحدي موجودة ولكن ليس كل ما نراه جميل هو بالضرورة جميل وليس كل ما نظن أنه غير ذلك هو بالضرورة كذلك، فالبعض يعتقد أن الدخول في هذا المجال يجب أن أن يتم عن الحصول على الدعم المادي من الآخرين فقط متناسين أن عدم الإستعداد للتضحية منذ البداية بعيداً عن ما يمكن الحصول عليه من الآخرين هو مؤشر سلبي لقدرات الشخص على خدمة مجتمعه،  ولربما كشف حقيقة مبكرة بأنه سيعمل من اجل خدمة نفسه فقط وبالتالي لا نكون قد وضعنا الشخص المناسب في المكان المناسب.
فلا أدري إن كنت محقاً في تقييمي أو تساؤلي هذا في ما ذهبت إليه أم أن متطلبات الديمقراطية توقع الإنسان بعض الأحيان في خطأ التقييم حتى لو كانت النوايا صادقة والرؤية شمولية واسعة،  والإيمان بأن مصلحة المجتمع أهم بكثير من مصلحة الفرد والنفاق والمجاملة .... هي وجهة نظر فقط حول الإنتخابات المحلية وما تحتاجه من قدرات ومبادرات لعلها تجد من يصغي إليها ويأخذها بعين الإعتبار مستقبلاً!.
في الختام لا يسعني إلا أن أعبر عن بالغ أمنياتي للجميع بالتوفيق والنجاح وتحقيق الأماني.