آخر الأخبار

التضليل في المهجر خطر لابد من مواجهته!

بداية يسعدني أن أبدأ مقالي لهذا العدد بصادق دعواتي وخالص أمنياتي بأن تكونوا جميعاً بألف خير وبصحة جيدة في ظل تحديات جائحة كورونا التي نأمل من المولى عز وجل أن تمر على خير، وتنتهي هذه المعاناة بأسرع وقت ممكن بدون فقدان حبيب أو عزيز وأن يحفظ بلدنا العظيم كندا من كل شر.
سيتناول مقالي هذا ظاهرة التضليل خاصة في بلاد المهجر، ولكي أبدأ في موضوعي هذا لابد من التعريف بمفهوم التضليل بشكل عام وهو عبارة عن معلومات خاطئة أو معلومات كاذبة تٌنشر بقصد خداع الأخرين وتشويش أفكارهم لخدمة أجندات شخصية أو عامة سواء كان ذلك عن قصدٍ أو بدون قصد. 
وفلسفة التضليل عند البعض تعبر عن اتجاهات فكرية وجهوية ومناطقية وعقائدية موروثة تعمل على تزييف الحقائق والتلاعب بالكلمات وتنميقها من أجل تحقيق غايات معينة، وهذا يندرج تحت مدرسة التضليل الكلامي والفكري، ولتنفيذ هذا النوع من التضليل يلجأ  باعة الكلام وتجار التلاعب بالحقيقة الهادفين إلى السيطرة على عقول الناس بدقة عالية إلى ترويج الاباطيل وتجميل الأخطاء ووضعها في قالب منمق لجذب الأخرين وتضليلهم، مع الإسفاف في التشهير بمن يعارضهم واتباع اسلوب التملق والمداهنة للتأثير على المشاعر الإنسانية والتلاعب بها.
للأسف لم يعد استخدام التضليل الكلامي مقتصراً  على ساحات الصراع السياسي أو الفكري أو الأيديولوجي، بل بات يٌمارس من أجل تحقيق غايات شخصية رخيصة على حساب ضحايا أبرياء معتمداً بذلك على أقوى سلاح مؤثر وهو سلاح (الكلمة) التي تهيمن على المدلول والمفهوم والمعنى الذي تصاغ عبره الأفكار والمفاهيم والتصورات التي تغزو العقل والفكر بدون أن تدرك الضحية مدلولات ذلك إن كانت خبيثة أو حميدة.
حيث تكون الكلمة  المعسولة في البداية ثم تتداعى الافكار والمفاهيم والتصورات التي تلتصق بمفهوم التضليل الخبيث،  وهنا ينقسم الأمر بين شقين من مفاهيم الحياة وهما قد افلح من زكاها فتكون حكاية الحياة، وخاب من حرفها وبدلها وزيفها فتكون النتيجة حكاية الشيطان بدلا من حكاية الحياة.
ونحن في المهجر نرى أن الكثير من أساليب التضليل الرخيصة الهادفة للخداع يمارسها بعض المهزومين نفسياً الذين لا يؤمنون بمفهوم المصداقية، وبالتالي يلجؤون لأساليب التضليل سواء لكسب المزيد من ما لا يستحقون أو لخداع الأخرين لكسب ثقتهم ومن ثم إستغلالهم ليصبحوا أدوات لهم في حربهم ضد الناجحين لإفشالهم والتشكيك بنجاحاتهم. 
كما أن التضليل في المهجر ارتدى عدة أقنعة براقة المظهر تخفي خلفها مضامين سيئة وغايات قبيحة ، فهناك من يستغل الفكر والثقافة ليتقدم الصفوف وينصب نفسه ممثلاً لمجتمع ما في ظل فراغ فرضته إنشغالات الناس وهمومها، وهناك من يتغطون بلباس الدعوة والخطاب العام سواء على الصعيد الديني أو الأيديولوجي أو السياسي والفكري والثقافي والتربوي... إلخ، وذلك من خلال القدرة البارعة على استخدام فنون الخطابة والبلاغة والدعاية مع استخدام أساليب ديماغوجية تخديرية تخدم أهدافهم الخبيثة وتحقق أغراضهم من خلال منهجية السيطرة الكلامية التلبيسية.. هؤلاء يطبقون مفهوم سيطرة التضليل والتحريف الكلامي كرمز للقوة والسلطة والسيطرة والإغواء والهيمنة لتمرير أفكارهم المشوهة كمن يدس السم في العسل.
وبالتالي تأتي النتيجة من خلال سيطرة الكلام على الفكر والإدعاء بالمعرفة أو العلاقة مع هذا أو ذاك ممن هم في موقع المسؤولية متجاهلين سقف القانون وعدالته، وبالتالي التقدم للإبداء بالرأي وتقديم التصور والتوقع للمستقبل الذي ينسجم في بعض الأحيان مع رؤى خفية أو تنشده الأطراف والقوى متقاطعة المصالح ممن يقفون بالغالب خلف هذا التضليل المبرمج أو التحريف للكلام عن مواضعه لتغيير مسار الحقيقة وعدم تسمية الأمور بمسمياتها، أو لتضليل الإنسان البريء من القادمين الجدد الباحثين عن المعلومة الصحيحة لبدء حياتهم الجديدة في المهجر بسهولة ويسر واختصاراً للوقت، فهم يتلقفون تجارب من سبقوهم بحسن نية ولذلك يكونون عرضة للتضليل وغالباً ما تقع الكارثة وعلى ذلك أمثلة كثيرة!.
والتضليل بالكلام بصوره الإغرائية الإغوائية أو التحويلية التحريفية التزييفية التي تؤثر بأفكارها على الرأي العام سواء في المجتمع الصغير  أو الخاص،  تهدف غالباً للتلاعب بهؤلاء لإقناعهم  ومن ثم تسخيرهم وجذبهم إلى ساحات هذه المجموعات المٌضللة من خلال القدرة على تشكيل الأفكار والمفاهيم والتصورات التي تخدم الهدف الذي صيغت من أجله وغالباً ما تكون لمصالح ذاتية فردية أو لصالح أجندات غير سوية!.
وما يساعد على استمرار عمليات التضليل  هو  إحتراف هذه المجموعات في ممارسة التضليل بعيداً عن المحاسبة الحقيقية ولربما بدعم خفي أو موهوم تجد فيه هذه المجموعات ضالتها عندما تحصل على دعم غير مستحق من هذه الجهة أو تلك، مما يشجعها على المضي قُدماً في تطوير أساليب الخداع والتضليل، وهذا بدون أدنى شك يزيد من العبء والمعاناة لمن لا يعرفون هذه الأساليب الشيطانية التي تتبعها مجموعات التضليل!.
هنا لابد من الإشارة إلى أنه للأسف يستغل المٌضللين القادمين الجدد الذين يتم استغلال حاجتهم لمعرفة القوانين والنظم، فيهيمنون عليهم بادعاء المعرفة بكل شيئ، ويتم استغلالهم مادياً ومعنوياً، فيخسرون الكثير ولكنهم يكتشفون ذلك بعد فوات الأوان.
لذلك أستطيع القول أن التضليل هو ظاهرة سلبية خطيرة ولذلك أجد أن فكرة التعامل مع المٌضللين بالصمت أمراً ليس في صالح المجتمع وأفراده، لأنه سيسمح لهؤلاء بالتمادي في تخريب القيم والعلاقات الاجتماعية،  ودورنا هنا في المهجر هو قطع الطريق على هؤلاء عن طريق كشف زيفهم ونواياهم للمجتمع الذي نعيش فيه، والعمل على توعية شركائنا في المجتمع ومساعدتهم للحصول على المعلومة الصحيحة من مصادرها ، خاصة وأن الدولة الكندية قد وفرت مصادر عديدة للمعلومات عبر المواقع الإلكترونية ومراكز مساعدة القادمين الجدد بالشكل الصحيح.
 كما أننا وعبر قنوات التواصل الاجتماعي المختلفة  يمكننا أن ندعم شركائنا في الوطن بكل معلومة وتجربة مفيدة وأن نعمل بروح الفريق الواحد بعيداً عن الاستعراض واقتناص الفرص من أجل مكاسب شخصية على حساب مصلحة وأمال وتطلعات الآخرين .
أخيراً، أكتب هذه السطور وأنا مُفعم بالأمل وعلى ثقة بأن المٌضللين سينكشفون إن كان ذلك عاجلاً أم آجلاً لأنه لا يصح إلا الصحيح،  ولكن علينا كأفراد أن نطور من وعينا وأن نكون على قدر من تحمل المسؤولية لكي نجنب أنفسنا واسرنا والمجتمع الذي نعيش فيه تبعات هذه الظواهر السلبية وبذلك نواجه هذا الخطر الذي يهدد الكثيرين منا!.