صلاح الآباء...صلاح الأبناء.

☆ صلاح الآباء... صلاح الأبناء.

بقلم نادره البرقي

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : "حُفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح". وقال محمد بن المنكدر : "إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم". بل ذهب بعض الصالحين إلى معنى أدق وأعمق، وخص هذا الصلاح بخلق كان معروفاً به الأب أو الجد وهو الأمانة، قال سعيد بن جبير -رحمه الله- عن الأب : " إنه كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا كنزهما". قد نحرم صلاح الأبناء بسبب ذنب خفي داومنا عليه أو كسب حرام أصررنا على كسبه، أو عقوق للوالدين؛ فصلاح الأبناء لا يرجع إلى بذل الجهد والمال فقط، إنما هناك أسباب عبادية عظيمة يقوم بها الأب نفسه، من أهمها : ° الخوف من الله ومراقبته سبحانه وتعالى. ° عمل صالح خفيّ أو بر والدين أو قيام الليل. قال الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه إحياء علوم الدين فيقول : " رُوي أن الشافعي -رحمه الله- لما مرض مَرَض موته، قال : مروا فلاناً يغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم ديناً، فقضاها عنه، وقال : هذا غسلي إياه". قال أبو سعيد الواعظ : " لما قدمت مصر بسنين طلبت منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده، وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل، فقلت : بلغ أثر الخير إليهم، وظهرت بركته عليهم". ومن أجمل من استشعر هذا المعنى سعيد بن المسيب -رحمه الله- فقال : "إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي" يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده. إن لصلاح الوالدين وأعمالهما الصالحة أثرًا عظيمًا في صلاح الأبناء ونفعهم في الدنيا، بل وفي الآخرة كذلك، وكذلك الأعمال السيئة والموبقات التي يقوم بها الآباء والأمهات أثرها سيءٌ على تربية الأبناء. وهذه الآثار على تربية الأبناء تأتى من وجوه منها : • بركة هذه الأعمال الصالحة ومجازاة الله سبحانه وتعالى بها، وكذلك شؤم الأعمال السيئة وانتقام الله سبحانه وتعالى من فاعلها وعقوبته عليها؛ فقد تكون صور المجازاة والإثابة، أو الانتقام والعقوبة متمثلة في الأبناء إما بإصلاحهم وحفظهم وتوليهم وسعة رزقهم وعافيتهم، وإما بحيودهم عن طريق الحق وانحرافهم وكذلك نزول البلايا عليهم وحلول المشاكل بهم.نسأل الله العافية. فعليك بتقوى الله وبالقول السديد، عليك أن تطيب مطعمك ومشربك وملبسك حتى ترفع يديك بالدعاء إلى الله بأيد طاهرة ونفسٍ زكية، فيتقبل منك لأولادك ويصلحهم الله ويبارك لك فيهم، قال الله عز وجل : {إنما يتقبل الله من المتقين}. وقد ورد عن بعض السلف أنه قال لابنه: "يابني لأزيدن في صلاتي من أجلك" من أجل أن يكثر الدعاء لهم، قال بعض العلماء : معناه أصلي كثيراً وأدعو الله لك كثيراً في صلاتي. والوالدان إذا قاما بتلاوة كتاب الله فإن الملائكة تتنزل للقرآن، والشياطين تفر، ولا شك أن نزول الملائكة يصحبه نزول السكينة والرحمة، وهذا قطعاً له أثر على الأولاد وسلامتهم. ومن آثار الأعمال الصالحة للوالدين على تربية الأبناء تأسي الأبناء بهما في هذه الأعمال. فالولد الذي يرى أباه دائم الذكر ودائم التهليل والتحميد والتسبيح والتكبير يلتقط من قوله: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والله أكبر. وإذا كان الرجل دائم البر لأبويه قائماً بالدعاء والاستغفار لهما يتفقد أحوال والديه ويطمئن عليهما ويسد حاجتيهما ويكثر من قول "رب اغفر لي ولوالدي" ويقول "رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" ورحم الله الإمام ابن القيم عندما قال : " أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم ولم ينفعوهم كباراً". وقيل في سياق هذه المعاني : "يا أبتِ! إنك عققتني صغيراً فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً" فلتختر الزرع الذي تحب أن يكون عليه ابنك عندما يصبح إنساناً ناضجاً، فاغرس فيه محاسن الصفات ومكارم الأخلاق فينبت نباتاً حسناً، وكن أسوة حسنة لأولادك، بحسن تمسكك بدينك وحبك لربك سبحانه وتعالى ولنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم واتباعه، وحسن خلقك وكريم طبعك، وجميل خصالك، نسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا صلاح الأبناء وأن يجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة.