"اعتكاف الصمت" للشاعر زهير السيلاوي

اعتكاف الصمت

ألفتُ الصّمتَ، أدمنتُ القُصارى

وخلـف الصّمتِ كلْماتٌ حـيارى

صدى الكلماتِ مكتومٌ بصدري

فـمـا أطـلـقـتُـهُ إلّا اضـطـرارا

تـعلّمـتُ الـكلام بـغيـر نُـطـقٍ

وعـلّمني الـهوى لغة العذارى

يقولون: الهوى خمرٌ؛ مجـازًا

أقولُ: وكلّ مَن شربوا سُكارى

ولي قـلبٌ تـولّى السّيرَ عـنّي

فما هـبّ الـهوى إلّا اسـتدارا

يقولون: استشـرْ، فأقولُ: كلّا

بدربِ الحبِّ خابَ مَن استشارا

*

*

*

يقول الرّملُ: كلُّ الـنّاس طيـنٌ

سينتشرونَ، لو جـفّـوا، غـبارا

أقول: بلى، وكلُّ الـنّاس مـاءٌ

وقد يتصاعدون، غدًا، بـخارا

وبعض الـنّاس تـكبره اللّـيالي

وبعض الـنّاس قد وُلدوا كِبارا

إذا مـا فـاتـهـم، يـومًا، قـطـارٌ

أناخوا الوقتَ، واصطنعوا قِطارا

*

*

*

أنـا الـطّـفـل الّذي ألـقـتـه أمٌّ

بوجه الدّهر، مملوءًااا حِصارا

وأورثني أبي لـيلًا طـويلًا..

أقطّعُهُ، فيرهقني انتشارا

وحيدًا أقرأ الـتّاريخ، صمتًا

أقاومُ ذا الجدارَ وذا الجدارا

ويخذلني الطّريقُ، وعـابـروه

فجاءتْ كلُّ خطواتي قِـصارا

رماني الدّهر في الآفاق طيرًا

صغيرًا، فاكتسى ريشًا، وطارا

فلا بعدٌ يـشقُّ جـدار صـدري

ولا عمقٌ تـحـدّاني انـحـدارا

*

*

*

وطفتُ على البلاد، وجدت شعبًا

؛من الإرهاق قد عـشـق الدّمـارا

يـصاحبـهُ الـغرابُ، وكلّ بـومٍ

يحيطون المسـاجـدَ والدّيـارا

وقيل: "من استحوا ماتوا" قديمًا

ومَـن فقد الـحيا، ملك الـقـرارا

وعيبُ الفكر يـستـرهُ سـكوتٌ

وعيبُ الكفر يـكشف مـا توارى

سيجري النّيل، رغم الخوفِ ليلًا

كـعـادتـه؛ لـيقـتـلـعَ الـتّـتـارا

فـهـل آن الأوان؛ لـتحملـوني

على كـتف الـعبور إذا أغـارا؟

زهير السيلاوي