ثامنة الذئب للشاعر نزيه أبو عفش

ثامنةُ الذئب

الثامنةُ...؛ ولم يأتِ الضيفْ.

.. .. .. ..

.. .. .. ..

إنْ لم يأتِ الضيفُ فلا تحزنْ!

رتِّبْ مائدةَ الضيفِ على أحسنِ ما يهوى الضيفُ.

تبسَّمْ !

لَمِّعْ أفكاركَ بالموسيقى.

أُقعدْ - في غَيبتِهِ - قدّامَ الضيفِ التعبان

           وحَدِّثْهُ عن الموسيقى.

واجعلْ كأسَ الضيفِ الغائبِ في متناولِ كفِّ الضيفِ الموشكِ.

وتَخَيَّلْهُ كما ترغبُ: يضحكُ، يترنّمُ بالأشعارِ، يغنّي...

 ويُعيدُ (كأنكَ لم تَسمعها من قبلُ) روايةَ نكتةِ أمسِ المكرورةِ.

.. واضحكْ للنكتةِ.

.. .. .. ..

.. .. .. ..

.. .. .. ..

           مـا أوجعَها ثامنة الذئبْ!

إنْ لم يأتِ الضيفُ الثامنةَ تماماً

فانتظرِ الضيفَ.. ولا تحزنْ.

إنْ لم يأتِ الضيف

فَعَلِّقْ مصباحَ حنانِكَ قدّامَ البابِ

   كمنْ يؤمنُ أنّ الضيفَ سيأتي.

إنْ لم يأتِ الضيفْ

فاسهرْ قدّام البابَ، على ضوء المصباحِ، وقلْ:

    إنْ لم يأتِ الضيفُ الآنَ ، الثامنةَ بتوقيتِ الذئبِ ،

           فلا بدَّ.. سيأتي بعد قليلٍ.

لكنْ ، إحذرْ!

لا تطفئْ مصباحكَ.

لا تُقفلْ بابكَ.

لا تنعسْ وتَنَمْ!..

فالضيفُ الطيِّبُ ، حين يصيرُ أمام البابْ

   ويفكّرُ في طَرق البابْ ،

يأملُ ألاّ يجدَ الناسَ نياماً.

الثامنةُ... ولم يأتِ الضيفْ.

التاسعةُ ولمْ.....

عاشرةُ الذئبِ.. ولم يأتِ.

 وقلبُكَ يشهقُ تحت ظلامِ الموسيقى.

      ( الموسيقى: أفكارُ القلبِ الزاهدِ..).

لكنْ، إسمعْ! هل تسمعُ؟

ثمةَ وَشْوَشةٌ تحملها الريحْ

ثمةَ ناقوسٌ سريٌّ تتلألأ رَنّـتُـهُ في بالِ الريحْ

ثمة كلماتٌ تَحلُمُ أنْ تُروى

ثمة أشواقٌ ودموعٌ

ثمة ضيفٌ يحلمُ باباً وشراباً

      ومصابيحَ مُضَوّاةً بحنانِ الموسيقى...

ثمــــةَ رائحةُ عتابٍ.

ثِـقْ : هذي ليست ريحاً،

ليست أصداءَ ظنونٍ،

ليست ممّـا تَغْزلهُ أوهامُ الخائفِ من وحدتِهِ..

هذي خطواتُ الضيفْ

           يتقدّمُ في أحلامكَ .

إنْ لم يأتِ الضيفُ الآنَ.. فلا تيأسْ.

لا تغضبْ! لا تتذمّرْ!

لا تَقُلِ : الضيفُ حقيرٌ ، كذّابٌ ، وغليظُ القلبْ.

لا تُطفئْ ناراً !

لا ترفعْ طبقاً. لا تُبعدْ كأساً.

بل ، فقط ، انتظرِ الضيفَ

      وسامِرْهُ على ضوءِ الموسيقى.

مُدَّ لهُ الضحكةَ ، والوردةَ ، والبهجةَ ، والكفّين

    وخُذْهُ إلى صدركَ:

       خذهُ إلى مائدةِ القلبِ

         وداوِ تعاستَهُ بحنـانِ الموسيقى.

إنْ لم يأتِ الضيفُ الآنْ

فابقَ على موعدهِ المأمولِ ، وآمِنْ:

«إنْ لم يأتِ الضيفُ الآنْ

فسيأتي في الغدِ ، أو بعدَ غدٍ ،

        بعدَ شهورٍ أو سنواتٍ ،

وسيُفرحهُ أنْ يجدَ الكـــــــــــــاسَ مهيّأةً

  والموسيقى تلمعُ في الظِلِّ

          وأنتَ على الموعد