آخر الأخبار

كندا أمامَ صيفٍ ساخن

إجراءاتٌ حكوميةٌ تلوح في الأفق وكورونا لا يزالُ في مرحلةِ الهجوم

الجاليات العربية.. هل ستقضي الأعيادَ والصيف الخاطف داخل البيوت

يبدو المشهدُ قاتماً وسوداوياً في بلدٍ يحتل المرتبةَ الثانية من حيث المساحة عالمياً، ويقعُ إلى الشمالِ من الكرةِ الأرضيةِ ويسكنه بحسب آخر تعدادٍ للسكان أكثر من سبعةٍ وثلاثينَ مليوناً من البشر، بينما يعيشُ على أرضِ كندا زهاء أربعمائة ألفٍ من الجاليات العربية، في ثامن أكبر دولةٍ في العالم يتواجد على أراضيها العربُ بعد البرازيل.

البداية

كان المشهد يبدو طبيعياً وهادئاً في كندا حتى غابت شمس الرابع والعشرين من يناير 2020م، وأشرقت شمس اليوم الثاني بأشعتها الحمراء، معلنةً تسجيل أول حالة من الجائحة العالمية المعروفة بمرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، ومنذُ ذلك الإعلان حتى انقلبت الأحوال في هذا البلد الهادئ رأساً على عقب، تبدلت الأولويات، وتراجعت الاحتياجات الأساسية حتى بات البحث عن السلامة الذاتية أول أولويات المواطن الكندي.

لكن رغم الضجيج الدولي من هذا الوباء، إلا أن التحرك الحكومي لمواجهة الجائحة لم يكن بحجم خطورة الوباء الذي أخذ يتفشى في المدن والمقاطعات الكندية، ليُمسي الكنديون يوم الثالث من مايو 2020م على وقع كارثةٍ حقيقة تمثلت في تسجيل أعلى رقم من الوفيات في يومٍ واحد وبعدد 2760 شخص.

قرارات وتصريحات

منذ تفشي الوباء على الأراضي الكندية، أخذت وتيرة التصريحات والقرارات الحكومية والشعبية ترتفع كلما زادت أعداد الوفيات، فقد أصدرت الحكومة الكندية قراراً في بداية تفشي الوباء يُلزم جميع المسافرين عبر الخطوط الجوية الكندية ارتداء كمامات تغطي الأنف والفم، في المطارات وعلى متن الطائرات في عموم البلاد.

وبهدف الحفاظ على أكبر عدد ممكن من مواطنيها وتجنيبُ انتقال العدوى إليهم بفعل وباءٍ ينتشرُ في الناس كالنارِ في الهشيم، أعلنت الحكومة الكندية في الرابع والعشرين من شهر إبريل الماضي وصول دفعةٍ من الأقنعة الواقية من الصين، سرعان ما أكدت أن نحو مليون قناع "كي. إن. 95" صينية الصنع غير مطابقة لمعاييرها، ورفضت توزيعها على العاملين في القطاعات الصحية التي باتت في الصف الأول لمواجهة هذا الوباء.

عددٌ من المراقبين أكد بأن الأقنعة الصينية التي وصلت إلى كندا، كانت ضمن مشهد من صور توتر العلاقة بين البلدين منذ أن تم في ديسمبر/كانون الأول 2018 اعتقال مينغ وانتشو المديرة المالية لشركة الاتصالات الصينية العملاقة (هواوي) في فانكوفر بناء على طلب الولايات المتحدة.

لم تكن الجهود الحكومية هي وحدها التي قررت المشاركة في معركة القضاء على عدوٍ غير مرئي بالعين المجردة، بل انخرطت قطاعاتٌ شعبية في هذه المواجهة، تصدرها الجاليات العربية التي تعيش على الأراضي الكندية.

فبمجرد حلول شهر رمضان المبارك على مسلمي كندا وبقاع أخرى من العالم بشكل مختلف عن الأعوام السابقة بسبب جائحة كورونا التي فرضت العزل والتباعد الاجتماعي، رغم ما يتميزُ به هذا الشهر الفضيل من تقارب وزيارات اجتماعية وصلاة التراويح في بلاد المهجر، غير أنّ كلّ هذه المخططات أصبحت في عداد ذكريات الماضي، خاصةً بعدما قرّرت سلطات الصحة الكندية منع التجمّعات مهما كان عدد المشاركين فيها قليلاً.

وحرْصًا منها وللمشاركة في جهود مكافحة الوباء واستجابةً للتعليمات الحكومية، بالتباعد وعدم التجمهر والاختلاط والتجمع خلال شهر رمضان، أطلقت الشابة مروة خنافر حملة على موقع فيسبوك تحمل عنوان "رمضان أنت ضيفي الوحيد".

الشابة العربية العشرينية قالت في تصريحات صحفية تعليقاً على هذه الحملة: "نُطبّق العزل والتباعد الاجتماعي بسبب فيروس كورونا منذ ما يقرب من شهر. ومع اقتراب شهر رمضان أصبحنا نخشى أن يكون هناك تراخي في تطبيق تعليمات سلطات الصحة العامة. خاصة وأنّنا ننتظر هذا الشهر للاستغفار والتقرّب من الله بالذهاب إلى المساجد والالتقاء بالأقارب".

"خنافر" تلك الشابة لبنانية الأصل قامت بتسجيل فيديو "تطوّعي" مع مجموعة من أصدقائها طوله حوالي تسعين ثانية، أرادت من خلاله أن تقول للمواطنين الكنديين: "سنصوم هذا العام بطريقة مختلفة بسبب كورونا. ويجب علينا القيام بكلّ شيء من البيت"، وهو فيديو وجدَ طريقه إلى قلوب الكنديين، خاصة وأنه يتحدثُ بخمس لغات "الفرنسية والعربية والإنجليزية والأردية ولغة الإشارة" هي اللغاتُ التي ينطقها ويتعامل بها المسلمون في كندا. 

ورغم أن الفيديو الذي سجلته ونشرته "مروة" لبنانية المنشأ قصير ومتواضع، إلا أنه انتشر انتشاراً واسعاً بين النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي في كلّ أنحاء كندا.

صيفٌ ساخن يلوح بالأفق

كندا التي تميلُ أجوائها إلى البرودة غالبية شهور العام، تنتظر شهر يونيو وشهرين آخرين للاستمتاع فيها بدفء الأجواء مقارنةً بباقي العام، يبدو في هذا العام أنها تتجهُ إلى صيفٍ لاهب بلهيب كورونا، سيمنعُ الناس من مغادرة بيوتهم وممارسة حياتهم الطبيعية، فالجاليات العربية والمسلمة التي تعيش في هذه الفترة من العام أجواء شهر رمضان المبارك وأعياد الفطر والأضحى، يبدو بأنها ستكون أول المتأثرين بوباءٍ يتمدد بين الأحياء ولا يزال.

سخونة الصيف عززها تصريحات للحكومة الكندية في وقتٍ سابق حذرت من خلالها من تفشي الوباء وتداعياته التي سيجني آثارها العالم والكنديون كذلك حتى أكثر من عامٍ ونصف العام.

تصريحات الحكومة جاءت على لسان رئيس وزرائها، جاستن ترودو، حيث حذر من أن الموجة الأولى من تفشي فيروس كورونا في البلاد لن تنتهي حتى الصيف، ولن تعود كندا إلى الوضع الطبيعي حتى يتم التوصل إلى لقاح، وهو الأمر الذي قد يستغرق "نظرياً"، عاما ونصف العام.

ترودو وجه في تصريحاته الإعلامية حديثه بشكلٍ أكثر تركيزاً لمواطني بلاده، كونهم أكثر من يمكن لجهودهم النجاح في مواجهة الوباء، مضيفاً: "هذا هو الوضع الطبيعي الجديد، إلى أن يتم تطوير لقاح وسيستغرق الأمر شهوراً من الجهد المستمر والحازم. سنحتاج إلى الاستمرار في ممارسة التباعد الاجتماعي، والبقاء في المنزل... من المهم أن يفهم الناس أنه سيكون علينا أن نكون يقظين لمدة عام أو عام ونصف العام. ستكون هناك أشياء لا نستطيع القيام بها".

ولم يستبعد رئيس الوزراء الكندي وصول موجةٍ جديدة من الوباء إلى بلاده، موضحاً أنه من "المحتمل أن يتعرض البلد لموجة وباء جديدة، لكن سيكون من الأسهل إدارتها، حيث ستكون كندا مستعدة بشكل أفضل، وقبل كل شيء أفضل تجهيزاً للتعامل معها. وهذا سيسمح باستئناف الكثير من الأنشطة".

وأصابت تصريحات مديرة هيئة الصحة العامة الكندية تيريزا تام في وقت سابق المخاوف لدى الكنديين، خاصة حينما قالت لوسائل الإعلام: "لا يمكننا إنقاذ الجميع، ولكن يتعين علينا إنقاذ حياة كل انسان عندما نستطيع ذلك"، قبل أن تستدركَ بقولها "إنَّ هذه التوقّعات ليست بلّورات سحرية ولا يمكننا التنبؤ عبرها بالمستقبل، لكنها تساعدنا على التخطيط وتقول لنا إن إجراءاتنا الجماعية يمكن أن يكون لها تأثير مباشر وكبير على مسار الوباء".

مع استمرار تسجيل الوفيات والإصابات في كندا أو البلدان المجاورة بفعل وباءٍ لم يُكتشف حتى الآن علاجاً أو مصلاً للقضاء عليه ومحاصرته، يبقى الإنسانُ في حالةِ صراعٍ مع عدوٍ لا يُشاهدُ بالعين المجرد، فقط يقوم بتنفيذ هجماته صوب تجمعات البشر، فيحصد أرواحاً جديدة منه، ويتربص بالآخرين كلما قرروا الخروج من البيت لقضاء حاجاتهم اليومية.

أما الأعيادُ والمناسبات، فيبدو أن البشر باتوا أمام تحدٍ في ابتكارِ أساليبٍ جديدة لممارستها بدلاً من أساليب قديمة باتت في حكم التقليدية والقديمة، وكل هذه التحركات أو عدمها إنما هي مرتبطة بابتكارِ لقاحٍ يقضي على وباءٍ أصاب البشرية بخسائر فادحة في الأرواح والاقتصاد بشكل عام، لن يتم اكتشاف كلا تفاصيلها في الوقت الراهن. 

 

توفيق السعدو .