آخر الأخبار

تحديات التربية في المغترب ! ....

في ظل التخوفات الكبيرة لدى الأسر وخاصة العربية والمسلمة من التغيرات الكبيرة التي يشهدها المغترب حيث أن هناك فقاعات متتالية باتت تمس الثقافة الدينية والتربوية التي تحكمها أسس دينية وعقائدية صلبة لا يمكن للمسلم أن يتجاوزها  لدرجة أنه أصبح على استعداد للتضحية بالكثير من الأمور من أجل عدم الإنجرار أو السقوط في الأمور التي يراها قد تتسبب بتهديد إستقراره وأمنه الفكري والإنساني والأسري.
لذلك تنوعت وتعددت وجهات النظر حول التربية المجتمعية وذلك وفقا لمفهوم التربية وأهدافها من جهة، ومفهوم البيئة المجتمعية المحيطة من جهة أخرى.
حيث يبدو لبعض المربين أن دراسة البيئة المجتمعية بجانبيها الحيوي والطبيعي فقط تحقق التربية في حين يرى البعض الآخر أنها تتعدى ذلك المفهوم الضيق للتربية بشكل عام وإنها عملية أكثر عمقا وشمولا. 
هذا ويرى المربون أنها عملية تربوية جوهرية تهدف إلى تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمحركات اللازمة لفهم وتقدير العلاقات المعقدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحالي الحيوي وتوضح قيمة المحافظة على مقدراته الطبيعية، وضرورة استغلالها استغلالا رشيداً لصالح الإنسان حفاظا على حياته الكريمة ورفع مستويات معيشته بشرط عدم المساس بكرامته وقيمه وثقافته وعاداته وتقاليده.
من هنا ندرك ما يحدث من تحديات تواجه المغترب عندما تتصادم ثقافته الأصيلة الموروثة مع تحديات البيئة المجتمعية المحيطة به سواء كان ذلك في المضمون المقبول أو حتى في السلوك المرفوض خاصة في  ظل ما يهدد هذه الثقافة ويعمل على إنتزاع روحها في الجوهر والمضمون، مما يجعله في حالة صراع دائم،  يجعله عاجزاً  وغير قادر على الاستثمار في طاقاته التي يهدر جلها في مواجهة تحديات البيئة المجتمعية المحيطة.
هذا الأمر يتطلب حنكة وشعور بالمسؤولية وقدرات كبيرة جداً للتعاطي مع هذا الواقع الجديد خاصة فيما يتعلق بأسس التربية التي تواجه بيئة مليئة بالتناقضات والتعقيدات التي تحاصر هذا المغترب من كل مكان.
إن التربية في حد ذاتها مسؤولية ضخمة تتحملها الأسرة ويتحملها المجتمع فإن أحسنت الأسرة التربية خرجت أجيال مبدعة ومفيدة ومؤثرة مجتمعياً وقادرة على البناء والإبداع والمساهمة بالإنتقال لحالة متقدمة من الرخاء والإزدهار، ولكن إن اصطدم ذلك بتحديات وتناقضات مجتمعية معقدة  تتصادم مع ثوابت عقائدية من المستحيل تجاوزها تحل الكارثة ويبدأ هدم الإنسان وضياع الاسرة وبالتالي المجتمع.
إن التفكير الضيق من خلال العمل على إنصهار ثقافة مجتمع فكرياً وسلوكياً لا يمكن أن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى حالة مجتمعية إبداعية، ولكن أيضاُ لا يمكن مواجهة ذلك من خلال الخضوع لحالة الإنعزال حيث أنه لا يمكن أن يمثل هذا السلوك الإنهزامي منصة تربوية صحية وإيجابية ، لذلك إن الإندماج الحميد الذي لا يهدد الثقافة والهوية والعقيدة والذي يزيد من اللحمة المجتمعية والإرتقاء بالمقدرات والعمل المؤسساتي والمهني الإبداعي كفيل بتجاوز الألغام الثقافية والمجتمعية المرفوضة عقائدياً وأسرياً والتي تخلق حالة من القلق والخوف من المجهول، وبالتالي خلق بيئة تربوية متماسكة وقوية تنعكس على الفرد وقدراته الإبداعية التي تؤهله للخروج برؤى تخدم أسرته ومجتمعه وتؤثر إيجاباً فيه مما يساهم بالإنفتاح أكثر والإندماج أكثر وأكثر.
هذا بلا شك يؤكد على أن بناء ثقافة مجتمعية  عميقة وشاملة بأبعاد أخلاقية وإنسانية جوهرية يشكل ضرورة تاريخية لازمة لحماية الفرد والأسرة والمجتمع. 
كما أن الوعي الثقافي العميق بأبعاد التربية يشكل الحصن الحصين لحماية الفرد وتطوير مقدراته والمحافظة على استقرار الأسرة وتطور المجتمع. 
من هنا، وعلى هذا الأساس، برزت الحاجة إلى أهمية التربية بوصفها وسيلةً عملية لبناء الوعي المطلوب والثقافة الفعالة القادرة على مؤازرة القوانين والتشريعات المتعلقة بالحفاظ على الأسرة وبنائها. 
واتضح للجميع أن التربية المثلى يمكنها أن تشكل نواة حقيقية وقوة ثقافية هائلة، لا تتوقّف عند حدود الوعي بأبعادها، بل تشكّل قوة تدخّل هائلة يمكنها منع الهدر واستباحة طاقات الفرد ومقدراته، وإيقاف الاعتداء الوحشي الهمجي الخفي على قيمه وعاداته وتقاليده، ومقاومة كلّ الإجراءات المجحفة بحق إختياراته وثوابت عقيدته.
لذلك فإن الدفاع عن أسس الحق بالحياة الكريمة في إطار السلوك السوي والمعتدل إنسانياً، والمندمج فكرياً وغير الرافض للأخرين، والمحصن ضد الإنصهار في ثقافتهم، كله يؤكد على أن التربية يمكنها أن تشكل حصناً منيعاً وقوة حضارية تنموية خلاّقة تضمن للإنسان حياة سليمة في سياق طبيعي دون هدر لطاقته، أو تعسف  ضد فكره، أو إجحاف بحق إختياراته العقائدية والمجتمعية والإنسانية.
 في الختام أستطيع تفهم التخوفات والقلق لدى مجتمعنا العربي والمسلم في المغترب خاصة، حيث أن منصات صناعة الخوف والقلق أصبحت كثيرة ومرعبة، ولكن لابد من تحقيق التوازن الفكري والعقائدي بين الإنسان ومجتمعه للحفاظ على قيمه وموروثه الثقافي درءاً لعوامل الخطر والتفكك الأسري والضياع التي الذي يهدد فكره وثقافته والتي قد تطيح بأحلامه وتطلعاته وطموحاته المشروعة.