آخر الأخبار

عندما تغيب شمس الإنسانية تزدهر الكراهية وعندما يسطع القمر يسمو الحب

نعم في الأونة الأخيرة كان هناك أحداث مؤلمة نتيجة تغلغل حالات فردية معزولة لا تمثل إلا نفسها لتصدح بصوت الكراهية وتعمم شعور اليأس بين الأبرياء في المجتمعات الآمنة، وقد لاحظنا ذلك في عدة مواقف، منها  أدت إلى سلوكيات عنيفة راح ضحيتها العديد من الأبرياء، ومنها ما وصل إلى داخل المدارس ليمس بذلك مشاعر الأطفال ويضرب عرض الحائط الألفة الفطرية البريئة بين هؤلاء الأبرياء ، ويغير وجهة البوصلة الآمنة التي تمثل عنوان طريقهم وحياتهم الآمنة، لتعمق بذلك من شعور القلق والخوف والإنعزال لديهم.

هذا يأخذنا إلى تساؤلات عميقة ويجب أن تكون منطقية وواقعية وعادلة ، لا أن تكون عاطفية وفوضاوية ووليدة اللحظة، أو أنها محصورة في مجموعات دون غيرها، وتكرار المكرر الذي فشل من الأساس، ولربما يكون هو سبب من أسباب الأزمة، ولذلك السؤال الأساسي هو ماذا نريد اليوم؟!.

علماً بأن الحقد على الناس هو من السلوكيات المذمومة التي نهت عنها الأديان مجتمعة مما يجعل هذا الأمر مطلباً مُلحاً للغة حوار جادة وجريئة،  تحدد دور كل فرد فيها لأن الجميع بحاجة لها ، وبدون ذلك سيفسح المجال لكي تتفاعل مسببات الرغبات الشريرة،  وتتعمق المؤثرات السلبية، وهذا سيخلق حالة أكثر تطرفاً ، وأفراداً أكثر جنوحاً للشر، كل واحد منهم يحمل في نفسه قلباً أسوداً لا يعرف معنى العفو ولا يعرف معنى الصفح والتسامح،  لا بل يزداد حقداً على من يسيء إليه، ولا ينسى إساءته، فتجده يتربص بالناس ليشفي غيظه، ويروي غليله وبالتالي سيختلط الحابل بالنابل،  وتزداد حالات العبث بحياة الأبرياء والتعدي على كرامتهم .

هذا أمر مرفوض بالمطلق ومفروغ منه سيكولوجياً وفكرياً وسلوكياً ، حيث أن الإنسان الحقود يتصف بعداوة القلب بغض النظر عن دينه أو ثقافته أو منبعه، وكما هو معلوم أن الحقد محرم بين الناس، لأنه يشيع الكراهية بينهم، وله نتائج خطيرة على الفرد والمجتمع، ومنها الحسد، الذي يجعل الحاقد يتمنى زوال النعمة عن الآخرين، فيحزن عندما يرى الخير لهم ويفرح بمصيبة أصابتهم ويشمت بما أصابهم من البلاء، ويتكلم الحاقد في حق المحقود عليه بما لا يحل، من كذب ونميمة وغيبة ويفشى سره ويهتك ستره ويعتدي عليه، لا بل يمنعه حقده من قضاء صلة الأرحام ورد المظالم.

فيا تُرى أين نحن من هذا الوباء ومن هذه السلوكيات السلبية التي يمارسها الكثيرين منا ضد بعضهم البضع قبل أن تأتيهم من غيرهم؟!، سؤال يحتاج إلى إجابات فردية ونحن نقف أمام المرآة نصارح أنفسنا بصوت عالٍ، حتى نعرف حدود البغضاء التي تفترس مشاعر الكثيرين وتغتال أحلامهم وتنقض على راحتهم، وتعصف بأمنهم وتدوس على حقهم الإنساني بالعيش بأمان، وعندما يصبح أحد هؤلاء من الضحايا يتباكى عليه من كانوا ولا زالوا يتاجرون بآلامه وأوجاعه!.

إذاً لابد من طرح السؤال الكبير وهو من المستفيد من جعلنا على الدوام ضحايا أو ممن يستمتعون بالقيام بلعب دور الضحية ولماذا نكون كذلك؟!، ولماذا لا نشير بأصابع الإتهام إلى حالة الفراغ المصطنع ولربما الموجه، والجهل الذي لربما ترعاه فرق الإنتفاع، التي تنهش كل ثقافتنا، وتغتال هويتنا، وتستبيح وحدتنا ، ويكون فيها صاحب البطولة على الدوام هو من نبحث عنه ليكون نموذجاً نحتذي به وهو الذي لا نعرف من هو ومن أين هو وما هي ثقافته أو خلفيته السلوكية والسيكولوجية؟!.

إن خير العلاج للحقد  يا سادة والوقوف في وجه الكراهية والتطرف لا يأتي بالمجاملات وركوب الموجة ، والبحث عن الدعم لهذه المجموعة وتلك بدون أن يكون لذلك أثراً إيجابياً واضحاً على سلوكيات المجتمع وإستنهاض هممه في طريق صناعة الأمل ، لأن العلاج الحقيقي هو إنعكاس حجم الإيمان بقيمة الإنسان حتى نرى إنسانيتنا أولاً!، فبالإيمان وحده بهذه القيمة الإنسانية، تصفو النفوس وتبعد عنها ظلمة الحقد وسلبياته.

 لا بل إن بذلك يكون هناك فرصة لتعزيز حسن الظن بالآخرين، وفتح أذرع المحبة لتقبل الأخر بدلاً من الإنعزال في مجتمعات ضعيفة يطوعها أفراد لا نعرف عنهم سوى أنهم ممثلينا ويتحدثون بالنيابة عنا في أكثر القضايا حساسية وتخص جوهر حياتنا!، ولا أريد أن أكون هنا قاسياً وأقول بأن الحقيقة تقول بأن ما بين هؤلاء وبين الأبرياء من الضحايا، كما ما بين الأرض والسماء،  حيث أن المشاعر الإنسانية يجب أن لا تكون جامدة أو معدمة في بعض المواطن أو مجتزئة مزاجية في بعضها الآخر، وأن التعامل مع الأفراد يجب أن يُبنى على العدالة الراسخة والأمانة بعيداً عن الأجندات الخفية أو الشخصية.

إن صناعة الكراهية يا سادة يتبنَّاها طغمة فاسدة تتوارث الفكر الفاسد وهي نخبة كاسدة، تتوافق فيما بينها لكي تستحوذ على مقدرات المجتمع وتسيطر عليه، تبثُّ سُمومها السوداء وأحقادَها الصفراء على مدار الساعة، صناعة بغيضة، وطريقة مَرِيضة، تُبغِضها الأديان، ويجرِّمها القانون!.

إن الكراهية يا سادة ليست فقط في إستباحة حياة الإنسان وإنهاءها ولكن لربما في قتله حياً، من خلال إبقائه معزولاً،  وهو يتصدى لأسهمٍ غادرة من كل حدب وصوب أثناء مواجهة أشرار يطلقون لألسنتهم العِنان في التشهير والتشكيك، ويُفسحون لأفواههم المجالَ لنهش سير الأفراد، تغذية للكراهية، ونشرًا للخصومة، ودفعًا للودِّ والعدل.

إن الكراهية يا سادة هي إنتقاص من قيمة الحوار الإيجابي والبناء وإغلاق الباب أمام كل ما مفيد للمجتمع .

وأخيراً لابد من أن تكون الهوية السلوكية واحدة حتى لو إختلفت الثقافات والأديان،  لكي لا تغيب بذلك شمس الإنسانية وتزدهر الكراهية بدلاً من أن يسطع القمر ليسمو الحب،  وحتى تكون بذلك الشمس هي مصدر سعادة ودفئ المشاعر الإنسانية، فلنبدأ بأنفسنا قبل أن نشتكي غيرنا، ونحافظ بذلك على إنسانيتنا فيما بيننا أولاً حتى نصبح هوية وثقافة جامعة ومندمجة لكي تكون قوية لا مفككة ومنعزلة وبالتالي تبقى ضعيفة!.