فكرة ضائعة لبعض الوقت ولكن لا يجوز أن تضيع كل الوقت!

لقد كتبت المئات من المقالات في كثير من المواضيع المجتمعية والسياسية وحفزت في كل محطات كتاباتي على الأمل وضرورة صناعته ، كما كنت من السباقين لتبني فكرة صناعته في المجتمع والدفع بالإستثمار في الفرد وقدراته ، إلا أنني في هذا العدد أجد أنني قد فقدت بوصلة الكلام فكل شئ أصبح مقلوب أو معقد ، حيث أنني تعلمت درساً حياتياً جديداً.
كيف لا وأنا أشاهد قطة بريئة أحببتها كما أحبتها أسرتي، تترنح أمامي ولكني لم أستطع أن أقدم لها ما ينجيها ، فذهبت وغابت إلى الأبد تاركة بصمة في أسرة مجتمعة ، وتساؤلات تكشف جوانب إنسانية غائبة.
نعم جميعنا يكره الموت لأنه يغيب الأحباب ولكنه سنة من سنن الحياة وآية تحمل معها دروس وعظة ، فهي الآية التي تفجر بداخلنا أحزان غائبة وتكشف لنا ما نسهو عنه ، ولكن مع ذلك منحنا الخالق نعمة النسيان حيث ننغمس في هموم الحياة وانشغالاتها ، نركض في حياة زائفة لا قيمة لها ، ونحن نطحن بعضنا البعض ونتغول على كرامة بعضنا البعض، لا بل نجرح بعضنا البعض ونتناسى أن هناك نهاية ، ومع نهاية هذه المحطات تمتلئ قلوبنا بالحزن والألم ، ولا نكتفي بما منحنا إياه الخالق من نعم لا تعد ولا تحصى ، فننظر لما يملكه الآخرين من باب الحسد والحقد تارة ومن باب التطفل تارة ومن باب التمني تارة أخرى.
أعرف أن ليس كل ما فينا سيئ وليس كلنا محبطين، ولكن نستطيع أن نكون أقوياء وبحال أفضل مما نحن عليه من ضعف وهوان وتيه لو أحسنا الاستثمار فيما لدينا من جوانب إيجابية.
نعم نستيطع الإستثمار في كل ما لدينا من فكر إيجابي متراكم، حيث أصبح هذا النوع من التفكير شيئا منتشرا ويدفعنا للتفكير في مبرراته علّنا نقتنع بها أو نفكر بسلبياتها فنقلع عنها لأننا نخشى المجهول، ولو افترضنا أن سبب  ضياع الفكرة هو التقدم بالعمر، فأمامنا خياران في هذا المجال، فإما أن تتقبل نفسيا المتغيرات التي تحدث لوجهك وتفهم الحكمة الربانية منها كتذكير يومي بأن هذا الوجه هو شيء مؤقت، وليس ذَا أهمية، والخيار الأخر هو أن تقوم بعمليات تجميل تجعل وجهك ضائعا كما هو الحال كل شئ ضائع في هذا الزمن الردئ، فلا هو وجه شاب نضر ولا هو وجه متقدم في العمر يحمل آثار ابتساماته وأوجاعه ولا يخجل منها، وهنا مربط الفرس! ، فإما أن نكون مع الحقيقة حتى لو كانت مرة أو أن نتجمل ونخفي حقيقة ما نحمله في داخلنا من أفكار متراكمة ومتناقضة وصراعات نفسية تتحدث عن حقيقة أنفسنا وما يجول فيها ، ولكن بكل الأحوال يجب أن نتذكر بأن هناك مطلب حياتي إنساني لا مفر منه ولابد من العبور من خلاله وهو الترفع عن صغائر الأمور وتقبل ألامنا وأوجاعنا على أساس أنها قدر، من الواجب علينا حتى أن نبقى أقوياء بالرغم من ضعفنا، أن نتعايش معها حتى لا نتوه بين ثنايا الزمن ونضيع في بحور تحدياته.
رسالتي هذه قصيرة ولكنها صادقة وأمينة تحمل معها صرخة إنسانية مترامية، وتقول كفى، فما ضاع من العمر كان كثيراً وما حملناه يحتاج لجبال لتحلمه، وقد حان الوقت لكي تكون هناك وقفة للتحول من حالة الصراع مع الوهم والغرق في وحل التحدي ومستنقع الإنتظار الموهوم،  لأخذ المبادرة والبدء فوراً وبدون تردد في إتخاذ خطوات منطقية وفاعلة  من أجل بناء مستقبل أكثر وضوحاً، وهنا أنصح نفسي كما أنصح الأخرين من قرائي الأعزاء أن يكونوا على يقين بأن هذا هو حال الكثيرين منا في هذا المغترب وبأن الزمن يسير بسرعة رهيبة وبأن ما يذهب لا يعود كما حال قطتنا التي غابت وتركت فينا مشاعر لم نكن منتبهين إليها ، وحال أحبابنا من قبلها وهم جميعاً الذين جعلونا نستذكر اليوم ما هو غائب وما يجب علينا أن نتذكره قبل فوات الأوان.
لذلك إن كان غياب قطتنا زلزل كل ما فينا وجعلنا نفكر بأن الحياة قصيرة وبأن الروح عظيمة وبأن الوجع شئ بشع وبأن الرحيل حتمي ويعمق الحزن والألم ، فما بالنا بفرقتنا وتشتتنا وضياع جهودنا ونحن نحاول أن نقتل أحلام بعضنا البعض ونغتال شخصيات الكثيرين منا بدون إداراك بأن هذا مصدر ضعف لنا ، وعندما يرحل أحدنا نستشعر في تلك اللحظة المنسية بأن هناك كان خطأ فينا ولكنها تكون صحوة ضمير لحظة وتأتي بعد فوات الأوان وبعد أن غاب البريئ المظلوم منا.
لذلك إن الحقيقة الساطعة تقول بلا شك، أننا في حالة تيه، هذه الحالة هي التي جعلت هذا القلم اليوم في هذا العدد متراخياً ومنطوياً وجامداً لا يقدر على أن يخط كلمات تخص هذه الزاوية التي تعودنا من خلالها على انتقاء الكلمات والرسائل الهادفة والمحفزة التي تحاكي القلب والعقل ، وتهز العاطفة لتفجر ما في داخل القراء من أمل وعشق وحب لهذه الحياة ، ليصبح هناك إصرار على النجاح والنهوض وإرادة وتحدي ومن ثم المضي قدماً في الإبداع والمشاركة والمساهمة البناءة في بناء المستقبل سواء كان ذلك على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع!.
أختتم مقالي هذا بالقول وأنما قلبي يشعر بالحزن بأنه قد تكون الفكرة ضائعة لبعض الوقت ولكن أبداً لا يجوز أن نستسلم ونسمح بضياعها طوال الوقت!.