عُلب الأيام

كلمات الشاعرة والأديبة ميساء البشيتي

العلبة ما قبل قبل الأخيرة: علبة غزة:  مرحلة السلام مع إسرائيل.

 ها هي غزة الحبيبة القابعة على البحر تزدهر من جديد لتحتل الصدارة في أخبار العالم، يتسابق الجميع في العودة إلى تلك الرقعة التي باتت مطمع الجميع ومحط كل الأنظار... لكن (الختيار) رحمة الله عليه لم يستطع السماح له بالعبور معهم إلى غزة واللحاق بالركب لإكمال مسيرة النضال  كما في تونس الخضراء.

العلبة السابقة: علبة تونس: تونس كانت بلدًا جميلة، أعطتهم كل شيء... لكن الاستمرار بالمعيشة فيها كان صعبًا؛ أجوائها مختلفة عن لبنان؛ البلد التي ألفها رفاق النضال وأحبوها كما لم تحَبُّ بلد قط!

 العلبة التي تسبق علبة تونس:علبة لبنان: كم كان الالتفاف في لبنان جميلًا، مميزًا، حميميًا، ممتلئًا بالتضحيات والبطولات وشتى أنواع النضال إلى جانب (الختيار)

وكم كان مؤلمًا ومبكيًا تذكر تلك اللحظة الأليمة، لحظة مغادرة فصائل المقاومة العاصمة بيروت إلى تونس، وتلك السفينة التي أقلت المقاومة، وجراحهم، وغربتهم من جديد.

 مضى عليه في بيروت زمن قبل أن يستقر فيها بعد رحلة العذاب في مشارق الأرض ومغاربها، بيروت كانت تعني له الكثير، وتذكرنه بالعلبة هذه التي تعني لي بداية الحياة بالنسبة إلى ذلك الشبل الفلسطيني، الذي لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره بعد حيث قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتقاله إثر تنفيذه لتلك العملية الفدائية التي تسببت بإصابته هو بإصابات عديدة نجا منها فيما بعد  واستشهاد زميله  في العملية نفسها أثناء  تفجيرهما  لذلك الفندق الإسرائيلي ( الإمبسادور) فتم أسره واعتقاله لمدة أربعين يومًا_ المدة المسموح فيها لاعتقال طفل_  وعانى في الأسر والاعتقال والسجن  شتى أنواع العذاب، ثم نفي خارج الوطن فلسطين، وأُبعد حسب قوانين العدو المحتل إلى دولة عربية مجاورة ... لأن القوانين الإسرائيلية حينها لم تكن بهذه الشراسة بعد... أو لم تكن لتجرؤ على أكثر من هذا.

وترتب فيما بعد نفيُّ أسرته بالكامل إلى تلك الدولة المجاورة؛ ليمنعوا وبشكل نهائي من حق العودة إلى تلك الديار، إلى الموطن الأم، بيت الطفولة والأسرة.

الآن، وقد رحل (الختيار) وتفرق الجميع، وعودة مرة أخرى إلى العلبة الأخيرة: وحيدًا يتذكر سنوات النضال، الكفاح، الأسر، التشرد، الغربة، الانتظار على أبواب القدس الخالدة... لن يثنيه شيء عن فكرة العودة لو بعد ألف عام.

ولم يعد... كان الموت أسبق لتبقى فلسطين بعده مكلومة، جريحة، مسلوبة... يترجل فارسها ويسلم الراية لبقية الرفاق.