آخر الأخبار

طقوس الخلاص: حوار مع الريح للشاعر عاطف العلي

طقوسُ الخلاص : حوارٌ مع الرِّيح .

قلتُ لها :

الرِّيحُ 

لا تُؤذي الأزهار 

الرِّيحُ

تجعلُ لكلِّ زهرةٍ

معنى ..

الرِّيحُ

تَهِبُنا الحياة

الرِّيحُ

موتُ السُّكون ..

لولا الرِّيحُ يا حبيبةُ

لسَبَتْنا في صمتٍ

عميق ..

لولا الرِّيحُ يا حبيبةُ

لكانَ كلُّ شيءٍ مَيْتاً 

وكلُّ شيءٍ يجري 

في خراب ..

أوَّلُ صرخةٍ

كانت صرخةُ الرِّيحِ

في وجهِ العَدَم ..

أوَّلُ غيمةٍ

عشقَها الرَّعدُ

وهامَ بها البرقُ

وصارتْ حُبَلى بالمطر

هي بنتُ الرِّيح ..

أوَّلُ فأسٍ

كانت هي الرِّيح ..

وأوَّلُ صخرةٍ تعرَّتْ ،

تعرَّتْ بفعلِ الرِّيح ..

وأوَّلُ أبجديَّةٍ كُتبَتْ

على الأرضِ

على سفوحِ الجبالِ

على وجهِ الصَّخر

كانت أبجديَّةُ الرِّيح ..

أوَّلُ آهٍ تصعَّدَتْ

من أنفاسِ امرأةٍ 

لحظةَ عناقٍ

كانت من ذُريَّةِ الرِّيح ..

وأوَّلُ آهٍ تصعَّدَتْ

من ثقوبِ النَّاي

كانت آهُ الرِّيحِ

حين حزن ..

أوَّلُ شهوةٍ 

سكنتْ في الجسدِ 

كانت من نُطفةِ الرِّيح ..

وأوَّلُ ورقةٍ

تساقطتْ عن أغصانِ الشَّجرِ

كانت من غضبِ الرِّيح ..

وأوَّلُ موجةٍ 

رقصتْ على سطحِ البحرِ

كانت من رِئةِ الرِّيح ..

يا حبيبةُ :

أنتِ توأمُ الرِّيح

مُرِّي على مروجِ الحُبِّ

وعلِّمي سنابلَ القمحِ

طقوسَ القراءةِ

والصَّلاة ..

مُرِّي على نوافذي

وافتحي ستائرَ قصائدي 

على العاشقين ..

فأنتِ يا حبيبةُ مَن علَّمني 

كيف أجعلُ لغتي 

رغيفاً للجائعين ..

يا ريحُ :

لا جبلَ عاصمٌ

ولا سفينةَ نجاة

الطُّوفانُ يغمرُ المكانَ

وأنا لستُ نوحاً

لأعبرَ بكم نحو دولةِ الخلود ..

يا ريحُ :

هبيني سرَّكِ لعلَّي أفهمُ 

كيف تُشعلينَ من الشَّرَرِ 

أعظمَ النَّار

وكيف تنطفئُ بين أنفاسكِ

نارُ القناديل ..

يا ريحُ :

هبيني سرَّكِ لأعرفَ 

كيف تموتُ بين ذراعيكِ 

الأغصان

وكيف تُولدُ من آهكِ 

الأزهار ..

يا ريحُ :

علِّميني كيف أنجو

إن خانتني امرأةٌ 

أو حاصرني الفراغ ..

أرجوكِ علِّميني 

كيف يعميني الضُّوءُ

وكيف يكشفُ العتمُ

جمالَ السَّماء ..

يا ريحُ :

علِّميني كيف أُحلِّقُ في الأُفق

وكيف أخترِقُ السُّحُب 

علِّميني كيف أحترِِقُ

وكيف أصيرُ رماداً 

تمرُّينَ عليه 

تبتلعينه كدُخان

ثمَّ تنفُثينَه في الأُفق

فيصيرُ قوسَ قزح

تتناسلُ منه الألوان ..

يا ريحُ :

علِّميني ألَّا أخافَ العراء

ألَّا أخافَ الظَّلام

علِّميني أن أطحنَ الصَّمتَ

وأن أُصغيَ لصوتِ الجرح

وأن أشربَ دمعي

حين أجوع ..

علِّميني أن أرسمَ وطناً

على مقاسِ أحلامي

وطناً بلا سقوفٍ

ولا جدران ..

علِّميني كيف أُعيدُ الشَّمسَ إليه

وكيف أُعيدُ القمرَ

والنُّجومَ

والبرقَ 

للسَّماء ..

علِّميني كيف أطوي الجِراح

وكيف أُعيدُ الضُّوءَ

للمِصباح ..

علِّميني سرَّ النَّارِ 

التي تتَّقِدُ في أضلعي

بلا دخان ..

علِّميني سرَّ الجرحِ

وسرَّ الدِّماء

علِّميني كيف تُولدُ الثَّورةُ

من قصيدةٍ تنزِفُ كالدِّماء ..

علِّميني كيف يُولدُ من الدَّمِ دمٌ

وكيف يُولدُ من الدَّمعِ دمعٌ

علِّميني :

هل تدمعُ الدُّموعُ ؟

هل يجوعُ الجوع ؟

هل يحزنُ الحزنُ ؟

وهل يُولدُ من الماءِ ماء ؟

علِّميني سرَّ هذا الجنون

فأنا يا ريحُ

لا أبحثُ عن عذرائكِ 

التي حملتْ بين أحشائِها 

المسيح

يا سيَّدةَ الآلهةِ :

أحتاجُ إلى ألفِ ألفِ عذراء

حُبلى بألفِ ألفِ مسيح

لأُقيمَ على هذه الأرضِ 

طقوسَ الخلاص ..

د.ع /\