آخر الأخبار

كن أنت! ، منتصب القامة تمشي مرفوع الهامة تمشي

ككاتب بات معروفاً في الأوساط العربية والفلسطينية من أبناء جالياتنا الموقرة، وفي ظل التعريفات الكثيرة التي بات يستخدمها البعض المنفلت،  لابد لي من أن أتطرق في هذه المقالة الخاصة عن حيثيات لا يعرفها الكثيرون، وذلك من أجل عدم تشويش فكرهم من خلال الأدوات التي يستخدمها أعداء النجاح ضد كل حرٍ  وطنيٍ وشريف.
نعرف أن الفشل هو كلمة  غير محببة لدى أبناء البشر  بشكل عام، وبالنسبة لي شخصياً، فأنا أمقتها بالرغم من أنها تخلق عندي حالة من الغضب والتحدي، ومع ذلك أعتبر الفشل جزءاً ضرورياً من التجربة الحياتية التي لا بد أن تمر في حياة أي إنسان، لكننا كبشر نختلف في ردود أفعالنا تجاه الفشل، حيث أن هناك أمثلة كثيرة للناس الذين يستسلمون لفشل التجربة ويشعرون بالاحباط خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي تواجههم،  فتتملكهم حالة من اليأس التي تكبلهم وتجعلهم عاجزين عن النهوض والبدء من جديد، فيتوارون في الظل ويصبحون من الماضي بلا ذكرى.
كما أن هناك أناساً يتجاوزون تجربة الفشل بحكمة وعزيمة وإصرار كبير، ويمضون في الطريق حتى ينتصروا على المحنة، وهم مرفوعو الرأس، وهؤلاء هم بلا شك أناس متزنون وقادرون على إعادة رسم استراتيجياتهم الحياتية وتصويب بوصلتهم باتجاه أهدافهم كي يواصلوا طريقهم في صناعة الأمل وبدء حياة جديدة يحققون فيها ما يتمنون ويتركون بصماتهم المؤثرة وتجاربهم الملهمة،  مؤكدين بذلك رؤيتهم الصائبة على أن الفشل لا يعدو سوى عملية إنتقالية تعليمية في الحياة وهي ضرورية ، لكي تشحن الإنسان بحالة من التحدي والمزيد من المعرفة للبحث عن بدائل أخرى لبدء تجارب جديدة وتحويل الفشل إلى نجاح.
وهذه الفئة حولت الفشل إلى عملية إيجابية ساهمت في تحقيق طموحاتهم،  حيث أنها وجدت في الفشل فرصة وعبرة، حيث  كان طموحهم واصرارهم اكبر  من أي عقبات تواجههم،  فجدّوا ،  و اجتهدوا ليسطروا أسماءَهم في التاريخ من جديد،  حتى أصبحوا قادة في مجتمعاتهم بل أصحاب قرار  وسلطة ونفوذ.
وهناك من الشخصيات العالمية التي عانت في بداية حياتها، حيث تعرضت لاقسى الظروف التي أدت إلى فشلها، هؤلاء استطاعوا بالإرادة وبثقتهم بأنفسهم واستثمارهم فيما لديهم من قدرات وخبرات حياتية اكتسبوها من تجاربهم الفاشلة أن يحققوا النجاح ليصبحوا  بذلك من أيقونات النجاح الملهمة ومن أكثر  الاشخاص نجاحا وشهرة على مستوى العالم. 
هنا أذكر على سبيل المثال رجل التكنولوجيا الأول بيل جيتس مؤسس شركة ميكروسوفت التي تعد من أكبر الشركات في عالم البرمجيات على مستوى العالم الذي تعثر في بداياته ثم استمر حتى أصبح أحد أثرى أثرياء العالم وأصبحت برامجه الأكثر استخداماً عالمياً. 
إذاً هذا يأخذنا لتساؤل مشروع وهو  يا ترى من هو المسؤول عن الفشل بالدرجة الأولى، أنا كإنسان حالم ولم استطع ترجمة ما لدي من طاقات وإمكانيات لكي أنجح أم المجتمع الذي أعيش فيه والذي يفرز حالات شاذة أكثر فشلاً مني لتحاصرني وتعزلني وتفشلني؟!.
هذا بلا شك يأخذني إلى إجابة واضحة أيضاً وهي أن هناك من الفشل من نكون نحن كأشخاص مسؤولين عنه، وننضوي تحت مظلته ونحن سبب فيه ونغذيه، فالخوف من الفشل بحد ذاته فشل لأنه يجعلنا نفشل في تحقيق أحلامنا وأهدافنا لا بل ننحني أمامه فننكسر  ، وبذلك تمضي الحياة ونحن مهزومون ومحبطون وعاجزون عن وضع تصور للمستقبل ضمن ما يمكننا فعله وليس ما يمكن الآخرين فعله لنا، أو حصر فكرنا في سياقات سلبية كعدم القدرة على التخطيط لصنع تجربة نجاح واحدة. 
من جانب آخر هناك فشل يتسبب به الآخرون لأصحاب الإنجازات ممن لديهم بصمات واضحة، يدفعونهم دفعاً للوقوع في وحل الفشل بهدف تطويعهم والهيمنة عليهم، وهذا نتاج فكرٍ غير سوي وسلوكٍ مُتَدَنٍّ موجودٍ في كل زمان ومكان ، تمتلئ قلوب اصحابه بالحقد والحسد والعداء للنجاح بحد ذاته، وهذا أمر سهل معالجته كون أن هؤلاء يمثلون حالة مرضية بسبب تعرضهم لحياة مليئة بالتجارب الفاشلة التي دفعتهم لكي ينحنوا أمامها ، بدلاً من التفكير في النجاح،  لذلك اختاروا المضي في طريق الفشل عن طريق إفشال غيرهم من الناجحين.
لكنهم لا ينجحــــون في التأثير على الذين يملكــــــــــــون الثقة بأنفسهم ويعرفون كيف يخططون لأهدافهم ويصلون لها بالطرق المدروسة الواعية رغم قسوة التحديات، هؤلاء المرضى يكرهون رؤية النجاحات والإنجازات ولذلك يسعون بكل طاقاتهم لصنع ثقافة الفشل والترويج لها .. 
نحن  ومن باب الشعور بالمسؤولية نسرد لمحة عن تجربة حياتية حيث أننا نعتبر أنفسنا من هذه الفئة التي تساقطت أمامها السلوكيات الظلامية الخبيثة ، حيث بدأنا بتسجيل  أسمائنا في سجلات الأمل وصناعة الحياة، رغماً عنهم ونحن نشق طريق الصعود بثبات وبإرادة تليق بعظمة البلد الذي نعيش فيه، وعزيمة لا تلين ولا تنكسر أمام سلوكياتهم المشبوهة وسعيهم الدائم لتحييدنا وعزلنا عن مجتمعنا،  والمساهمة في النهوض به بكل الوسائل والطرق الرخيصة، لكن الواقع هو من يثبت الحقيقة وهو وحده قادر على كشف هؤلاء من أصحاب النميمة والألسنة المأجورة التي تعودت على إستخدام التشهير كوسيلة هجوم ضد خصومهم الذين يتضاءلون ويتقزمون في وجودهم من أجل إفشالهم ، فكنا على الدوام نحن ولم نكن كما هم ارادوا!.
بهذا الإيمان ننطلق إلى فضاءات العمل ومساحات الأمل وثورة الإبداع والتجديد بكل ما يليق بحيثيات لم تكن بعيدة عنا ولكنا على الدوام نؤمن بجوهرها المبني على أن الفشل لا يدخل قاموس أبجدياتنا ، لنبدأ كل صباح مع سيمفونية جديدة لفكرة جديدة عنوانها أنا إنسان ، أنا موجود بالتالي لا فشل دائم ولا خضـوع أمــام أي إبتزاز أو تشهــــــير رخيص أو محاولة حـرف بوصلة نجاح قائمـة، بل هي ، سيمفونية تغرد في سماء الأمل لتصبح حقيقة ترسخ في كل دقيقة بأن الثقة ليس كلمة بل هي إمتداد لأفعال فاعلة ومؤثرة ، وقدرة على العطاء ليس للمتاجرة، وإنما لكي تصبح نموذجاً حياتياً إبداعياً مساهماً بالنجاح لا دافعاً نحو الهاوية.
هذا هو ملخص الحكاية في كلمات تبدو وكانها مبعثرة هنا وهناك، ولكنها تحمل رسالة مفادها يقول ” كن أنت ، منتصب القامة تمشي مرفوع الهامة تمشي" ويدك مفتوحة لكل صاحب فكر مبدع ووفي لبلد أعطاه هوية،  وأن يكون لديه الرغبة الحقيقية ليسطر حكاية نجاح نبدأها سوياً ونسير ببنائها معاً  بحب وود وتكامل في الأداء والفكر  والعمل من أجل ضمان توارثها بين أجيال قادرة على أن تصيغ أثراً هاماً وإيجابياً بهوية نعتز بها ، ومن الواجب أن نحافظ عليها  وعلى ثقافتها مع مرور الأجيال. 
إذاً،  خلاصة القول هي أن الفشل ليس نهاية المطاف ، بل هو محفز على بدايات جديدة، والمهم أن لا يفقد الإنسان ثقته بقدراته، والأهم أن يثق بالخالق على منحه ما يستحق بناءً على جهده وسعيه وإيمانه بأهدافه.
 وهذا هو الفرق بين الفشل الحميد الذي يصنع حياة وبين الفشل الخبيث الذي يعمل أصحابه ليل نهار على تحطيم كل نجاح وتدمير كل حياة!.