وداعاً أيها الخريف الحزين !

بالرغم من فسحة الأمل التي بدأت تجلياتها تظهر في هذه الأيام، إلا أنه  لا شك بأننا جميعاً نخشى على الدوام تفوق التطرف الفكري وما ينجم عنه من سلوكيات حمقاء تطيح بكل القيم الإنسانية الجميلة، هذا التطرف متعدد الأوجه والأذرع ، وبقباحته يمكن أن يدمر سلام الشعوب ويزلزل استقرارها.  
كما نعلم أيضاً أن هذا الخريف قد جاء مختلفاً عن غيره، حيث تعودنا في كل خريف أن تودع الأشجار أوراقها الصفراء بنوع من البهجة والسرور ، ولكن اليوم نحن كبشر نودع الخريف وهناك الكثير من المحاذير الإنسانية والعقائدية التي باتت تثير مخاوفنا وتعمقها أكثر وأكثر، حيث أن هناك الكثير مما بات يدفع البشر للدخول في منزلقات خطرة يحاولون إخفائها ولكنها حقيقة قائمة!، تعمق هوة الإنقسام بينهم وتغذي الحقد والكراهية أكثر مما تحتمل الروح البشرية، خاصة عندما يكون المساس بقلب الإيمان العقائدي جوهرياً، ومتجاهلاً لفكرة قبول الآخر بكل اختلافاته. 
لذلك أود القول وداعاً أيها الخريف الحزين، لأننا على ما يبدو لم نكتفِ بألم ووجع التحدي الكبير بسبب إنتشار فيروس كورونا الخطير في موجته الثانية، والذي يهدد راحتنا وإستقرارنا وآمالنا وتطلعاتنا وأحلامنا، بل أصبحنا مدفوعين لتحمل ضغوطات حياتية تفوق قدراتنا، والتي يزيدها الأشرار سوءأً عندما يعمقون الخلافات فيما بيننا .
نعم، وداعاً أيها الخريف الحزين ، حيث يخرج من بيننا صغارٌ يرتعشون أمام كبرياء الحق وكل معاني الكرامة التي ترسخت في مواقف الرفض لهذه الغطرسة الشريرة، عندما ترفض كل محاولات الذل والمهانة والإنكسار أمام جبروت الإقصاء والتغول على مبادئ وقيم وثوابت إنسانية لا يمكن القبول بالمساس بها، خاصة الساذجة والمهزوزة وغير السوية منها، والهادفة لتغييب الفكر والذاكرة، وذلك بغباء أو سذاجة منقطعة النظير للإلتفاف على حقوق الإنسان بتمسكه بثوابته ومبادئه وقيمه الإنسانية والعقائدية،  بهدف صهره رغماً عنه فيما لا يتناسب مع فكره وقيمه ولا يؤمن به.
نعم، وداعاً أيها الخريف الحزين، لأن الدنيا باتت ضيقة أمام سطوة الأشرار وقدرتهم على التأثير على ضعاف النفوس، وعبقريتهم في التمدد والسيطرة على العقل وقلب الحقائق وتشويهها. 
نعم وداعاً أيها الخريف الحزين، لقد ضرب المنحرفون بالقيم والأبعاد الأخلاقية عرض الحائط، وباتوا تحت سيطرة أهوائهم المجنونة دون رادع أو وزاع ضمير ليستبيحوا بذلك حياة الإنسان وكرامته تحت هوية دينية .. نعم ، لقد عبثوا بشراسة بكل الأعمال النبيلة التي تهدف لخلق جسور متينة وقوية بين البشر الذين يتطلعون بأملٍ لغدٍ أفضل يعزز السلام بينهم مهما كانت اختلافاتهم، ويحقق آمالهم في بناء مستقبل مزدهر، زاخر بالإنجازات لهم ولكل شركائهم في المنظومة البشرية.
نعم ، وداعاً أيها الخريف الحزين ، فلم تعد الطعنات في القيم بين الحين والحين كافية، بل بات هناك من يعملون على تمزيقها وكأنها جثث هامدة بلا مشاعر ولا قيم ولا أهداف إنسانية سامية متفق عليها بين الخيرين ، وأبعاد أخلاقية عظيمة، واقفة وشامخة في وجه الأشرار الذين تحركهم أهواء مجنونة بدون أن يكون هناك ضمير يردعهم ويوقفهم عند هذا الحد اللامقبول.
  نعم، وداعاً أيها الخريف الحزين ، لأننا بتنا جبناء عاجزين عن تحديد بوصلتنا الإنسانية، ونصمت على سلوكيات غير سوية تعبث بالفكر الجميل والذاكرة السوية التي تهدف لخلق جسور راسخة بين البشر كهوية إنسانية، لتعزز من مكانة البشر وتحقق آمالهم وتخفف من أوجاعهم وآلامهم، ولربما تدفعهم لزيادة رقعة الإبداع لديهم من أجل بناء مستقبل عامر ومزدهر لهم وللأجيال القادمة. 
نعم ، وداعاً أيها الخريف الحزين، فلم تكن جميلاً كما كنا نأمل ولم نستمتع بك كما تعودنا، حيث كان الخطاب الفكري المتطرف المليئ بالكراهية والسلوك المجنون هو الحاضر، حتي  على مستويات غير شعبية في بعض الأحيان، وهذا الذي جعل الخطاب الإنساني الإبداعي تائهاً في بعض الأماكن، وكان أشبه بتصرفات المراهقين،  لذلك كان مزعجاً ومؤلماً وسلبياً وغير منطقي، وبهذا تعمقت الهوة ، بالخلاف بدلاً من بناء جسور المحبة والتلاقي والتكامل بعيداً عن المساس بالروح العقائدية من أجل مواجهة كل ما هو شرير.
نعم، وداعاً ايها الخريف الحزين ، فلا زال هناك من يجهلون الواقع وتحدياته، يسعون لإثارة النعرات من خلال الفعل ورد الفعل،  بهدف تعميق الخلافات والدفع بتسريع صراع الحضارات،  لذلك لم تكن جميلاً كما عهدناك لأنك منحتهم هذه الفرصة بعد أن أفرغت أوراق المحبة، لتفسح المجال لكي تحل مكانها صفحات سوداء تقف ورائها الرغبة بالسيطرة والإستحلال والإستبدال والإقصاء المجنون، لا بل أنها فتحت البوابة الكبيرة أمام عبارات الإيدولوجيات القبيحة، المتصارعة على تسريع نهاية موهومة وسيطرة مزعومة، وهي المبعثرة التي تسعى لإعادة عقارب ساعة التاريخ للوراء، وإخراج مشاهد العنف والدمار والموت والانتقام هنا وهناك لتكون هي العنوان، وهذا ما كنا نرفضه ولا نريده ولا زلنا وسنبقى كذلك على الدوام.
نعم، وداعاً أيها الخريف الحزين، فلم يبقَ في قلوب الأبرياء والمحبين للسلام والعاشقين للحياة متسعٌ لعزف سيمفونية السعادة من جديد بعد كل هذا التعب والإرهاق نتيجة تحديات هذه الحياة ، لا بل لم يعد في قلوبنا كبشر مكان لكل هذا الحزن، فدعوني اليوم أترككم وشأنكم مع هذا الجنون الذي لا أجد لنفسي فيه مكان لأنني ببساطة إنسان، وسابقى كذلك ما بقيت حياً، ومهما بلغ الحزن، نتيجة لسلوكيات أشرار هذا الزمان المجنون، وستبقى رايتي مرفوعة بعنوان لكم الحرية بما تؤمنون ولي كذلك، فأنا لست الحكم لكي أسطر الحكم مسبقاً، لكنني إنسان أعشق إنسانيتي كما أنتم وأنا في هذه الحياة ولدنا أحرار ، فاتركونا نعيش هذه الحياة بسلام كما قدرها لنا خالق الكون وهو أعلم منا ومنكم وبيده حكم النهاية، وليس بيد أي إنسان، فأغلبية البشر تنتمي إلى عالم الخير، هكذا هي الفطرة السوية.
 لهذا نقول للأشرار لا تجعلوا من المسالمين أشراراً ، ودعوهم يعيشون سوياً ضمن مفاهيم إنسانية راقية، يتشاركون فيها الهموم المشتركة ويعملون معاً من أجل بناء مستقبل عنوانه الرخاء والإزدهار.
نعم ، وداعاً أيها الخريف الحزين، فأنا وأخي الإنسان ، ذاك المختلف معي عقائدياً وثقافياً، سنبقى كما نحن نمارس إنسانيتنا ونستمتع بفطرتنا السليمة، ولن نكون بأي حال من الأحوال جزءاً من هذا الجنون الفكري والسلوكي الخارج عن طبيعتنا، وسيبقى عنواننا هو التسامح وتقبل الآخر المختلف قدر الإمكان، ولكننا أيضاً نتمنى أن يكون هنا عقل يتدبر مخاطر التحدي لمشاعر جموع من البشر لا تقبل توجيه الإهانة لمقدساتها ورموزها ومحور ومرتكز إيمانها حتى لا تقطع حبال الوصال ولا تتصارع المعتقدات ولا تتوه الأجيال. 
أخيراً ، دعوة من القلب إلى القلب لكل إنسان، أقول دعونا نتفق على حماية إنسانيتنا من أي مؤثرات سلبية قد تطيح بها، ونؤكد معاً على قدسية العيش المشترك فيما بيننا قولاً وفعلاً وواقعاً وإنتماءاً وإخلاصاً، بغض النظر عن اختلاف ثقافتنا وديننا، وبالتالي العمل على ضرورة التلاقي على تطوير القدرة الإبداعية لدى كل إنسان منا عن طريق خلق قنوات حوار مثمر وبناء أسس يتلاقى حولها الجميع، وبهذا نقطع الطريق على أي خلافات خبيثة  ومصطنعة أو مستوردة من هنا أو هناك، ومحاصرتها قبل أن تصل لفكرنا وتغزو عقولنا، قدر الإمكان،  لنكون على الدوام بخير ودعاة للخير والحب والتلاقي بين بني البشر.