المواطنين الجدد وثقافة الاندماج في المجتمع الكندي

يتوافد كل عام ألاف المهاجرين من كافة الدول وتفتح لهم كندا ذراعيها وتستقبلهم بكل ترحاب وتوفر لهم كل وسائل العيش الكريم، هؤلاء هم المواطنين الجدد الذين يمرون بفترة انتقالية يحتاجون فيها الى الدعم المعنوي والإنساني حتى يتم اندماجهم في المجتمع..

لماذا هاجرت الى كندا؟

سؤال يتكرر بفضول وأحياناً بخبث وكأن الهجرة خيار ترفي ..خيار الهجرة له عدة أسباب وحتى  نتعرف على الأسباب علينا أن نلقي نظرة على هرم ماسلو الذي يوضح احتياجات الإنسان ويرتبها حسب أهميتها:

لو نظرنا الى قاعدة المثلث سنجد أهم احتياجات الفرد هي الاحتياجات الفسيولوجية والتي تتمثل في الحاجات التي تضمن للشخص استمرارية الحياة كالغذاء والتنفس والنوم والمأوى..

ثم يلي هذا حاجة الإنسان إلى السلامة والأمن ..والذي يندرج تحته الأمن الأسري والصحي والوظيفي والذي بالتالي يوفر الاستقرار الإجتماعي.

بعد أن يتوفر الاستقرار الاجتماعي تأتي حاجة الانسان الى الحب والانتماء للمنظومة التي يعيش فيها..فيحتاج الى بناء شبكة من التواصل مع كل أفراد الأسرة والاصدقاء.

ثم يحتاج الإنسان إلى تقديرالذات فيبحث عن  تقدير الآخرين واحترامهم له فتزداد ثقته بنفسه ورغبته في العطاء وخدمة مجتمعه.

وعلى رأس الهرم يأتي دور تحقيق الذات والطموحات عن طريق العمل الدؤوب والتميز والابتكار..

كل ما جاء في هرم ماسلو حاجات مهمة للإنسان وأي نقص في هذه الحاجات ممكن أن يكون سبباً في قرار الهجرة الى أي مكان لتعويض هذا النقص..

لو كل شخص منا سأل نفسه عن السبب الذي دفعه للهجرة؟ سيجد الإجابة حتماً في أحدى الحاجات التي نص عليها هرم ماسلو..

بعضنا جاء للبحث عن تحقيق الذات  ومنا من جاء بحثاً عن الأمان والسلام ومنا من جاء باحثاً عن دراسة وعلم لتحقيق طموحات ومنا من جاء يبحث عن لقمة عيش كريمة وعدالة اجتماعية..لكل منا هدف بلا شك وكلها أهداف مشروعة ويجب التصريح عنها بفخر..لأن من يضع أهدافه ويحققها أنسان سوي ويستحق الاحترام.

ثم يأتي السؤال الفضولي الثاني وهو " لماذا اخترت كندا بالذات لتكون الوطن البديل" والإجابة تحتاج الى صفحات لأن كندا فيها مميزات كثيرة جعلتها الوجهة الأكثر جذباً لطالبي الهجرة.. سأحاول هنا أن أوجز بعض هذه المميزات في النقاط التالية:

- تتميز كندا في أنها خليط متجانس من عدة ثقافات تسمح لمواطنيها بممارسة طقوسهم الدينية وعاداتهم الإثنية بحرية بما لا يتعارض مع حرية الآخرين.

ففي الشارع الكندي ترى الأسيوي والأفريقي والعربي والأوروبي وتجد أشخاصاً يرتدون أزياءً خاصة ببلدانهم يتحركون بكل حرية..

- في المجتمع الكندي تتعرف على ثقافات مختلفة من خلال مهرجانات تقوم بها كل جالية على حدا..واذا قررت التجول ممكن أن تأخذك الرحلة إلى الحي الصيني أو الإيطالي أو اليوناني أو العربي..نسيج اجتماعي كلوحة من الفسيفساء بهية الألوان ..اندماج رائع بين كل البشر يجمعهم الانتماء لكندا مع الإبقاء على العادات والتقاليد للوطن الأم ..اندماج صحي متناغم بلا ذوبان أعطى لكندا طابع حضاري متميز ودفء رغم أجوائها الباردة.

- في كندا ومن الدقيقة الأولى التي تضع فيها قدمك على أرضها يتعاملون معك باحترام فيصلك الإحساس بأنك مواطن من الدرجة الأولى.

- في كندا تٌحترم خصوصيتك فلا يجرؤ أي موظف في أي دائرة حكومية على التطفل عليك وسؤالك عن بلدك الأصلي أو ديانتك.

- في كندا يكبر عندك الوعي فتعرف بأن لك حقوق وواجبات وتصبح من مسؤولياتك أن تبحث عن حقوقك وتأخذها كاملة كما هو الحال بالنسبة لواجباتك.

- في كندا تتضح لك فكرة الولاء، الولاء لوطن وليس لأشخاص ..الولاء لدولة تساوي بين الجميع تحت القانون..دولة تتعامل معك على انك قيمة إنسانية مهمة..

- في كندا يصبح لصوتك قيمة لأنك تستطيع أن توصل مقترحاتك عبر أعضاء البرلمان الذين يمثلونك..

- في كندا تشعر بقيمة الوقت عندما تسهل لك الحكومة كل معاملاتك لتنجزها عبر مكالمة تليفونية أو من خلال الإنترنت..

- في كنداً تتعلم النظام عندما تجد الجميع يصطف في طابور في انتظار دوره دون أن تسمع كلمة تذمر ولا تجد من يتعدى على دورك لمجرد إنه يعرف موظف أو من طرف فلان كما يحدث في دول العالم الثالث.

- في كندا يتحقق مبدأ تكافؤ الفرص ..فالفرص موجودة ومتاحة للجميع وما عليك الا أن تبذل الجهد المطلوب وأن تتميز لتستحق الفرصة..ونظرة بسيطة على تشكيلة الحكومة الكندية ستعرف بأن الفرص متاحة للجميع بغض النظر عن أصل الشخص أو ديانته أو لونه ..

كمواطنين جدد، ما المطلوب منا؟

ببساطة المطلوب منا أن نخرج من شرنقة الإحساس بالغربة والاندماج في المجتمع الكندي، علينا أن نتحرر من عقدة المقارنة ما بين مجتمعنا في الوطن الأم والمجتمع الجديد وأن نفتح صفحة جديدة وأن نعي تماماً بأن العيش في جلباب الماضي لن يفتح لنا أفاق المستقبل..أعرف بأن هذا لا يحدث بكبسة زر، بل يحتاج الى وقت وجهد.

يجب أن نكون أكثر واقعية ونتعامل مع الحياة الجديدة على إنها الخيار الذي يحقق لنا ما أفتقدناه في وطننا الأم ونعمل على تحقيق ما نطمح اليه عن طريق تحسين امكانياتنا وقدراتنا لتناسب الوطن الجديد حتى نكون فاعلين ولا نكون عالة على المجتمع.

يردد بعض المحبطون بأن كثيرون ممن يحملون شهادات عليا لا يجدون عمل في كندا..هذا صحيح فما يصلح في بلد ربما لا يناسب بلد آخر بالإضافة الى عامل اللغة والحل هو أن لا نجلس ونضع ايدينا على خدنا ونندب حظنا..لنتحرر من نرجسية المراكز التي كنا نشغلها في البلد الأم وعلينا أن ندرس ما يحتاجه سوق العمل، نعادل شهاداتنا لتحديثها، ونسعى لتطويرأنفسنا حتى لو اضطررنا الى تغيير تخصصنا والدخول الى مجالات جديدة.

علينا أن نحرر أنفسنا من بهرجة المظاهر الفاقعة التي تعودنا عليها وأن نضع أقدامنا على الأرض ونبدأ خطواتنا في الحياة العملية بثقة في أن القادم أفضل وإن لم يكن المردود لنا فسيكون لأبنائنا لأنهم بلا شك سيكونون أفضل حالاً منا من ناحية اللغة والتعليم ومعرفة نظام البلد وكيفية التعامل في كافة المجالات.

علينا أن لا ننقاد لأصحاب التجارب الفاشلة وأن يكون تقييمنا بناء على تجاربنا الشخصية فكل منا له منظوره الخاص، هناك العديد من النماذج الناجحة التي يمكننا الاستفادة من تجاربها في المهجر.

مهما كان السبب الذي أتى بنا الى كندا فنحن بحاجة الى أن نشعر بانتمائنا الى المجتمع وهذا لن يحدث الا إذا اندمجنا في المجتمع.

حتى ننجح في اندماجنا في المجتمع الكندي الذي يقوم على تعددية الثقافات والأديان علينا أن نتعامل مع شركائنا في الوطن في إطار الاحترام المتبادل ومن منطلق إنساني بحت.

علينا أن نطور ثقافة الحوار ونبني جسوراً من التواصل الإنساني تقرب وجهات النظر وتساعدنا على تقديم أفضل ما لدينا لخدمة المجتمع الذي سيعود علينا جميعاً بالخير..لنكن سفراء لبلداننا الأصلية ونقدم الصورة الأجمل لمجتمعاتنا حتى نكسب إحترام الأخرين لنا.

سلوى حمّاد