آخر الأخبار

البصر والبصيرة.

  ماهو البصر وماهي البصيرة.
 بقلم نادره البرقي 
☆  ماهو  البصر.
أحد الحواس الخمس التي ندرك بها العالم حولنا، نتأثر به ونؤثر فيه.
والبصر حاسة الرؤية كوظيفة جسدية وحاسة الإدراك كأداة سلوكية فنحن لا نبصر الشيء أي نراه فقط ولكننا نكون سلوكا معينا نتيجة هذه الرؤية. 
وفي مختار الصحاح "بصير بالشيء أي عليم به فهو بصير" ومنها قوله تعالى: ﴿ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ﴾

▪︎ التبصر.
هو التأمل والتعرف والتبصير التعريف والإفصاح ومنه قوله سبحانه :
﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ﴾.

والابصار لا يكون مجرد فعل ورد فعل وانما يكون عملية تفاعل متكاملة. فنرى الشيء وندركه ونحلله ونكون عاطفة نحوه سلبية أو إيجابية ونسمى هذا الشعور حالة انفعال.

وحاسّة البصر نافذة من نوافد المعرفة، فبها نرى الأشياء التي تقع تحت نظرنا فنميّزها تمييزاً أوّلياً، لكنّ الاعتماد على البصر وحده في التشخيص والتمييز والمعرفة غير كاف، إذ لا بدّ من مرجع آخر نرجع إليه في رفع الالتباس والغموض، أي إنّنا بحاجة إلى (ضوء) آخر نكشف به الظلمة العقلية، وهذا الضوء هو (البصيرة).

وقد ميز الله الانسان عن الحيوان بنعمة الفكر بالاستبصار حيث يتدرج الطفل من التفكير بالمحاولة والخطأ والتعلم بالشرطية والتقليدية والمحاكاة إلى مرحلة الاستبصار أي جمع حصيلة التجارب الفكرية القديمة ومزجها في خليط جديد لمواجهة مشكلة مستجدة عليه في المستقبل.

وقد خاطب الله الإنسان في أكثر من موقع قال سبحانه وتعالى :
﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ 
أن التبصر أعلى مراحل الوعي عند الإنسان لا تتحقق إلا إذا وصل درجة من العقل ترقي به إلى الملاحظة والاستنتاج والاستدلال والتحليل وفي الحياة العامة نلاحظ عند عامة الناس.
إن كثيراً من المآسي تكون نتيجة هذه الهوة العميقة بين البصر والبصيرة بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه والصبر في تحليله ووسيلة التعبير عن هذا الشعور نحوه بالقول أو الفعل.

☆  ما هي البصيرة؟
البصيرة هي الحجة والاستبصار في الشيء في قوله  سبحانه وتعالى :
 ﴿ بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ ﴾ 

ونفاذ البصيرة يعني قوة الفراسة وشدة المراس وقوة الحنكة والقدرة على تخطي العقبات الحالية بالخيرات السباقة المتراكمة بتطويعها وترويضها والاستفادة منها في رؤية حلول لمشاكل جديدة.

وقد تطلق البصيرة على العلم واليقين، كما في قوله تعالى :
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي... ﴾.
وقد تطلق على نور القلب كما يطلق البصر على نور العين.
والبصيرة هي أعلى القدرات التعليمية الفطرية،وهذه القدرة تتفاوت قوتها بين أفراد البشر.
الإنسان العاقل الذي يعي الواقع ويدركه ويعرف الناس من حوله، أي أنّ لديه القدرة على التمييز بين ما هو مستقيم وما هو منحرف، وما هو عدل وما هو ظلم، وما هو حق وما هو باطل، فالخير منه مأمول لأنّه مستقيم في فكره وفي عمله.

وهو النموذج الموجب الذي يأخذ من الحياة ويعطيها وقد صوّر القرآن المميز بين الاثنين.  في قوله  سبحانه : 
﴿ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ 

إنّ الجواب على التساؤل القرآني واضح، فالذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكبّ على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشيء ولا ببصيرته، لأنّ السير على الطريق المستقيم لا يحتاج فقط إلى عينين مفتوحتين وإنّما إلى عقل مفتوح أيضاً.

كيف تعمل البصيرة في القلب؟
إن عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن هي التي تكشف الأشياء على حقيقتها فيراها المؤمن كما هي، ولا يراها كما زينت في الدنيا ولا كما زينها الشيطان للغاوين ولا كما زينها هوى النفس في الأنفس الضعيفة.

يقول الإمام ابن القيم :
 " أصل كل خير للعبد - بل لكل حي ناطق - كمال حياته ونوره، فالحياة والنور مادة كل خير.. فبالحياة تكون قوته وسمعه وبصره وحياؤه وعفته.. كذلك إذا قوي نوره وإشراقه انكشفت له صور المعلومات وحقائقها على ما هي عليه فاستبان حسن الحسن بنوره وآثره بحياته وكذلك قبح القبيح " .
 قال النبي ﷺ :
 " اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله "، والتوسم التفرس ولهذا خص الله بالآيات والانتفاع بها هؤلاء، وبعث الله الرسل مذكرين ومنبهين ومكملين لما عند الناس من استعداد لقبول الحق بنور الوحي والإيمان فيضاف إلى ذلك نور الفراسة فيصير نوراً على نور فتقوى البصيرة".