الإسلامفوبيا بين الحاجة لحل ومواجهة تحديات كبيرة!

قبل أيام مرت علينا ذكرى أليمة وهي ذكرى الهجوم المتطرف الذي إستهدف أسرة مسلمة في مدينة لندن – أونتاريو والذي راح ضحيته العديد من أفرادها.
هذه الذكرى بلا شك حركت مشاعر الخوف والقلق من الإسلامفوبيا من جديد ، وذكرت الجميع بأهمية التكاتف والعمل من أجل إزالة أسبابها، لأن المسلم بطبعه محباً للحياة وللأخرين وبدون أدنى شك ينبذ العنف والتطرف.
 في هذا السياق كان للحكومة الكندية الفيدرالية موقفاً إيجابياً حيال ذلك،  حيث أنها أعلنت عن نيتها تعيين ممثلاً لمتابعة هذا الملف على أن يتمتع بالخبرة اللازمة ويعمل بدون كلل من أجل رفع توصيات للمسؤولين حول تطورات هذا الأمر،  ووضع رؤية لما يمكن عمله من أجل تلاشي تكرار أي حوادث من هذا القبيل في المستقبل أو حتى من أجل وضع إستراتيجية عمل واقعية ومنطقية تزيل تخوفات الجاليات المسلمة وتجعلها أكثر إندماجاً وإبداعاً وإطمئناناً حيال هذا التحدي الكبير.
بعد هذا الإعلان مباشرة ظهرت ملامح تخوفات من نوع آخر ، وبدأ سباق الرغبة بالتقدم لهذه الوظيفة كل حسب رؤيته ، حيث أن هناك من يتمتعون بخبرة كبيرة وهناك من يعتقدون أنها فرصة لتحقيق الذات.
هذا الأمر جعلني أتأمل المشهد أكثر وأكثر ، حيث أنه منذ مجيئ لكندا حتى يومنا هذا وأنا أسمع عن قادة المجتمع المسلم،  ولكني في الحقيقة لم أرى قادة، بل رأيت على الدوام  بعض الأخوة من الباحثين عن دور لهم في إطار ما يتمتعون به من إمكانيات خطابية أو مادية وغير ذلك بعيداً عن مقومات القيادة الحقيقية، الواعية والحريصة عل مصالح مجتمعاتها من جهة ، والتي تتمتع بالفكر الجامع والرؤية الواسعة لتحليل المشكلة والعمل على إيجاد حلول لها قبل وقوعها بأمانة ومصداقية وفي إطار ما يخدم المصلحة العامة.
من جهة أخرى قبل أيام شاركت في إجتماع لجنة المالية والتطوير في المجلس البلدي للعاصمة الكندية أوتاوا وذلك للمشاركة في عرض إستراتيجية المدينة لنبذ الكراهية ومحاربة العنصرية، وكان موضوع الإسلامفوبيا حاضراً حيث قلت في كلمتي التي ألقيتها أمام الحضور الكرام من مستشارين في المجلس البلدي وعمدة المدينة وعدد من الزملاء الذين ساهموا في إخراج هذه الإستراتيجية للنور وعملوا طوال عام كامل بدون كلل أو ملل وبحرص شديد وتعاون وإحترام بالغ لكل وجهات النظر المتعددة التي كان يتم مشاركتها في مثل تلك اللقاءات الهامة التي أفرزت عملاً حيوياً ونوعياً، وبالغ الأهمية، ليس فقط ليكون إستعراضياً وإنما ليكون نهجاً يحتاج جهداً لتطبيقه وروحاً تتحلى بالمسؤولية والغيرة الصادقة لجعله أمراً واقعاً وملموساً.
في هذه المشاركة قلت أنني جئت للحديث والمشاركة لكي أشير بوضوح إلى أن المجتمع بحاجة لنبذ الكراهية ورفض العنصرية وترسيخ مبدأ العدالة والمساواة، وذلك بين كل فئات المجتمع بدون أي مفاضلة أو تمييز،  وعلى كل الصعد بغض النظر عن الأصول واللون والدين والثقافة والهوية.
نعم طرحت موضوع الإسلامفوبيا من منظور مختلف عما ينظر إليه البعض،  بحيث حرصت أن أتحدث بلسان واحد لا يستهوي الحديث بلغتين ولعب دور الضحية بهدف إستمالة العواطف أو التنظير لتحقيق غايات محصورة ضمن فئة محدودة متقاطعة المصالح،  ولوقت محدود فقط، لذلك طالبت بالعمل الدؤوب والمستمر  والصادق والأمين من أجل إيجاد حلول جذرية لإزالة كل المسببات المعلنة وغير المعلنة لمثل هذا الأمر المرعب!.
نعم إن الإسلامفوبيا هي أمر بشع ويحتاج إلى حل جذري يُبنى على منطق الإنفتاح الشامل لمناقشة كل المسببات لهذا الأمر بشجاعة وجرأة والعمل على إزالتها وليس التحسيس عليها من خارجها فقط، وإنتظار حوادث لاحقة لجعلها مادة دسمة لإعادة المسلم للواجهة من جديد في إطار النموذج المستهدف الذي يحتاج تعاطفاً كما يحاول بعض دعاة القيادة من الذين يظهرون المسلم فوضاوياً، لا في إطار النموذج المبدع والمشارك في عملية البناء والنهضة والتنمية المستدامة والمستعد للمساهمة في بناء المجتمعات الطموحة والباحثة عن مستقبل مشرق يكون سمة كل أفراد المجتمع بدون إستثناء .
هنا وكما إعتدت أن أقول وجهة نظري كما هي بدون رتوش، فإنني أقول،  إن بقيت لغة الخلاف والنفاق هي السمة السائدة لمن يسمون أنفسهم قادة المجتمع المسلم، فإن الحال لن يصلح ولن يكون هناك فرصة حقيقية لإيجاد حلول بناءة ومنطقية تخلق حالة من الشعور بالأمن والأمان لدى هذه المجتمعات وقابلة للتطبيق، حيث أن الأصل يجب أن يكون البناء على أساس ترميم البيت الداخلي كأولوية والتوافق حول ترشيح ودعم الشخصية المؤهلة لتكون محل وفاق لا تنافس وخلاف وصراع، لكي تحمل هذه المسؤولية بأمانة وتكون جديرة بها لا أن يضاف رقم أخر لعشاق البحث عن النجومية على حساب آلام وأوجاع وتطلعات وأمال وأحلام جالية بأكملها.
إن الكثير من النماذج التي تدعي بأنها تمثل قيادة المجتمع للأسف الشديد هي تمثل جزء من المشكلة ولا تمتلك بالمطلق مقومات الحل، لأنها أناينة باحثة ولاهثة وراء نجومية عابرة وتحقيق مصالح ذاتية ولربما تعويض نقص، لأنها على مايبدو لا تريد أن ترى غيرها ولا تعرف معنى الحب والمشاركة والإنفتاح على الجميع وأهمية الشراكة المجتمعية،  بل لربما أنها إعتادت على أن تستغل الفرص لكي تلتهم كل ما يمكن أن يتوفر للمجتمع وتجييره لخدمة أجندات محصورة بدون أن تقدم لهذا المجتمع شئ يُذكر.
إن المجتمع المسلم الذي يخشى الإسلامفوبيا يجب عليه أن يعف كيف يختار قيادته ويخرج من عباءة التبعية لقيادات ترتجف أمام مواجهة الحقيقة،   وعاجزة عن أن تكون قادرة على تقديم نموذج قيادي مجتمعي إبداعي،  وحلولٍ منطقية تعمل على وحدته وتماسكه والإرتقاء به والإستثمار في أفراده من أجل النهوض بمكانته.
إن هذا الإستعلاء والإستحواذ الذي يمارسه بعض هؤلاء من دعاة القيادة المجتمعية يمثل سلوكاً شاذاً يؤدي لغياب القدوة ، سواء كان ذلك بقصد أو غير قصد،  لربما يهدف لغزوٍ فكري وتضليلي وفقدان ثقة المجتمع بقدراته ونفسه للسيطرة عليه وتغييب مشاركته بالقرار والإختيار، وبالتالي سيكون أحد مرتكزات إنعزال الجالية للإستمرار بالعيش بخوف وقلق وتعميق الهوة بين هذه الجاليات المسلمة والمجتمعات التي يعيشون فيها ، مما سيؤدي إلى تراكم للسلبيات ومن ثم ليس غريباً أن تكون هناك الإسلامفوبيا!.
لذلك لا أعتقد بأن هناك مناصاً من التفكير بوعي بكيفية التلاقي والتوافق حول ترشيح شخصية قادرة على العمل بجد وإجتهاد وصدق وأمانة،  من أجل خلق بيئة وحدواية تتحدث خطاب واحد يليق ويتناسب مع تطلعات هذه الجالية المبدعة والقادرة على تقديم نموذج إنساني إبداعي لتؤكد على الفيسفساء الثقافية الجامعة التي تتمتع بها كندا وتحمي الجالية الإسلامية من تحديات الإسلامفوبيا!.