آخر الأخبار

حوار مع الشاعر وفاء أخضر أجراه الشاعر نصر محمد

الشاعرة وفاء اخضر : "نحن في لبنان في متاهة، رجالاً ونساءً... لمّا يشغل المواطن الحصول على الرغيف، هذا يعني أن الوطن أصبح على شكل ورطة، واقعنا طوابير، طوابير أمام محطّات الوقود وطوابير أمام الأفران..)

 

اجرى الحوار : نصر محمد /المانيا 

 

شاعرة وروائية تحمل همومها وهموم الآخرين في قلب يتسع للجميع، وانت تنظر إليها تجد ملامح القصيدة مرسومة على وجهها، حيث البراءة، والابتسامة، ولعل أهم سمة من سماتها ابتعادها عن الأضواء والعمل لمشروعها الشعري ومشاريعها الأخرى في كتابة الرواية.. 

شاعرة تمتاز بدماثة اخلاق عالية، وكياسة لا يعرفها إلا الذي يتعامل معها، وتظهر تجليات تلك الخصلتين في أغلب قصائدها التي تبتعد عن الإنفعال والغضب.. 

قصائدها تشبه هدوئها وتتمثل روحها المفعمة بمحبة الأخرين .

إنها الشاعرة والروائية اللبنانية وفاء اخضر ضيفتنا في هذا الحوار :

 

_وفاء محمود أخضر، تحيا في ورطة جميلة اسمها لبنان. 

_ولدت ونشأت في الزرارية وتقيم، وتعيش في أنصار 

_تكتب منذ أوّل الوعي، لكنها لم تنشر إلّا منذ ٥ سنوات.

_كانت مجموعتها الأولى أشبه بصرخة: "لست بخير أبدا" ، وهوذا عنوانها، صدرت عن دار النهضة.2017

ومع دار الفارابي: "في فمي بريق" 2018

وعن دار دلمون: "أنا ألقي عليك الشّهوة" 2021

وقريبا تصدر مجموعتها الرابعة: "كافرة ولا أعتذر"

وكذلك روايتها الأولى، لو يصح أن نسميها رواية: "أنا أخطئ كثيرا" .

_مجازة في علم النفس العيادي وفي آداب اللغة الفرنسية. 

_درست في كلية التربية: تعليم الفلسفة .

تعمل حالياً مرشدة تربوية في مادة الفلسفة

_ تدرّس كذلك المادة عينها في الصفوف الثانوية.

 

* البدايات هي اللبنة الأولى التي نبدأ منها إلى ما لا نهاية، ماذا عن بدايات وفاء اخضر ؟

 

** -البداية... تستدعي النهاية... أتخيّل أنّنا كلّنا شعراء وفنانون بالفطرة.. منذ كنت طفلة، كنت أحدّث نفسي بصوت عال، وكنت أسمع أنّ الكبار ينعتون من يفعل هذا : مجنونا! ربّما الكتابة هي فعل جنون، أو خلق، أو اعتراض، أو فعل حب، أو فعل أمل...لسنا مجرّد كائنات غارقة في كينونتها الحيوانية... قلت الكثير ولم أقل ما تنتظر منّي أن أقوله... ببساطة، أنا عاشقة حياة، والحياة تستدعي معرفة، وهذه الأخيرة أداتها القراءة، لذا أنا عاشقة قراءة... ولمّا لا تجد عالما حولك يوازي عشقك، تبتدع عالما بالكتابة، هذا ما حاولت فعله منذ أول وعيي... 

 

* برأي الكاتبة وفاء اخضر... المكان هل هو حاجة ضرورية للروائي حتى يتأمل ويستعيد الشخوص والأحداث وتحليلها وتركيبها ومن ثم ضخها على الورق ؟

 

** -نحن كائنات متموضعة في مكان وفي زمان وفي جسد... أحيانا أغبط السلحفاة على بيتها الذي تحمله... المكان أمان، المكان بيت، المكان حرب... المكان أرض... ونحن نحيا على الأرض. بالتأكيد الأماكن تطبعنا..حقيقة! والكاتب يلتقط بعض حقيقتنا على الورق. 

 

* مامقدار الجرأة التي تمتلكها الشاعرة والكاتبة وفاء اخضر في كتاباتها، هل تقترب من المسائل الحساسة ( الثالوث المحرم ) وهل تحسب حساباً للرقيب ؟

 

** -كتبت في مقدّمة روايتي: " إن لم تكن حيّا حرّا كإله، لا تكتب" 

الكاتب الحقيقي... يذهب أبعد من ذاته، الفنون بمجملها تجاوز المتوقع والعادي والواقعي. كلّ ما يصل إليه ذهني هو مجال للبحث والتفكير... الثالوث المحرّم، تكريس للخوف، والخوف وحده عدوّنا الحقيقي... أمّا عن الرقيب، فأنا لحظة الكتابة أطأ أرض الحرّية المشتهاة...

 

* اقتحمت عالم الرواية برواية ( انا اخطئ كثيرا ) عبارة عن حكايات شهرزادية عن الأنثى والجنس وعلاقة المراة بجسدها . الرواية فيها الكثير من الجرأة هل تتوقعين ان يكون القارىء على مستوى هذه الجرأة وهذا الوعي ؟ 

 

** -ليس على الكاتب أن يكتب ما يتوقّعه القارئ ، أو ما ينتظره منه... ربّما ما نحتاجه هو مساحات جرأة أوسع ووعي أكثر وضوحا ونقاء... لأنّني أثق أن الحقّ والخير هما الأصل، لذا أبحث وأحفر بعيدا علّي أطأ أرض الحقّ، أو أعيد اكتشاف أرض الله...

 

* كيف تصفين المشهد الثقافي العربي بشكل عام واللبناني بشكل خاص ؟

 

** - نحن ندور ما بين الشك والإيمان، ما بين اليقين والجحيم...المثقّف حائر، تائه، ما بين هامش وصعلكة موعود بهما لو أصرّ على الصّدق وعدم النفاق، وما بين منصّة شرف مزعوم... نحن في حال من التيه...المبدع الحقيقي أكبر من أطر، والكاتب انسان يحتاج أن يكون، كأن المثقّف العربي هو يوهان فاوست غوته، يحاول ألا يبرم عقدا مع الشيطان ويفشل...

 

* وفاء اخضر متعددة المواهب تكتبين الشعر والرواية، ايهما يشدك اكثر ولماذا ؟ 

 

** -أنا نفسي لا أعرف.. أنا أكتب وحسب.. لكنّي أزعم أن الشّعر والرواية كينونة واحدة، كما الجسد والروح.. الشّعر هو الرّوح، والرواية هي مساحات تموضع تلك الروح... لذا أحيانا أشعر أنّي أحتاج بشدّة أن أدخل أحداثا وأماكن وشخصيات وقصُة .. وأحيانا أخرى أشعر أنّي بحاجة لذاك التحليق اللامتناهي داخل قصيدة ...

 

* وفاء اخضر كيف تختار عناوين أعمالها الأدبية ومجموعاتها الشعرية، هل هي راضية على ما قدمته ؟

 

** -أحيانا كثيرة أشعر أن عناوين أعمالنا مدّونة في لوح محفوظ، وأنّنا نحتاج صفاء استثنائيا لنجد ذاك اللوح... أنا أزعم أنّ عناوين أعمالي إشراقات: " لست بخير أبدا" مجموعتيىالشّعرية الأولى. " في فمي بريق" المجموعة الثانية؛ " أنا ألقي عليك الشّهوة" المجموعة الثالثة.

" كافرة ولا أعتذر" هي مجموعتي الرابعة والتي هي قيد النشر. 

روايتي الأولى: " أنا أخطئ كثيرا" ...

 

* على الغلاف الأخير لمجموعتك "انا ألقي عليك الشهوة" قرأت هذه القصيدة 

أغمض عينيك 

وقل انا ... انا فعلاً أحبها 

احبها وأحبني اكثر مما احب تفاصيلنا 

الآيلة حتماً للسقوط ... 

 

اكملي لنا هذه القصيدة من فضلك، ومن خلالها حدثينا بإيجاز عن هذه المجموعة ؟

 

** _ هو المقطع الأخير من قصيدة عنوانها: " أنا تافهة" 

أقول فيها: 

أنا تافهة

ماذا في هذا؟ 

هل تحبّني؟ 

هل تراني جميلة؟ 

هل أستطيع أن أبتسم؟ 

هل أستطيع أن أحبّك؟ 

هل أستطيع أن أنظر من النافذة إلى الله قبل أن تدعوني إلى السّرير؟ 

هل أستطيع أن أموت وأن تغمض عينيّ وتحتفظ بي في عينيك؟ 

هل تستطيع فعل شيء آخر أفضل من كلّ هذا؟ 

مفاتيح اللحظة... في مكان ما في جسدي

كيف لا أغمض عينيّ؟

أنا فعلا سارقة النّار!

أنا امرأتك وامرأة الوعي والابتسام

لمّا أقول كلمتي 

أو أنجب قصيدتي

أو أرى وجه الله 

سأموت هانئة...

أغمض عينيك 

وقل: " أنا... أنا فعلا أحبّها

أحبّها وأحبّني أكثر ممّا أحبّ تفاصيلنا الآيلة حتما للسّقوط

لا شيء يستحقّ أن نخشاه

أبتسمُ لصورتي الجديدة 

وأبتسم لمرآتي 

وأبتسم لأنّني أستطيع كسرها في أيّ وقت

لن أذهب إلى الحرب لأغيّر وجه العالم

عليك الآن وفورا وللتوّ أن تحتضني

وتكون رجلا... "

هي مجموعة قصائد وومضات تحتفي بالأنثى وبالشّهوة كثورة على الموت والعبث والأسى .. هي دعوة لكينونة وجودية تحتفي بالحياة والرغبات والجسد الذي هو أداتنا للحياة في هذا العالم.  

 

*" في فمي بريق" عنوان مجموعة شعرية لك، من اي أرض جئتٍ بهذا العنوان المعلق في سقف الغلاف، ماذا يضم بين دفتيه؟ 

 

** - في البدء كانت الكلمة... نحن موجودون ها هنا، وتأويلاتنا لمعنى وجودنا أو تحملنا على الشّكر أو على الكفر.. نحن كائنات لغوية... ولذا ارتأيت بعد " لست بخير أبدا" أن أحوّل وعيي لإشكاليات ثقافتنا وطرق عيشنا إلى " بريق" على شكل قصائد ! هو الفن وحده طوق نجاة.. 

 

* العطاء الإبداعي متى يتوقف بشتى صوره لدى المبدع .وهل يشيخ الإبداع كصاحبه عند سن معين ؟

 

** _ عندما يدخل الإنسان في الضرورة، والواقع، والمتوقّع، والنمط، والزمن والجسد... يتوقّف الإبداع.. المبدع يرعى بذار الله فيه... 

 

* يقول فلاوبرت ( الشعر علم دقيق شأنه شأن الهندسة تماما )

علماً ان الشعر ينحى للمجال العاطفي على عكس الهندسة ومجالها العلمي .؟ 

 

** يقول كيتس: " إذا لم يجئ الشّعر طبيعيا كما تنمو الأوراق على الأشجار فخير له أن لا يجيء" 

ويقول بوكوفسكي: "إياك أن تكتب ! إذا لم تخرج منفجرةً منك برغم كل شيء فلا تفعلها ، إذا لم تخرج منك دون سؤال، من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك فلا تفعلها." 

وأنا أوأفقهما كما اوافق فلاوبرت... إذ القصيدة غالبا ما تولد على مرحلتين: مرحلة الانفجار... كقماش أوّلي للقصيدة ومرحلة الهندسة لحظة إخراجها إلى العلن... قال لي يوما الشاعر بول شاوول : أنّ الشّعر هو فن الحذف...

 

* هناك استسهال في مجال قصيدة النثر شعراء الفيس بوك . ماهي رؤية الشاعرة وفاء خضر لما ينشر من قصائد النثر في مواقع التواصل الإجتماعي وبطريقة استسهالية ؟ 

 

** مواقع التواصل الاجتماعي سهلت عملية النشر وهذا حميد وجليل.. 

أعتقد ببساطة أن "الزّبد يذهب جفاء، وأنّ ما ينفع الناس يمكث في الأرض" ... والقارئ ذكي.. والفقاعات ستتلاشى سريعا..  

 

* المراة اللبنانية المبدعة هل حققت كل ماتريد ؟ ام مازال ينقصها الكثير ؟ وماذا تقول الشاعر وفاء اخضر للذين يدعون الى تحجيم دور المرأة في المجتمع ؟

 

** نحن في لبنان في متاهة، رجالا ونساء... لمّا يشغل المواطن الحصول على الرغيف، هذا يعني أن الوطن أصبح على شكل ورطة، واقعنا طوابير، طوابير أمام محطّات الوقود وطوابير أمام الأفران..

المرأة اللبنانية تحتاج قوانين مواطنة عادلة كحالنا في الوطن العربي عموما... وإن كانت أفضل حال نسبيا.. أمّا عن تحجيم دور المرأة في المجتمع، فأنا أعتقد أنّنا تجاوزنا هذه الرؤيا بالرغم من التخبّط في مفاهيم التحرّر والحرّية والأنوثة والرجولة والجندر....

 

* مدام وفاء لعلك تتفقين معي بأن اعداء النجاح منتشرون في الوسط الفني بشكل كبير، هل بنفس المنطق ينطبق على الوسط الثقافي، وخاصة بين الشعراء، بمعنى اخر هل تواجهين اعداء النجاح ؟ 

 

** أعتقد أن المبدع يوجّه وعيه حيث يتوق أن يصل وحسب.. لا أنكر أن البعض يسخر من المختلف والمغاير وحتّى يسفّه ما يصدر عنه... ولا أنكر كذلك وجود الشلل والمحسوبيات في الوسط الثقافي.. وفي دور النشر... لكن لا يشغلني هذا... 

 

* الشاعرة وفاء اخضر هل للعامل الأقتصادي تأثير على إبداع الشاعر ونفسيته وأداؤه وانتاجه ؟

 

** هنالك قول شائع: "اشبع ثمّ تفلسف" العامل الاقتصادي يؤثر... لكن لا عامل حاسم بما يخص الإبداع.. كافكا الذي عجز عن النشر في حياته طالت ابداعاته العالم بأسره بعد موته...

الكاتب يتوق لأن يُقرأ، والنشر أحيانا يتعذّر بسبب العامل الاقتصادي... 

 

* الشاعرة الرائعة وفاء اخضر سعدت بالحوار معك ومع كل نبضة حرف مدهشة وهديل حمامة وانت بخير . اخيرا ماذا اعطاك الشعر وماذا اخذ منك، ام ان الشعر دائما يعطي ولا يأخذ ؟

 

** أنا سعدت بهذا الحوار الذي أخذني بعيدا وعاليا... وسعدت بأسئلتك غير النمطية... كلّ الخير لقلمك ونبضك... أمّا عن الشّعر فأعتقد أنه يعطي... يعطي نبضا ويعطي صدقا ويعطي معنى حتّى للامعنى... ولو هو يأخذ فهو أخذ منّي الكذب والنفاق...