آخر الأخبار

العنف الأسري وتحدياته في المهجر

ونحن نستعد لاستقبال عيد الأضحى المبارك يسعدني أن أتقدم لأبناء الجالية العربية والإسلامية بأحر التهاني والتبريكات ، أملاً أن تعود هذه المناسبة  على الجميع بالخير واليمن والبركات ، وأن يكون هذا العيد هو عيد تترسخ فيه معاني التكافل الأسري والاجتماعي بين كل مكونات المجتمع .
كما أود أن أنوه إلى أنني لم أعتد الكتابة  من خلال هذه النافذة في الشأن المجتمعي تاركاً ذلك لزملائي من الإخوة والأخوات الكتاب الذين تستهويهم الكتابة في هذه المجالات المهمة، ولكن في الآونة الأخيرة وخاصة في ظل محنة كورونا  وبسبب التدابير الوقائية التي فرضت الحجر المنزلي كإجراء ضروري للحد من انتشار فايروس كورونا، فقد  طٌلب من العديد من الموظفين والموظفات العمل من المنزل، مما أدى إلى تداعيات اجتماعية كبيرة على الأسر بسبب ما صاحب هذه الجائحة من ضغوط اقتصادية واجتماعية ونفسية ناجمة عن الخوف من المجهول، وبتنا نسمع عن خلافات أسرية عميقة تتسم بالعنف بين أفراد الأسرة، وهذا حقيقة كان بمثابة جرس إنذار لينبهنا إلى ضرورة  الترابط الأسري خاصة في مثل هذه الظروف الاستثنائية، وإعادة هيكلة العلاقات الأسرية وإعادتها إلى مسارها الصحيح لبناء أسر أكثر تماسكاً وتفاهماً..
كما أن هناك الكثير من القصص الموجعة التي لا يمكن تصورها في هذا السياق، خاصة تلك التي يتجرأ فيها أحد أطراف المعادلة على تجاوز الحدود الإنسانية للعلاقة الأسرية فينعكس ذلك بشكل سلبي على سلوك أفراد الأسرة، وخاصة الأطفال الذين غالباً ما يدفعون ثمن هذا الخلل الذي بالإمكان معالجة أسبابه لو توفرت الإرادة والحكمة والرغبة في فهم ضرورويات إكمال المسيرة، وعلى طرفي المعادلة (الزوج/الزوجة) أن يستوعبا حقيقة مهمة وهي أن لكل منهما دوراً لا يقل أهمية عن دور الطرف الأخر، هذه الأدوار تكمل بعضها البعض لو توفر الاحترام والتفاهم بدون ضجر أو ضجيج خارج عن الإنضباط بمتطلبات مسيرة الحياة، ولأن الدول تعي تماماً بأن الاستقرار الأسري أمر مهم جداً في الارتقاء بالمجتمع وتطوره، فقد تبنت برامج فاعلة من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة الذي يؤدي إلى مجتمع سوي قادر على العطاء والإبداع ولديه الإستعداد لتحمل المسؤولية والمساهمة فيه بالبناء.
كما أن الدول وتطورها يخضع للعديد من الشروط والمعايير، حيث يرى البعض بأن الجانب الاقتصادي هو الأهم، وهناك من يرى أن الجانب السياسي أكثر أهمية ، وأخرون يعتبرون أن الجانب الاجتماعي والثقافي هو المعيار الأساسي للتقدم، في حين يركز البعض على الجانب التكنولوجي،وأنا بالطبع أتفق مع كل هذه الرؤى وعلى أهمية كل الجوانب مجتمعة في عملية التطور والنهضة ،  لكن يبقى الأفراد هم محور تقدم أي دولة وهم المعيار الحقيقي والأساسي لرقيها وتقدمها،  وبالتالي فالاستثمار في بناء الإنسان كفرد وكمجتمع،  يجب أن يحظى بالأولوية، لذلك يجب القيام بعمل جماعي ونوعي لترسيخ مبدأ التماسك الأسري حتى ينعكس إيجاباً على أفرادها وسعادتهم  ومدى توافقهم النفسي والاجتماعي الذي سينعكس إيجاباً على المجتمع بأكمله.
ومن هذا المنظور فإن الحالة الصحية والنفسية للفرد وتكيفه الاجتماعي من أهم التحديات التي تواجهها الدول من أجل الوصول إلى مجتمعات مستقرة قادرة على العطاء، لذلك اتجهت معظم الدول للبحث في التحديات التي تواجه الأسر من خلال مؤسسات الدولة الرسمية والمؤسسات المجتمعية التي يُشهد لها بالشفافية والمصداقية بالطرح الصحيح والموضوعي لكل المشاكل الأسرية، خاصة النفسية و الاجتماعية منهاولكن يبقى الأمر بحاجة إلى تطوير والبحث في آليات بعيدة عن البيروقراطية التي تقتل كل جهدٍ سواء في هذا الإتجاه أو غيره وبالتالي تزيد من تعميق المشكلة بدلاً من إيجاد حلول منطقية وبناءة لها.
 و إن كان العنف بحد ذاته أصبح ظاهرة إنسانية عالمـيـة تُـعـرّف عـلـى أنـهـا " الاستعمال المتعمد أو التهديد باستعمال القوة أو السلطة ضد الذات أو ضد الغير أو ضد مجموعة أو جماعة مما يؤدي إلى نتائج سلبية أو إعاقة النمو الوطني أو إلى الحرمان بكل أنواعه"، فقد تكون ممارسته بين أحضان الأسرة ومن أقرب الناس من المفارقات التي أصبحت تغزو فكر المغترب خاصة المضطرب فكرياً وإنسانياً بسبب ضغوط الحياة،  فكيف لنا أن نتصور أن الأب يُعرّض أبنائه للعنف سواء كان مادياً أو معنوياً؟!، وكيف يمكن أن نتصور أن الأم قد تكون سبباً في تعميق التفسخ الأسري بسبب إهمال أطفالها أو تحريضهم وتعريضهم للتعنيف من بقية أفراد الأسرة بدلاً من أن يكونا الأسوة الحسنة والمثل الذي يُحتذى به؟!. 
لذلك من الصعب علينا أن نرى أطفالاً أبرياء  ينحرفون ويتحولون إلى مجرمين محترفين ويتسمون بالعنف في كل تصرفاتهم، أو يصبحون فريسة سهلة للمتطرفين فكرياً بسبب إهمال الأسرة وغياب مسؤولية الأباء، أو بسبب مشاكل متعددة بين الأباء والأمهات، في حين أن دور الأسرة يعتمد في الأساس على توفير المناخ الصحي للأبناء للنمو الجسماني السليم والنمو النفسي الخالي من العقد والأمراض النفسية.. 
لكن للأسف نجد أن الكثير من الأسر العربية في المغترب قد انتقلت إلى المهجر بمشاكلها والتنافر بين أفرادها وسلوكياتها العنيفة من مجتمعاتها الأصلية، وكان من المفترض أن تكون الهجرة بمثابة نقلة نوعية بالفكر والسلوك، ليعم مفهوم التكافل والتكامل والمساهمة في تطوير مفاهيم التسامح في مجتمعات مسالمة ومتناغمة ،  مما يساهم في خلق فرصة لدى المغتترب إلى تهذيب إسلوبه في التعامل مع الآخرين  وتخفيف نزعة العنف لديه حتى ينعكس ذلك إيجاباً على أسرته.
هذا لا يغفل حقيقة أن هناك الكثير من الأسر العربية في المغترب قد ضلت الطريق ومارست الانفتاح بمبالغة وانفلات لا تتناسب مع موروثها الثقافي في البلد الأم،  مما نتج عنه عنف أسري بسبب عدم رضى أحد شركاء المؤسسة الأسرية عن هذه التصرفات اللامسؤولة، هذا الخلل تسبب في تصدع العديد من الأسر، وهذا بلا شك يستدعي عمل دراسة نفسية اجتماعية ميدانية من قِبل مختصين ومؤهلين وأناس يتمتعون بروح المسؤولية للوقوف على أسباب هذه السلوكيات غير المنضبطة ومحاولة إيجاد حلول للحد منها ومعالجتها..
وحتى يتم هذا يجب أن يكون العمل من خلال  مبادرات مؤسساتية مجتمعية مؤهلة تشرف على هذه الدراسات النفسية الاجتماعية بشكل محترف ومسؤول وذلك  من أجل الحفاظ على الأسر المهددة بالتفكك نتيجة العنف السلوكي والفكري ولربما ضغوطات العنف المجتمعي ، لتحدد طبيعة المشاكل وبمساعدة المختصين حتى تجد لها الحلول الناجعة وذلك لإعادة بوصلة العلاقات الأسرية إلى مسارها الصحيح، هذا سيكون بمثابة إجراء وقائي للعمل على إنقاذ الأطفال في مراحل مبكرة وتهيئة بيئة مناسبة لتنشئتهم في أسر مستقرة خالية من التجاذبات والتنافر وفي تقديري أن هذا أهم بكثير من بعض المبادرات التي تنتهي فعاليتها وينتهي تأثيرها مع إنتهائها ..
أخيراً ، أود أن أنوه  بأن المؤسسة الأسرية هي مؤسسة تتكون من الوالدين والأبناء، ولنجاح هذه المؤسسة يجب أن تتضافر جهود كل أعضائها، فلكل منهم حقوق وعليه واجبات ومهما كانت الظروف يجب أن يبقى الاحترام بين كل أعضاء الأسرة هو العنوان لأنه سيكون بلا شك هو صمام الأمان الذي سيجعل الحوار لحل أي مشكلة ممكناً قبل تفاقمها..