آخر الأخبار

المغيبات الخمس

المغيبات الخمس. نادره البرقي ‏﷽ {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. [ لقمان (٣٤)]. يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي: هذه الآية جمعتْ خمسة أمور استأثر الله تعالى بعلمها : إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ. فهل هذه هي كل الغيبيات في الكون؟ في الكون غيبيات كثيرة لا نعرفها، فلا بُدَّ أن هذه الخمس هي المسئول عنها. كلها غيبيات لا يعلمها أيضاً إلا الله، أما نحن فلا نعلم حتى عدد النِّعَم التي أنعم الله بها علينا. فلله سبحانه وتعالى في كونه أسرار لا تُحصى، أجَّل الله ميلادها؛ لنعلم أننا في كل يوم نجهل ما عند الله، وكل يوم يطلع علينا العلماء والباحثون بجديد من أسرار الكون هذا ونحن لا نزال في الدنيا، فما بالنا في الآخرة، وفي الجنة إن شاء الله؟ وقد أخبر النبي ﷺ عنها فقال : 《فيها ما لا عين رأتْ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر 》. والإنسان يكتسب المعلومات، إما برؤية العين، أو بسماع الأذن، ومعلوم أن رقعة السمع أوسع من البصر؛ لأنك لا ترى إلا ما تراه عيناك، لكن تسمع لمرائي الآخرين، ثم أنت تسمع وترى موجوداً، لكن هناك ما لا يخطر على قلب بشر يعني: أشياء غيبية لم تطرأ على بال أحد، وفي ذلك يقول سبحانه: { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}. [السجدة (١٧)] ورد أن رجلاً من محارب، اسمه الحارث بن عمرو بن حارثة أتى رسول الله ﷺ وقال : يا رسول الله أريد أنْ أعرف متى الساعة، وقد بذرْت بذري، وأنتظر المطر فمتى ينزل؟ وامرأتي حامل، وأريد أن تلد ذكراً، وقد أعددت لليوم عُدَّته، فماذا أُعِد لغد؟ وقد عرفت موقع حياتي، فكيف أعرف موقع مماتي؟ هذه خمس مسائل مخصوصة جاء بها الجواب من عند الله سبحانه وتعالى في الآية السابقة إن الحق سبحانه أخفى موعد الساعة لكي نستشعرها دائماً، وفي كل وقت، حتى الذين لا يؤمنون بها ويشكُّون فيها، وإذا ما استشعرها الناس عملوا لها، واستعدوا لأهوالها، كما أخفى الله عن الإنسان ساعة موته ومكان أجله، وجعل الموت يدور على العباد على غير قاعدة. فمنهم مَنْ يموت بعد دقائق من مولده، ومنهم مَنْ يعمر مئات السنين. كما أنه سبحانه لم يجعل للموت مقدمات من مرض أو غيره، فكم من مريض يُعافى، وصحيح يموت. إذن: أخفى الله القيامة وأخفى الموت؛ لنظل على ذُكْر له نتوقعه في كل لحظة، فنعمل له، ولنتوقع دائماً أننا سنلقى الله، فنعد للأمر عُدته؛ لأن مَنْ مات فقد قامت قيامته؛ لأنه انقطع عمله، ففي إبهام موعد القيامة وساعة الموت عَيْن البيان لكل منهما، فالإبهام أشاعه في كل وقت. { وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ.. } مع تقدُّم العلوم حاول البعض التنبؤ به بناء على حسابات دقيقة لسرعة الرياح ودرجة الحرارة..إلخ، وربما صَحَّتْ حساباتهم، لكن فاتهم أن الله أقداراً في الكون تحدث ولا تدخل في حساباتهم، فكثيراً ما نُفَاجأ بتغيُّر درجة الحرارة أو اتجاه الريح، فتنقلب كل حساباتنا. نحن نُؤمر في الحج بأن نُقبِّل حجراً ونرمي آخر، وكل منهما إيمان وطاعة، لأن الله سبحانه وتعالى يريد منا الالتزام بأمره، وانصياع النفس المؤمنة للرب الذي أحيا، والرب الذي كلَّف. { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ.. } هذه أيضاً من مفاتح الغيب، وستظل كذلك مهما تقدمت العلوم، ومها ادَّعى الخَلْق أنهم يعلمون ما في الأرحام، والذي أحدث إشكالاً في هذه المسألة الآن الأجهزة الحديثة التي استطاعوا بها رؤية الجنين، وتحديد نوعه أذكر أم أنثى، فهذه الخطوة العلمية أحدثتْ بلبلة عند بعض الناس، فتوهموا أن الأطباء يعلمون ما في الأرحام، وبناءً عليه ظنوا أن هذه المسألة لم تَعُدْ من مفاتح الغيب التي استأثر الله بها.ونقول: أنتم بسلطان العلم علمتم ما في الأرحام بعد أن تكوَّن ووضحتْ معالمه، واكتملتْ خِلْقته، أما الخالق - عز وجل - فيعلم ما في الأرحام قبل أنْ تحمل الأم به، ألم يُبشِّر الله تعالى نبيه زكريا عليه السلام بولده يحيى قبل أن تحمل فيه أمه؟ ونحن لا نعلم هذا الغيب بذواتنا، إنما بما علّمنا الله، فالطبيب الذي يُخبرك بنوع الجنين لا يعلم الغيب، إنما مُعلَّم غيب. ويقول سبحانه وتعالي : {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً.. } الإنسان يعمل، إما لدنياه، وإما لأُخْراه، فالمعنى إما تكسب من الخير المادي لذاتك لتعيش، وإن كان من مسألة التكليف، فالنفس إما تعمل الخير أو الشر، الحسنة أو السيئة، والإنسان في حياته عُرضَة للتغيُّر. وقول الله تعالى : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.. } هذه المسألة حدث فيها إشكال؛ " لأن رسول الله ﷺ أخبر الأنصار أنه سيموت بالمدينة حينما وزع الغنائم على الناس جميعاً ما عدا الأنصار؛ لذلك غضبوا ووجدوا في أنفسهم شيئاً؛ لأن رسول الله حرمهم، لكن سيدنا رسول الله ﷺ جمعهم وتلطَّف معهم في الحديث واعترف لهم بالفضل فقال : " والله لو قلتم أني جئت مطروداً فآويتموني فأنتم صادقون، وفقيراً فأغنيتموني فأنتم صادقون.. لكن الأ تحبون أن يرجع الناس بالشاه والبعير، وترجعون أنتم برسول الله إذن: نُبِّئ رسول الله أنه سيموت بالمدينة، والله يقول : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ.. } وختام الآية { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ } الحق سبحانه يريد أنْ يُريح خَلْقه من الفكر في هذه المسائل الخمس، وكل ما يجب أن نعلمه أن المقادير تجري بأمر الله لحكمة أرادها الله، وأنها إلى أجل مسمى، وأن العلم بها لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر. لقد أخفى الله عنَّّا هذه المسألة لنُقبِل على الله بثقتنا في مجريات قدر الله فينا.