إضاءات أسرية ... بقلم د. رائدة سلامة

أعزائي القراء..مرحياً بكم في إضائتنا الجديدة لهذا العدد المميز..
علمنا في إضاءتنا السابقة أن الحوار سلبيا كان أم ايجابيا، خارجيا أم داخليا،كلاماً أم إيحاءً يؤثر على المشاعر لأن العقل اللاواعي يصدق ذلك كله.. وكما علمنا أيضاً أن أهم الأوقات التي يستقبل فيها العقل اللاواعي الإيحاءات هي فترة استرخاء العقل مثل فترة ما قبل النوم أو عند الإستيقاظ وهذا ما يدعنا نوصي بشدة بأهمية هذه الأوقات سواءً للشخص ذاته أو للآخرين .. ثم أن تراكم الإيحاءات السلبية تقود إلى ضعف التقدير الذاتي و زيادة الشعور بالإحباط أو السلبية أو الإكتئاب وغيرها من المشاعر،مما يؤثر على العلاقة الداخلية و العلاقة الخارجية للشخص.. فكلما كنا داعمين بأفكارنا وكلامنا و تعاملنا و مشاعرنا كلما تمتعنا بحياة ايجابية مرنه نعرف الصواب من الخطأ ونراقب أنفسنا وأحبتنا حتى لا نقع أو يقعوا فريسة ألأخطاء أو فريسة المشاعر السلبية المحيطة فنكون عونا لأنفسنا بإذنه تعالى و عونا لهم بالوعي والحب والإحتواء و التقويم الواعي والإيحاء الإيجابي. 
حتى تكون رؤية هاتين الإضائتين واضحة  لتوضيح تنمية المهارة للتأثير بالإيحاء الإيجابينلقي الضوء على الفرق بين العقل الواعي واللاواعي :
في البداية العقل ينقسم إلى نوعين عقل واعي وهو القائد والمسؤول عن تلقي المعلومات بالدرجة الأولى،فإذا وافق عليها مررها للعقل اللاواعي أي انه هو الذي يوازن ويقدر و يحسب إذا كان هذا مناسباً أم لا..  كما أسلفت هو كحارس المبنى يسمح بدخول من تنطبق عليه المواصفات المسموح بها , ويتقن عمله طالما كان مستيقظا... أما العقل اللاواعي فهو مخزن المعلومات منذ كنا أجنة حتى يومنا هذا وهو المسؤول عن المشاعر و الدوافع وراء السلوك الحاصل كالفرح والحزن و الغضب و....
 فالعقل اللاواعي طالما وصلته الفكرة أو الخبرة يؤمن بها ويصدقها مهما كانت على أنها حقيقة لا شك فيها لأنه لا يفرق بين الحقيقة والخيال وهذا ما يجعل الكلمات و الإيحاءات تترجم بالعقل اللاواعي بسهولة إلى مشاعر و قناعات سواء كانت سلبية أم إيجابية وهذا مصدر الخطر في عدم الوعي ومصدر القوة في إتقان مهارة إدارة الذكاء الإيحائي.
وكما وعدتكم أعزائي في الإضاءة السابقة سألقي الضوء أيضاًعلى بعض المواقف التي توضح أهمية الإيحاء اللفظي والجسدي و كم للكلمات والإيماءات والإيحاءات من تأثير على الآخرين و على النفس البشرية التي تنعكس على القناعات في اللاوعي واللاشعور:
ذهبت سارة ألى بيت صديقتها مريم وكان عندها بعض الصديقات قابلتها مريم بإبتسامة كانت الإضاءة عند المدخل خافتة و لم تكن تضع المكياج المعتاد سألتها مريم ما بك يا سارة أرى وجهك باهتا هذا اليوم هل تشكين من شيء؟ تعجبت ساره.. بعد قليل سألتها صديقتها الأخرى هل أنت مريضة بدأت الحيرة في وجه سارة والقلق يساور ذهنها.. وأثناء العشاء كانت سارة شاردة الذهن تفكر بما قلن لها فلم تستطع الأكل فإذا بصديقتها الثالثة تقول لها لابد أن تذهبي للطبيب و تطمئني على نفسك.. عادت سارة إلى البيت و وجهها يزداد شحوبا مرت عدة ايام تركزت القناعة في عقلها و بدأت الأعراض تزداد سوءا رغم أنها ذهبت للطبيب و لم يكن هناك شيء يذكر... هذا ما نسميه التأثير النفسي السلبي على الجسد، فقناعة العقل اللاواعي انعكست على حالتها الجسمية والنفسية.
ماذا سيحدث لسارة لو قالت لها مريم ما شاء الله متألقة اليوم ثم الأخرى قالت أنت رائعة و جميلة و قالت الثالثة تبدين أصغر سنا في مكياجك الخفيف.. ترى ما شعورها و ما قناعة عقلها في ذلك الوقت و ما هي حالتها النفسية والصحية بعد ذلك.
مثال آخر تقول المدرسة لصالح أنت سريع بالكتابة ..الإفتراض هنا الذي دخل إلى العقل اللاواعي أنه سريع ومجتهد فتبدأ القناعة في العقل اللاواعي تعمل على التسريع في الكتابة أكثر فأكثر، بينما لو قالت أتمنى أن تكون سريعاً في الكتابة فإنها أعطت إيحاءً وإفتراضا للعقل اللاواعي أنه غير سريع في الكنابة وتبدأ القناعة تسيطر عليه أنه بطيء..فرغم أن الجملتين متقاربتين إلا أنهما مختلفتين بالإيحاء وهذا ما نسميه الإفتراض الإيحائي السلبي أو الإيجابي.
مثال آخر لو قالت الزوجة لزوجها أريدك أن تحبني.. فإن إيحاء هذه الجملة افتراض أنه لا يحبها بينما مهارة الإفتراض الايجابي أن تقول أريدك أن تحبني أكثر و بذلك تفترض و تؤكد لعقله اللاواعي أنه يحبها و لكن تحتاج إلى تعبيرأكثر... و شتان بين الإفتراضين.
كما أن هناك طريقة الذكاء في استنتاج الأفكار للشخص المقابل كأن تقول لطفلك في وقت تراه فرحاً أنت تشعر بالسعادة.. أنت بذلك تغرس الفكرة في اللاوعي بوقت أنت قرأت من ملامحه أنه سعيد، فتثبت الفكرة في عقله فيشعر بسعادة أكبر لأنها و صلت الفكرة الى داخلة وإن كانت السعادة موجودة بنسبة قليلة فقد تضاعفت من خلال تلك الجملة الذكية.
في تربية الطفل نستعمل الايحاءات بكثرة على سبيل المثال الإيحاء بالاختيار:
مثال: قالت المرأة لطفلها لابد أن ترتدي هذا اللباس عند الخروج و هو يرغب في أن يختار..إيحاءها لعقله اللاواعي أنه مجبر على ذلك، بينما لو قالت له اختر ما يناسبك من هذين القميصين فإن الإيحاء الذي يصل إلى العقل اللاواعي للطفل أن له حرية الإختيار مما يعزز ثقته بنفسه و يشعره بالسعادة واختصار الرفض، وبنفس الوقت هي من اختارت و لكن بذكاء وإيحاء إيجابي.
انتاج الرغبة في تنفيذ الامور عن طريق الايحاء ..
لو قالت الزوجة لزوجها أنت تحب هذا الجو في الرحلات ما رايك أن نذهب فسحة؟ هنا يكون الإيحاء أنه هو من يرغب بالفكرة فيتحمس أكثر و قناعة عقله اللاواعي تنعكس على تنفيذه باقتناع تام للمهمة ... بينما لو قالت أنا اشعر بالملل دعنا نخرج لنزهة فإن ذلك يعطي إيحاءً أنها هي من تريد الخروج فينعكس الإيحاء في اللاوعي حسب نفسية الزوج و ظروفه والتزاماته لأن الحافز أضعف من تعليق الرغبة به... طبعاً على سبيل المثال لا الحصر.
سنكمل في الإضاءة القادمة بإذنه تعالى عن روابط الدوافع المختلفة وبعض الأمثلة المتعلقة بها .
أما بالنسبه للإيحاءات السلبيه والإيجابية المرتبطة بالأحداث.. فعلى سبيل المثال: الكثير يتفائل برؤية شخص أو شيء ما، فقد يشعر البعض أن أجمل وقت هو وقت الغروب وقد يحزن شخص آخر لنفس السبب.. فلو بحثنا عن جذور هذه المشاعر فغالبا سيكون إما روابط معينه أو إيحاءات معينه من أحد الوالدين كأن يقول أحدهم مثلا أمام أطفاله ما أجمل الغروب، فربط المنظر والشكل بإيحاء ومشاعر إيجابية وبالعكس ... وقد يرى أحدهم القمر فيبتسم لأن جدته في يوم ما قالت أنا أشعر بالسعادة عندما أرى القمر مكتملا وكان تعبيرها واضحا فانتقل له هذا الإيحاء ولازمته هذه المشاعر ... هذا إن دل على شيء إنما دل على أهمية الوعي بمعرفة هذا المجال وإدارته لما له من توابع الإنحدار الشديد نحو السلبية أو الصعود السريع نحو الإجابية وعدم التهاون به على الصعيد الشخصي والأسري والعملي والعلاقات.. نفعنا ربنا وإياكم وجعلنا مفاتيحاً للخير والتفاؤل أينما حللنا ... ولنتذكر إذا فرح الآخرون بقدومنا فنحن بخير.. دمتم بخير .. إلى اللقاء .