آخر الأخبار

فاجعة لندن، إرهاب أم اسلاموفوبيا؟

اهتزت مدينة لندن في مقاطعة أونتاريو كما سائر أرجاء كندا على وقع الجريمة الشنعاء التي تعرضت لها عائلة مسلمة يوم سادس يونيو الماضي، والتي أودت بحياة أربعة من أفرادها. وعلى الرغم من الإدانة الشديدة التي عبر عنها المجتمع الكندي، تباينت توصيفات الزعماء السياسييين المنددين بالجريمة بين من وصفها بالفعل الإرهابي، ومن اكتفى بوصفها بالعمل العنصري الذي تغذيه الاسلاموفوبيا. 

وهذا ما يستوجب، في نظري، تحليل هذين المفهومين  قصد الوقوف على آثارهما القانونية والسياسية داخل المجتمع الكندي بما يمثله من قيم التعايش والتسامح والعيش المشترك.

جريمة لندن فعل إرهابي:

يعتبر الفعل الإرهابي فعلا عنيفا يمس بالحق في الحياة، بالسلامة الجسدية وبأمن الناس. وهذا العنف في حد ذاته هو عنف الفعل (العنصر المادي) مقترن بالقصد الجنائي (العنصر المعنوي) قصد بلوغ عواقب مقصودة من جراء الفعل. ويعرف القانون الكندي لمكافحة الإرهاب النشاط الإرهابي بكونه عدم القيام بفعل أو ارتكاب فعل في كندا أو خارجها من أجل بلوغ غاية ذات طبيعة سياسية، دينية أو ايديولوجية قصد إشاعة الخوف لدى الساكنة فيما يتعلق بأمنها...

وبالرجوع إلى جريمة لندن، ومن أجل توجيه مذكرة اتهام بارتكاب فعل إرهابي، ينبغي على الشرطة أو النيابة العامة أن تتأكد من توفر دوافع معقولة وكافية تزكي الاعتقاد بأن المتهم اختار استهداف أفراد بعينهم بسبب دينهم الإسلامي، إضافة إلى توفر القصد والنية لإرهاب وتخويف السكان المسلمين بصفة عامة إلى الحد الذي يدفعهم إلى الخشية على أمنهم وسلامتهم. ويعتقد العديد من المتتبعين أن كل المؤشرات تفيد تصنيف هذه الجريمة فعلا إرهابيا، وهذا ما يستوجب توجيه اتهام ارتكاب جريمة إرهابية في حق الجاني، باعتبار أن الدافع من وراء اقترافها كان دينيا محضا. وهذا الدافع يعد من الدوافع الرئيسية التي يكيف على أساسها الفعل على أنه فعل إرهابي طبق ما جاء في القانون الكندي في هذا الصدد.

 الاسلاموفوبيا، طوق النجاة:

إذا كان يتم تعريف الفوبيا بأنها مرض نفسي يصيب الفرد إثر خوفه الشديد والمتواصل من مواقف ونشاطات صادرة عن الآخرين، فإن الاسلاموفوبيا تشير إلى الخوف والكراهية والتحامل ضد الإسلام والمسلمين لا سيما حينما ينظر إليه كمصدر للإرهاب. وقد تنامى هذا الخوف في الغرب بعد أحداث ١١ سبتمبر، وما أعقبها من تفجيرات وأفعال إرهابية في مختلف بلدان العالم، خاصة الغربية منها. 

في هذا الصدد، يحق لنا أن نتساءل، أليس توصيف فعل إجرامي خطير، كفاجعة لندن، بالعمل الذي تغذيه الاسلاموفوبيا، أليس فيه تلميح إلى ذلك المرض النفسي والاضطراب السيكولوجي الذي كان الدافع وراء اقتراف الجرم؟ بالتأكيد، كان هدف بعض السياسيينباستخدام هذا المفهوم هو التركيز على الجانب السيكولوجي للجاني، أكثر من التركيز على القصد والدافع من جراء الفعل، وهم بذلك يقصدون التمييز بين فعل عرضي معزول بطله فرد مضطرب نفسيا لا يحمل أي مشروع سياسي، ديني أو إيديولوجي، وبين فعل إرهابي واع ومقصود كان دافعه القتل من أجل إرهاب وتخويف مجموعة دينية بعينها.

ولا يفوتني في هذا الجانب، أن أنوه بموقف رئيس الوزراء الكندي "ترودو" الذي أعلنها صراحة بأن هذا الفعل الإجرامي فعل إرهابي، لا يمكن بتاتا قبوله ضمن المجتمع الكندي.

قانون الإرهاب في كندا، مشروع للنضال:

أعادت فاجعة لندن إلى الأذهان الجريمة الإرهابية في مسجد كيبك سنة ٢٠١٧، والتي حكمت بشأنها المحكمة في سنة ٢٠١٩على المتهم "الكسندر بيوسنيت" بالسجن المؤبد مع عدم إمكانية الإفراج المشروط لمدة ٤٠ عاما. قبل أن تخفف محكمة الاستئناف الحكم في ٢٠٢٠ إلى السجن ٤٠ عاما مع الحق في طلب الإفراج المشروط بعد انقضاء ٢٥ عاما من العقوبة الحبسية. ويرجع ذلك إلى عدم تكييف الجريمة كفعل إرهابي، وهو ما كان يدركه الجاني جيدا إذ صرح أمام المحكمة "أنا لست إرهابيا". وقال القاضي في حيثيات الحكم إن المتهم كان مدفوعات بمشاعر التعصب وأنه يعاني من مشاكل في صحته العقلية.

وينص القانون الكندي لمكافحة الإرهاب على ضرورة إثبات  انتماء المتهم إلى منظمة متطرفة تصبو إلى تحقيق غاية سياسية، دينية أو ايديولوجية. لهذا أسقطت المحكمة تهمة الإرهاب عن "الكسندر" لعدم إثبات انتمائه إلى أي منظمة متطرفة وتحركه لارتكاب الجريمة بشكل فردي. وهذا الجانب بالأساس، حسب اعتقادي، يمثل قصورا للقانون الكندي في مواجهة الإرهاب، حيث تعرف العديد من التشريعات الوطنية المقارنة النشاط الإرهابي بكونه مشروعا جماعيا أو فرديا، إدراكا منها أن الإرهابي يمكن أن يعمل منفردا لارتكاب عمل إرهابي بغية بلوغ غاية أيديولوجية أو سياسية عن طريق إشاعة الخوف.

من ناحية أخرى، ينبغي أن تستند مذكرة الإتهام بارتكاب فعل إرهابي، وفق القانون الكندي، إلى توفر دوافع معقولة وكافية تزكي الاعتقاد بأن المتهم يروم تحقيق غاية دينية، سياسية أو أيديولوجية. بيد أن القانون السالف الذكر، لم يحدد على سبيل المثال الأفعال التي تعتبر إرهابا كما ذهبت إلى ذلك العديد من القوانين الوطنية. وفي هذا الإطار أرى أنه ينبغي تعديل القانون لحصر الأفعال التي تدخل في خانة الإرهاب والتي يجب أن تتضمن الاعتداء واستهداف أماكن العبادة بالنظر إلى رمزيتها الدينية.

وفي الأخير، أعتقد أن الرهان الحقيقي لتفادي تكرار فاجعة مسجد كيبك فاجعة لندن، هو رهان قانوني يستوجب تضافر جهود الجميع لتعديل وتجويد قانون مكافحة الإرهاب لضمان حقوق الضحايا وجبر الضرر لعائلاتهم، وكذا لترسيخ قيم التسامح والتعايش والاختلاف التي طالما ميزت الأمة الكندية عن باقي الأمم.

رشيد حمري، باحث مقيم في كندا

حاصل على ماستر في علم السياسية في المغرب

حاصل على الإجازة في القانون