آخر الأخبار

لعنة المال حكاية تدمر الأخلاق وتغزو العقول!

كنت أود في مقالتي لهذا العدد أن أتحدث عن أهمية القمة الوطنية التي جمعت المستوى الرسمي الكندي مع أصحاب الديانات المختلفة، وذلك من أجل إيجاد إستراتيجية مستقبلية تضمن العيش المشترك ما بين أصحاب مختلف الأديان والثقافات ، وبالرغم من أهمية الموضوع إلا أنني وجدت أن هناك زاوية أخرى لا تقل أهمية عن هذا الموضوع بل قد تكمن أهميتها في تسليط الضوء على أحد المداخل التي تخلق التحديات أمام فكرة التعايش برمتها.
حيث أن المال له فى نفوس الناس منزلة عالية، فهو عصب الحياة التي لا تستقيم إلا به، ولهذا اعتاد المرء على أن يتكالب عليه ويجعله كل شىء، حتى بات وسيلة للتباهي ولربما أكثر من ذلك بكثير.
حيث أن اللهاث وراء جمع المال بدون منطق أو ضوابط إنسانية وذاتية وفكرية ، قد يدفع البعض إلى إقتراف الموبقات فى سبيل الحصول عليه، ويغيب عن هؤلاء أن المال أحيانا قد يكون غير مأمون العواقب خاصة لو تم جمعه بطرق غير مشروعة، ولهذا قد يجلب علي من يقتنيه، المشاكل والقلاقل.
وهنا نجد أن معظم المشاكل بين الناس كثيراً ما يكون سببها المال ، حيث أن الكثيرين يسعون ويتمنون ويجتهدون ويكافحون ويقتتلون من أجل اقتنائه بكل السبل المشروعة منها وغير المشروعة، وبغض النظر عن الآلية للحصول عليه، حتى لو كانوا من أغنى الأغنياء أو ممن لديهم ما لا يمكن عده أو حصره فهم دائماً يتطلعون لجمع المزيد، وهم لا يدرون أن هذا السبيل يمكن أن يؤدي إلى التعاسة والإنهيار الخلقي والنفسي والذاتي إن لم يكن هناك قيوداً ذاتية وأخلاقية أولاً، ولهذا يتعين على العاقل ألا يحسد غنياً لغناه، فالأجدى أن يغبط ذوى النفوس الكبرى ممن ملكوا القناعة وطهروا أنفسهم بالايمان وترفعوا عن الصراعات اللا أخلاقية. 
هذا وبعيداً عن المثاليات يظل المال متعة من بين المتع التي لا جدال فيها ولا حولها، ولكن هناك متعا تفوقه وتغني عنه وهى متعة الصحة والتمتع بنعمة الرضى والقناعة. 
كما أن السعادة تظل مرهونة بالقناعة والاكتفاء، والغريب هنا أن كثيرين هم من يتكالبون على المال بهدف إكتنازه فقط لا غير ، ويتعاملون معه بوصفه غاية لا وسيلة مثل الذين يحصلون على مبالغ خيالية بدون الحاجة لها، وهذه النماذج  باتت كثيرة في زمننا الصعب هذا الذي إنكسرت فيه القيم وتدافعت فيه المصالح وزاد فيه الظلم ، وإنهارت قيم العدالة المجتمعية في كثير من الأماكن ، وأصبح لص المال يجد له مأوى لا بل أصبح هو الغرابة بعينها وعنوان يتباهى ويتفاخر بما يملك حتى لو كان ذلك مكتسباً بطرق غير مشروعة ، ولكنه حتماً وإن تناسى ذلك فهو يعجز عن التباهي بما لا يملك وبما لا تستطيع كل أمواله وكل أموال الدنيا أن تمنحه ما لا يستطيع أن يملك بدون عناية تفوق قدراته المالية وغير ذلك، كالصحة والقناعة والإكتفاء. 
لذلك ، أستطيع القول أن هو المال عرض زائل والهوس به عديم الجدوى،  خاصة لمن تكالب عليه من أجل اكتنازه بدون أن تشهد هذه النعمة عليه وعلى سلوكياته أو إستغلاله في إضطهاد الآخرين وإذلالهم ، وهو ليس فى حاجة إليه. 
وقد يغيب عن الكثيرين أن أثرى أثرياء العالم تنقصهم السعادة، وقد يصل بأحدهم الحال إلى أن يتسول السعادة  أو الابتسامة أو الكلمة الطيبة ولا يستطيع أن الحصول على ذلك بالرغم من كل ما يملك من أموال. 
نعم إن المال وسيلة للاستمتاع بمتع الحياة وهذا أمر مفروغ منه، ولكنها يجب أن لا يكون أداة في أيدي مجانين يفتقرون لمعنى النعمة ويبحثون بكل الوسائل عن كيفية الحصول على المال سواء كان ذلك مشروعاً أو غير مشروع مستغلين قدرتهم على التحايل على القانون وتجييره لمصالحهم وما يخدم أهوائهم بدون أن يضعوا حداً لإنفلاتهم الفكري والإنساني، الذي يمكن أن يوصف بأقل ما يستحق من وصف وهو "هوجائية السلوك وهمجية الفكر".
هنا فقط  لكي نتذكر أن المال لا يجلب أمنا ولا أماناً ولا يجلب سلاماً ذاتياً ومجتمعياً ولا يجلب إستقراراً، ولا يمنح كرامة لمن يفتقرون للحد الأدنى من معانيها سواء كانوا أغنياء أم فقراء، بل قد يكون وبالاً عليهم إن لم يكن في توزيعه عدالة وفي صرفه قيود وفي تجميعه رقابة!.
إن المال الذي يفترس أحلام فئات مجتمعية ليخلق أشكال من التبعية المرفوضة لا يمكن أن يكون مدخلاً في تصفية نفوس أو إرساء فكرة تعايش، بل قد يعمق من الآلام والأوجاع، ويزيد من فجوة الأحقاد والكراهية، وحينها تصعب الحكاية، ويصبح المال لعنة، وبالتأكيد ليس نعمة كما يعتقد ويظن اللاهثين وراء تجميعه والمغالاة في إستخدامه بأي وسيلة وبأي طريقة حتى لو كان ذلك على حساب راحة وأمن وسلامة الآخرين!.
أخيراً ، ونحن نرسخ أسمى الأماني فكرياً وسلوكياً وإنسانياً نطلب من الخالق الستر والصحة والعافية وأن ينجينا من لعنة التكالب على المال أو إيذاء الآخرين من أجله كما يفعل الكثيرين ممن أصابهم سعار جمع المال ، الذين يظنون بأنه بالمال وحده تتحقق الآمال والأحلام متناسين بأن الصحة والاستقرار كما هي القناعة والإكتفاء هم أعظم من كل الأموال لأنها هبات فطرية وربانية لا يمكن بيعها أو شرئها! .....