طلب ترودو المشورة من أسلافه.. عرف سياسي جديد أم نتيجة للظرف السياسي؟

 

تقتضي قواعد اللعبة الديمقراطية تباري الأحزاب للوصول إلى السلطة، هذا التباري ينتهي بتشكيل حكومة قصد تسيير دواليب الدولة. لكن هذه الأخيرة كيان يجب دوامه واستمراره عكس الحكومة. ولتحقيق هذين المبدأين، أي الدوام والاستمرارية، لابد من إنشاء القنوات، التي تضمن الاستفادة من التجربة المتراكمة في التسيير العمومي، بين الحكومات المتعاقبة. لكن الأهم هو أن هناك سياسات عمومية عمرها أطول بكثير من عمر الحكومات وبالتالي فهي تحتاج إلى تواصل مستمر بين رجالات الدولة الذين تواتروا على الإشراف عليها. وهذا ما يعكس أيضا حرص الفاعل السياسي الوازن والرصين على تفضيل مصلحة دولته وإيلائها المرتبة الأولى في أجندته السياسية. وعلى ما يبدو فإن أفعال جاستن ترودو تعكس نفس المبادئ المشار إليها أعلاه، وهذا ما سيتم التعرض إليه في هذه الورقة.

تقليد جديد ذلك الذي قام به رئيس الوزراء الحالي جاستن ترودو، حيث اتخذ من أربعة رؤساء وزراء من أسلافه مستشارين له؛ بعضهم من أحزاب أخرى غير حزبه. ورغم أن ثلة من الخبراء اكتفوا فقط بمراقبة هذا الدأب الجديد، إلا أن السؤال الأول الذي يجب أن يطرح من أجل فهم ما الذي دفع ترودو لاستشارة سابقيه هو: ما هو القاسم المشترك بين برايان مولروني وجان كريتيان وبول مارتن وجو كلارك؟

لقد دخلوا جميعا غمار السياسة بطموح أن يصبحوا يوما ما رؤساء لوزراء كندا، وبالفعل تأَتَّى لهم ذلك. ثم إنه فيما مضى من حياتهم السياسية كانوا خصوما في مجلس العموم أو متنافسين داخل نفس الحزب. لكنهم في وقت محدد، وبفضل مبادرة ترودو، لعبوا نفس الدور: لقد قدموا نصائحهم القيمة لهذا الأخير ولبعض وزراء حكومته الأكثر نفوذا، مثل وزيرة المالية كريستيا فريلاند ووزير الخارجية فرانسوا فيليب شامبين.

منذ توليه دفة القيادة بأوتاوا، ربط ترودو الاتصال مرارا بالعديد من أسلافه لمشورتهم بخصوص بعض الملفات الاستراتيجية والحارقة. وعليه فإن التساؤل: هل هي بداية لمأسسة عرف سياسي جديد أم أن الأمر لا يعدو كونه نتيجة بسيطة لجملة من الظروف؟ يبقى مهما بنظر الباحث والمهتم السياسيين. وفي هذا الصدد، تلقى هذه الممارسة استحسانا واسعا من لدن الفاعلين السياسيين. وهو ما اعتبر كتنحية 'للحزبية' جانبا وتقديم المصالح العليا للبلد، خصوصا وأن مخزون المعرفة بشؤون الدولة ودواليبها عند رؤساء الوزراء السابقين غالبا ما يظل غير مستغلا بالشكل الكافي في كندا بعد ترك العمل السياسي.

وفي نفس الشأن يرى الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة ماك جيل، دانيال بيلاند، أنها فكرة جيدة لكنها تعتمد دائما على العلاقة بين رئيس الوزراء الممارس ورؤساء الوزراء السابقين. ويستدل على رأيه بمثال: عندما أصبح بول مارتن زعيما للحزب الليبرالي، لم يرغب في معرفة أي شيء عن جان كريتيان.

لم يكن جاستن ترودو في منافسة مباشرة مع العديد من رؤساء الوزراء السابقين. وفي كلتا الحالتين فإن هذا الأمر يعتبر عاملا مساعدا. لكن هناك حدًا لمقاربته.

دانيال بيلاند، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة ماك جيل.

وأمام دهشة الجميع، قرر السيد ترودو طلب مشورة رئيس الوزراء المحافظ -التقدمي السابق بريان مولروني في الأشهر التي أعقبت فوز دونالد ترامب غير المتوقع في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016.

جاستن ترودو وبريان مولروني

كما كانت هناك اتصالات عديدة بين الرجلين، خاصة عندما انطلقت المفاوضات العسيرة لتحديث اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) بين كندا والولايات المتحدة والمكسيك.

شكل انتصار دونالد ترامب في عام 2016 "مفاجأة سيئة" لجاستن ترودو، لدرجة أنه دعا زعيمًا سابقًا كان على دراية بالنظام السياسي الأمريكي للمشورة. وفقًا لدانييل بيلاند.

 يد ترودو الممدودة

إذا كان السيد ترودو ليس أول رئيس وزراء كندي يطلب مشورة سابقيه، إلا أنه أول من استشار رئيس وزراء ليس من حزبه. هذه اليد الممدودة لها عدة عوامل مفسرة وتم التوقف عندها كثيرا.

ويشرح بيلاند: «عرف جاستن ترودو السيد مولروني منذ أن كان طفلاً. يعرف جاستن ترودو أيضًا نجل رئيس الوزراء السابق بن مولروني. إذن الأمر يكتسي طابعا شخصيا. كما كان براين مولروني حزب المحافظين التقدمي، الذي لم يعد موجودًا على المستوى الفيدرالي اليوم. إن السيد مولروني لم يكن على علاقة جيدة بحزب المحافظين بقيادة ستيفن هاربر «

كانت النصائح التي أشار بها السيد مولروني على ترودو مفيدة للغاية، لدرجة أن هذا الأخير دعاه للقاء جميع وزراء في اجتماع لمجلس الوزراء عام 2019.

عندما وصلت إلى اجتماع مجلس الوزراء، كانوا جميعًا يحدقون في وجهي وكأنني جئت من كوكب المريخ. لا عجب، لأن كل ما يعرفونه عني قد قرأوه في تورنتو ستار!

بريان مولروني، مارس 2019، أثناء حضوره مؤتمر حول مبادرات رؤساء الوزراء السابقين في جامعة أوتاوا.

وجدير بالتنويه أنه خلال الفترة التي تقلد فيها السيد مولروني منصب رئيس الوزراء، انتقدت صحيفة تورنتو اليومية بشدة حكومة المحافظين التقدمية ودعمت بشكل لا مشروط الحزب الليبرالي الكندي وبرنامجه السياسي في افتتاحياتها.

وعلى الرغم من فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، يواصل السيد ترودو السعي للحصول على مشورة السيد مولروني بشأن العلاقات الكندية -الأمريكية التي تعتبر مسألة شائكة خلال السنوات الأخيرة.

كما طلب ترودو أيضًا خدمات رئيس الوزراء السابق جو كلارك، الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة بريان مولروني ، حيث كافحت كندا للفوز بمقعد غير دائم في مجلس الأمن للولايات المتحدة. الأمم المتحدة. دون إغفال أن هناك علاقات طويلة الأمد بينه وبين رئيس الوزراء السابق جان كريتيان.

جاستن ترودو ومارتن

من جانبها، دأبت وزيرة المالية كريستيا فريلاند على الاجتماع بانتظام مع رئيس الوزراء السابق بول مارتن ، الذي كان المدير المالي لمدة تسع سنوات في حكومة كريتيان والذي قضى على العجز في التسعينيات.

منظور تاريخي

أما بالنسبة لوزير الخارجية، فرانسوا فيليب شامبين، فإنه لا يتردد في إجراء مكالمات هاتفية بانتظام مع معلمه، "الرجل الصغير من شاوينيجان"، للحصول على وجهة نظره بشأن القضايا الرئيسية الراهنة. كما أجرى محادثات متقطعة مع جو كلارك وبول مارتن.

لطالما وجدت أنه من المهم أن يكون لدي منظور تاريخي. عندما نعرف التاريخ، فهذه هي الطريقة التي يمكنك بها التخطيط بشكل أفضل للمستقبل.

فرانسوا فيليب شامبين، وزير الخارجية.

"واجه رؤساء الوزراء هؤلاء العديد من التحديات خلال فترة ولايتهم. إن هذا يساعد في استلهام ما مروا به في الماضي لوضع تحديات اليوم في منظورها الصحيح والاستعداد لتحديات الغد".

في محادثاته مع بول مارتن، ناقش السيد شامبين بشكل خاص قمم مجموعة العشرين G20 - وهي منظمة كان لرئيس الوزراء السابق دور أساسي في إنشائها عندما كان وزيراً للمالية.

وقال السيد شامبين، عند لقائه رؤساء الوزراء الإقليميين السابقين، مثل لوسيان بوشار، وجان شارست وفيليب كويلارد: "الرهانات تتغير، الزمن يتغير. لكن هناك تعاليم لا تزال قائمة".

 وفي مجمل الأمر، سواء كانوا رؤساء وزراء أو وزراء سابقين، فلا يجب التوقف عند مسألة انتمائهم لهذا الحزب أو لذاك. بل إن ما يسترعي الاهتمام هو خبرتهم في تسيير الشأن العام التي ينبغي أن تستغل من أجل المصلحة الفضلى للبلد.