آخر الأخبار

من حقنا أن نفخر بالهوية فهي عربية كندية

ونحن على أعتاب الإحتفال باليوم الوطني الكنديCanada Day  والأمل يحذونا بأن تكون كندا قد خرجت قوية ومعافاة من هذه المحنة التي غيرت ملامح الحياة المجتمعية الكندية الجميلة ، وأخذت معها الكثير من الأرواح العزيزة على محبيها وأهلها، لا يسعني إلا أن أعبر عن بالغ أمنياتي بأن نتجاوز هذه المحنة بتعاضد وتماسك وتجاوز لتأثيراتها الشرسة ، وأن تبقى كندا قوية لنا ونحن أقوياء بها وأوفياء لها .... كل عام وكندا وشعبها بألف خير، كل عام وهي الأجمل بين دول العالم بسياستها الإنسانية المتوازنة والحكيمة والحريصة على وحدة وتماسك المجتمع والرافضة لكل أنواع التفرقة بما فيها العنصرية. 
كما لا يفوتني أن أُذكر بأن بلدنا العظيم كندا تخوض بعد يومين من هذا الشهر إنتخابات الحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي وذلك في إقتراع سري يومي 17، 18 يونيو في مواجهة كل من النرويج وإيرلندا، وبهذه المناسبة أود التعبير عن بالغ أمنياتي الصادقة والأمينة بأن تحصل كندا على هذه العضوية التي طال غيابها، وهي الدولة الأكثر إستحقاقاً لها لما تتمتع به من قيم إنسانية ومواقف سياسية معتدلة، وما لديها من مكانة دولية خاصة، وأدعو أبناء الجاليات العربية في كل المدن الكندية لمخاطبة سفاراتهم وحكومات بلدانهم لحثهم على ضرورة مساندة كندا في هذه الإنتخابات، وهي التي سجلت مواقف سياسية متقدمة في الآونة الأخيرة لا يمكن لنا ككنديين من أصول عربية إلا أن نقدرها ونثمنها عالياً ونحترمها ونرفع لها القبعة.
من هنا وجدت أهمية الحديث عن الهوية في مقالي هذا ، حيث أن الهوية هي مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات (كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية)، كما يستخدم هذا المصطلح خصوصا في علم الاجتماع وعلم النفس لتحفيز الذات على الإنتماء للوطن. 
والهوية هي مجمل السمات التي تميز شيئاً أو شخصاً عن غيره أو مجموعة أو ثقافة عن غيرها، كل منها يحمل عدة عناصر في هويته، وعناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يختص بالفئة نفسها ويمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة لاحقة.
الهوية جزء لا يتجزأ من نشأة الأفراد ، لذلك حرصت كل الشعوب منذ بدء الخليقة وحتى يومنا هذا لبلورة هوية خاصة بها تميزها اجتماعياً، قومياً، ثقافياً وعقائدياً وترفع من شأن أفرادها، وبالتالي فقد ساهم وجود الهوية في زيادة الوعي بالذات الثقافية والاجتماعية والوطنية إلى تميز الشعوب عن بعضهم البعض.
وأنا هنا لا أود الحديث عن الهوية الشخصية التي تعنى بتعريف الشخص  بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده، ولكني أود الحديث عن الهوية الجمعية (وطنية أو ثقافية أو قومية) وهي التي تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى كما أسلفنا الذكر سابقاً.
عادة ما يتشابه أفراد المجتمع الذين ينتمون إلى هوية واحدة بالمميزات الأساسية التي جمعتهم كمجموعة متناغمة ومنسجمة فيما بينهم، وقد يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة متفقة تحت مظلة الهوية المشتركة.
ورغم أن هناك شعوب تختلف في الدين والثقافة واللغات كما هو الحال في المجتمع الكندي، إلا أن وجودهم في دولة واحدة تجمعهم مساحة جغرافية واحدة، وقوانين وحقوق وواجبات المواطنة تمنحهم هوية مميزة.  
نستخلص مما سبق بأن العناصر التي يمكن إعتمادها لبلورة هوية جمعية كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، واللغة، والتاريخ، والحضارة، والثقافة، والطموح والأمن والسلام المجتمعي والإستقرار السياسي والإقتصادي والإندماج والرغبة الصادقة بالإنتماء وغيرها.
هناك عدد من الهويات القومية أو الوطنية تتطور بشكل طبيعي عبر التاريخ وتعدد الأجيال ، وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات طائفية أو سياسية أو تغيرات تاريخية سرعت في تبلور هوية ذاتية أو جديدة لهذه المجموعة أو تلك، وهذا جعل قسم من هذه الهويات يتبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. 
من هنا نستنتج أن الهوية الوطنية هي شئ كبير وعزيز على النفس وهي التي تُستخدَمُ للإشارةِ إلى وطن الفرد، والتي يتمُّ التّعريفُ عنها من خلال البطاقة الشخصيّة التي تحتوي على مجموعةٍ من المعلومات والبيانات التي يتميّزُ فيها الفرد الذي ينتمي إلى دولةٍ ما.
وبالتالي لا يجوز حمل بطاقة هوية بدون الإنتماء إليها والعمل على صونها وحمايتها والإخلاص لها، لأنها لا تمثل إدراك الأفراد للهويّة الفرديّة الخاصّة بهم، والتي تهدفُ إلى تقدير الذّات، واحترام الصّفات الشخصيّة، وزيادة الإنتاجيّة العامّة في المجتمع وحسب ، بل هي تمثل نهج حياة ودستور سلوك وعنوان وطن ورافعة مجتمع يعكس الإنتماء إليها قيمة الفرد ومكانته في المجتمع ودور الأمة وقوة البلد..
وهذا يعزز بلا شك مفهوم الانتماء  الذي يمثل الارتباط بالمكان بمعنى أن ينتمي الفرد للدولة التي يعيش على أرضها ويعتبر مواطناً من مواطنيها، له حقوق وعليه واجبات تحت مظلة وسيادة القانون والدستور الذي ينظم العلاقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية، وعليه فإن الهوية تكون بمثابة وسيلة لتعزيز هذا الانتماء عند الأفراد والجماعات.
هذا يأخذنا اليوم بلا شك إلى التفاعل بمسؤولية مع عملية الإنفتاح التدريجية بعد فترة إغلاق طويلة نتيجة لغزو فيروسي غير مسبوق في العصر الحديث ، هذا الفيروس الذي جعل من كل شئ في هذه الحياة غير طبيعي ، وبالتالي يصبح علينا لزاماً أن نتعايش مع التطورات التي فرضتها تحديات جائحة كورونا ونبدأ بأنفسنا لنحافظ على سلامتنا وسلامة مجتمعنا ومن ثم سلام بلدنا الذي نحمل هويته ونعتز بها، وبالتالي لا يسعنا إلا أن نقوم بدورنا الفاعل والبنّاء والوحدوي من أجل الحفاظ عليه والمساهمة في حفظ أمنه، وتعزيز وحدة وترابط مواطنيه بغض النظر عن اللون والثقافة والدين،  وعدم التأثر بمفاهيم سلبية منعزلة لا تمثل هوية بلد أحبنناه وأحبنا وأعطانا وبات لزاماً علينا أن نعطيه بالمقابل.
إننا اليوم أمام اختبار حقيق لكي نظهر انتمائنا الحقيقي لبلدنا كندا، وبالتالي يتوجب على كل فرد منا أن يتذكر مسؤولياته تجاه هذا الوطن الذي نحمل هويته، وعلينا أن نلتف حوله لنبقيه شامخاً ولنبقي رايته خفاقة دائماً، وليكن انتمائنا صادقاً وأميناً لنحافظ على وطن منحنا هويته وحق المواطنة فيه .. لنؤكد بأنه بات من حقنا أن نفخر بهويتنا لأنها عربية كندية، ولنكن مواطنين تفخر بهم كندا.