العـــودة للمـــدارس.. تخــوفات مشروعة ومسؤوليات مشتركة

من المعروف أن الحياة في زمن الكورونا لم تعد هي تلك الحياة التي كانت في الزمن الذي سبق إنتشار هذا الفيروس المُرعب ، لذلك لا نستغرب التغييرات المختلفة المتلاحقة التي نراها في نهج الحياة وسلوك الإنسان، وهذا بالطبع ينطبق على المتغيرات التي ستؤثر على  أبنائنا من طلاب المدارس الذين تقررت عودتهم إختيارياً إلى مدارسهم في أوائل شهر سبتمبر القادم كالمعتاد من كل سنة، ولكن ضمن آليات جديدة ومحددة تتناسب مع كل مرحلة تعليمية.
هذا الأمر آثار بلا شك تخوفات الكثير من أولياء الأمور خاصة بأن الحديث لا زال مستمراً عن تزايد في عدد الإصابات بهذا الفيروس من ناحية ، ومن ناحية أخرى هناك تحذيرات قوية من موجة ثانية،  قد تكون أكثر قسوة بحسب منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، وهذا يجعلنا نٌبحر في حيثيات هذا الأمر خاصة وأن الظروف الحياتية للعائلات قد تأثرت إلى حد كبير في ظل جائحة كورونا.
 من المعلوم أيضاً أن العودة إلى المدارس تمثّل خطوة مهمة جداً للطلاب لإحتوائهم ضمن الآليات والاجواء التعليمية الطبيعية التي تجعلهم يعيشون الحالة التعليمية بشكلها الطبيعي بعيداً عن المؤثرات الإستثنائية التي مروا بها خلال الأشهر الماضية. 
كما أنه  كان من المتوقع أن تكون هذه الخطوة التي إتخذتها الجهات الرسمية المعنية بالأمر هي موضع ترحيب من الجميع بلا إستثناء، ولكن على ما يبدو بأنها أثارت تخوفات الكثيرين، وهي تخوفات إنسانية مشروعة من بعض أولياء الأمورتجاه أبنائهم الطلاب وتؤكد على ضرورة توفير الحد الأقصى من الآليات التي تضمن سلامة وصحة الطلاب العائدين إلى مقاعدهم الدراسية وفي ظروف دراسية آمنة ومطمئنة.
هذا الأمر حقيقة لم يقتصر على الطلاب أنفسهم بل هناك تخوفات كبيرة أيضاً لدى الكثير من  المعلمين الذين يخشون إنتقال العدوى إليهم من خلال عملية التدريس المباشرة للطلاب.
هنا ، بلا شك أتفهم هذه التخوفات المتبادلة، لأنها تخوفات مشروعة ، ولكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون عقبة أمام عودة العملية التعليمية لسابق عهدها ما قبل كورونا، ليتمكن الطلاب من تحصيل موادهم العلمية بالطريقة التعليمية الصحيحة والمنضبطة من خلال إنتظامهم في مدارسهم ، فالفصول الدراسية هي الإطار الصحيح الذي يصقل شخصياتهم ويُنمي ما لديهم من قدرات فكرية وإبداعية ، كما أن تواجد الطلاب بالمدرسة يساهم في ضبط إيقاع سلوكياتهم بما يتناسب مع متطلبات فئاتهم العمرية.
 وعلينا أن لا نتجاهل حقيقة صعوبة الأوضاع ، حيث لا زالت تخوض البلدان المختلفة حالياً وفي مراحل مختلفة  سباقاً مع الزمن من أجل وضع  الخطط الملائمة لإعادة فتح المدارس والتوقيت المناسب لذلك، وتحديد آليات التعليم التي سيتم إتباعها، وعدد الطلاب المسموح بتواجدهم  داخل كل فصل دراسي حسب المراحل التعليمية المختلفة. 
القرارات المتعلقة بهذا الشأن عادة ما تُتخَذ من قبل الحكومات الوطنية أو حكومات   المقاطعات بالتنسيق مع السلطات الصحية المختصة، إذ يتعين على الحكومات أن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الصحي العام، والفوائد والأخطار المترتبة عن إستئناف التعليم، وعوامل أخرى. 
 في هذا السياق يجب أن تكون المصلحة الفُضلى لكل الفئات المشمولة في العملية التعليمية من طلبة وأعضاء هيئة تدريسية وإدارية في مركز هذه القرارات، بحيث يتم استخدام أفضل الوسائل الصحية المتوفرة، مع عدم إغفال حقيقة أن الكيفية التي ستبدو عليها هذه العملية ستتفاوت بين مدرسة وأخرى.
كما  يرى البعض بأنه ينبغي ألا يُعاد فتح المدارس بشكل كامل ومنتظم إلا عندما تكون آمنة مائة بالمائة للطلاب، حيث من المُرجح أن تبدو العودة إلى المدارس مختلفة بشكل جوهري عما اعتادتَ عليه في السنوات الماضية ، وما اعتاد عليه الطلاب في السابق، هذا مع ترك الباب مفتوحاً أمام إحتمال أن تفتح المدارس لفترة من الوقت وإعادة إغلاقها مرة أخرى، قد يكون هذا بصفة مؤقتة أو ربما يصل الأمر لنهاية العام الدراسي ، وذلك اعتماداً على السياقات التي تفرضها الحالة الصحية المحلية في كل منطقة، وذلك بسبب عدم وجود تقديرات دقيقة للتطورات المستمرة للوضع، مما سيجعل الحالة دائماً مدعاة للقلق والخوف لدى الآباء،  لذلك سيتعين على السلطات المحلية أن تتحلى بأقصى درجات المرونة والصبر للتكيف مع المستجدات من أجل سلامة الطلاب في مدارسهم. 
المطلوب في هذه المرحلة  هو التكامل الفكري والعملي تجاه وجود آلية  مناسبة تضمن سلامة الطلاب والمعلمين والموظفين عند عودتهم للمدارس، كما تضمن اقتناع  الأهالي بإعادة ابنائهم إلى المدارس دون أي تصادم في التوجهات قد يؤدي إلى زعزعة الثقة بينهم وبين الجهات المختصة وهذا بلا شك سينعكس بشكلٍ سلبي على ثقافة وقدرات الطلاب العلمية 
وفي حالتنا هنا في كندا  وتحديداً في مقاطعة أونتاريو علينا عدم تجاهل ما نجم من إضطراب في العملية التعليمية نتيجة لإضرابات المعلمين في الفترة التي سبقت جائحة كورونا،  وتراكم هذا بلا شك سيكون له أثار سلبية مُدمرة خاصة على الأطفال في المراحل الإبتدائية الذين لم يحالفهم الحظ العام الماضي بأخذ فرصتهم الطبيعية  كاملة بالتعليم المنتظم الذي يُغذي عقولهم بما تتطلبه من معرفة أساسية تتراكم عليها المعطيات الضرورية للتعاطي مع التحديات العمرية بشكل  متزامن ومتسلسل.
كما أن العام الدراسي يمكن أن يسير هنا في كندا بشكل طبيعي وإبداعي في حال تفهم كل طرف ما عليه من واجبات وقام  الجميع بالإجراءات الوقائية اللازمة بمسؤولية عالية حتى يستطيع الطلاب الإستمرار في الأجواء الدراسية التي تحفظ لهم فرصة الدراسة في أجواء صحية ترتقي بهم علمياً وتحافظ على مكتسباتهم التعليمية والإبداعية في ظل إطمئنان الأهالي تجاه مثل هذه الخطوات الضامنة لصحة أبنائهم، فهولندا على سبيل المثال لم تغلق مدارسها الابتدائية واستمرت الدراسة منتظمة لطلاب المرحلة الابتدائية برغم جائحة كورونا، وعلى الرغم من ذلك انتهى العام الدراسي طبيعياً في ظل اهتمام السلطات المختصة وتعاون الأهالي والتزامهم بإجراءات الوقاية لضمان سلامة أبنائهم.
أخيراً يسعدني أن أقتبس بعض الإحتياطات الضرورية والتوصيات الهامة التي قد تساهم إيجابياً بالحفاظ على صحة أبنائنا أثناء العام الدارسي التي أعتقد بأنه تم أخذها بعين الإعتبار من قبل السلطات المختصة وهي  على النحو التالي:
  1-التدرّج في بدء اليوم الدراسي وإنهائه، بحيث يبدأ وينتهي في أوقات مختلفة لمجموعات مختلفة من الطلاب.

2-التدرّج في أوقات تناول الوجبات
3-  نقل الصفوف إلى أماكن مؤقتة أو إلى خارج المبنى
4-   تنظيم دوام المدارس على فترات، بغية تقليص عدد الطلاب في الصفوف الدراسية
أتمنى على كل من الهيئة التدريسية والإدارية أن يتحملوا مسؤولياتهم وأن يكونوا قدوة لطلابهم وذلك عن طريق الإلتزام بالإجراءات الوقائية اللازمة لضمان إستمرار العملية التعليمية على نحو آمن، كما عليهم مسؤولية توعية  الطلبة وتكريس كل الجهود من أجل تحسين إجراءات النظافة الصحية ونشر الوعي الصحي، بما في ذلك ضرورة تكرارغسل اليدين، والإلتزام  بالآداب التنفسية (أي احتواء السعال والعطس بالذراع بعد ثني الكوع)، وإلزام الجميع بإجراءات التباعد الاجتماعي في المدرسة، واتخاذ أقصى إجراءات تنظيف المرافق والممارسات الآمنة لإعداد الأغذية.
أخيراً بدوري كرئيس تحرير لصحيفة عرب كندا وكأب لطلاب مؤمن بأهمية الإلتزام بكل الإجراءات التي تصدر عن المؤسسات الرسمية بهذا الخصوص،  أتمنى على الأهالي أن يتعاونوا مع الجهات المختصة حتى نتجاوز هذه المحنة بسلام، كما أتمنى على أبنائنا الطلاب أن يتمتعوا بروح المسؤولية وأن يتمتعوا بأقصى درجات الإلتزام والحيطة والحذر، مع دعواتي الخالصة لهم بالسلامة الدائمة في العام الدراسي الجديد.. مع خالص أمنياتي لكل الطلبة  بالتوفيق والنجاح على الدوام.