آخر الأخبار

مشاهــد مــن زمن الكـــورونا..

عندما تناهت إلى مسامعنا أخبار الوباء الفتاك في أوئل العام، معظمنا اهتم بالخبر إهتماماً لحظياً ، ثم انشغلنا بحياتنا وروتيننا اليومي، وعندما اقترب الفايروس من محيطنا وأصبحنا نسمع عن حالات في مدننا بدأنا نشعر بالخطروترتفع حدة التوتر لدينا بسبب مئات التساؤلات التي تتبادر إلى أذهاننا،ولا نجد لها إجابة..
من الطبيعي في ظل الإحصائيات التي تتبدل على مدار الساعة لتنبئنا بالمزيد من الإصابات أن نقلق كبشر وأن نتوقع أن نصاب في أي لحظة بالفايروس وأن نتوقع الموت من الإصابة، هذا الخوف فطري ومشروع وهو ضمن مجموعة مخاوف وجودية أساسية تنتاب البشر..لكن من غير الطبيعي أن نأسر أنفسنا داخل دائرة خوفنا في انتظارالإصابة..علينان نستثمر طاقة الإحساس بالخوف والقلق ونحولها إلى طاقة إيجابية وأن نتعامل مع المستجدات بتفاؤل، خاصة وأن التوتر عامل أساسي في إضعاف مناعة أجسامنا وبالتالي تصبح بيئة مناسبة لغزو الفايروس وعدم مقاومته، لهذا توجب علينا أن نخرج من دائرة القلق ونقوم بروتين حياتنا اليومي كما كنا قبل الوباء، لنقم بدورنا الإنساني ونقدم ما يمكن تقديمه لمن يحتاج إلى مساعدة، لنقم بدورنا الوطني ونلتزم بالقوانين التي يضعها صناع القرار من أجل سلامة الجميع، لنرتقي بأخلاقنا ونتجاوز خلافاتنا، علينا أن نكون على قدر التحدي فنحن كبشر مستأمنين على أرواحنا لأن كل الأديان والشرائع السماوية تحثنا على الحفاظ على الروح البشرية.
عادة في الأزمات تسجل أعيننا وذاكرتنا الكثير من المشاهد، وهنا أود أن أشارككم بعض المشاهد التي رصدتها جراء  جائحة الكورونا على المستوى المحلي والعام، ففي مثل هذه الأزمات تتلاشى الحدود وتتوحد المخاوف ويجمعنا القلق والأمل في آن واحد..
في بدايات الأزمة كثيرمن البشر تصرفوا بلامبالاة ولم يمتثلوا لنداءات السلامة والحذر حتى تفشى الوباء وفقدت بعض الدول السيطرة عليه، وكانت النتيجة ضياع أرواح وتوقف كامل للحياة  في بعض المدن.
هناك من تعاملوا مع الأزمة بجدية والتزموا بالتعليمات من منطلق ديني وأخلاقي ووطني، فالحكومات لا تستطيع أن تتجاوز الأزمات مالم يتحد معها المواطنين في مواجهتها، المطلوب ليس صعباً، فقط الالتزام بالتباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل.
وهناك من لم يفكروا إلا بتأمين أنفسهم واحتياجاتهم المادية من مواد تموينية ومستلزمات أخرى فركضوا إلى المحال التجارية ليحصدوا ما يمكن حصده من مواد يفوق حاجتهم الحقيقية..هذا التدافع من أجل تكديس المواد الغذائية أصاب الأخرين  بالذعر وجعلهم يتدافعون من أجل تأمين أنفسهم رغم عدم اقتناعهم بفكرة تخزين المواد التموينية، هذا أدى إلى اختفاء سلع كثيرة من على أرفف المحال التجارية وأيضاً ارتفاع الأسعار بطريقة جنونية في بعض البلدان كما سمعت من معارفي في أكثر من دولة، مما أثر على محدودي الدخل الذين لم يستطيعوا الحصول على ما يحتاجونه لضعفقدرتهم الشرائية بسبب ضعف مواردهم المالية، بالنسبة لنا هنا في كندا حصلت في البداية حالة من الهوس الشرائي ما لبثت أن هدأت وعادت الأسواق إلى طبيعتها.
لاحظت أيضاً تأفف البعض من فكرة التباعد الاجتماعي والبقاء والعمل من المنزل،  بالتأكيد هؤلاء لم يفكروا بالأخرين ممن تجبرهم طبيعة أعمالهم على البقاء في أشغالهم مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابةبالفايروس مثل الطواقم الطبية من دكاترة وممرضين وفنيين، والعاملين في المرافق العامة الضرورية والمطاعم، أعتقد لو فكروا بهؤلاء لحظة سيجدون بأنهم في نعيم. 
ما لفت نظري أيضاً هو التدفق الهائل للمعلومات من خلال كافة وسائط الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مما أدى إلى وضعنا في حالة من التخبط والإرهاق الدماغي نتيجة للتشويش المعلوماتي، كثيرون جندوا أنفسهم لإعادة تدوير المعلومات التي تصلهم كمساهمة منهم في نشر المعلومة والتوعية ولكن دون التأكد من مصادرهذه المعلومات.. وهنا أنصح نفسي والجميع بأن نستقي معلوماتنا من المصادر التي نثق بها خاصة المصادر المحلية الرسمية التي تعنى بالتوعية الصحية، حتى نكون على دراية بما يحدث بالمجتمع الذي نعيش فيه، هذا لا يعني أن لا نهتم بما يدور حولنا في العالم لأننا جزء من المنظومة البشرية العالمية.
لكل أزمة جانب مضيئ وأخرمعتم،ولهذا سأختتم مقالي بالمشاهد المضيئة في مجتمعنا الكندي.
حقيقة أجد بأن الكوارث توحد البشر وتكشف الجوانب الإنسانية الكامنة فيهم، فعلى مستوى الأفراد لاحظتالتزامهم باتباع معايير السلامة كالتعقيم، والحفاظ على المسافة الآمنة المحددة بستة أقدام بين بعضهم البعض، وتأجيل المناسبات كحفلات الزواج والمناسبات الاجتماعية، وتقيد الكثيرين بالبقاء بالمنزل تنفيذاً لقرارالعزل المنزلي..بالإضافة إلى تطوع العديد من الشباب لتقديم خدماتهم للمسنين في محيطهم كالتسوق لهم وإحضار أدويتهم حتى باب البيت، بعضهم أعلن على مواقع التواصل الاجتماعي عن استعداده لتقاسم بعض ما تم شراؤه من مواد تموينية ومستلزمات أخرى مع جيرانه من سكان نفس المنطقة..هذه المشاهد الإيجابية بلا شك مبهجة وتجعلنا نرى التكافل في أجمل صوره.
أما على المستوى الخدماتي، فلم نلحظ أي توقف لأي من الخدمات المقدمة من الدولة ، كل شيئ يسير كالمعتاد، فالدولة الكندية حرصت من البداية على تحقيق فكرة التباعد الاجتماعي ولذلك نجد الكثير من موظفي الدولة يقومون بأعمالهم من منازلهم.
على مستوى توفير الاحتياجات ، لاحظت بأن كل شيئ متوفر، ورغم الطلب المتزايد على البضائع إلا أن الأسعار ظلت ثابتة ولم ترتفع سنتاً واحداً، وهذا بلا شك يرجع إلى وجود رقابة حكومية ومؤسساتية لحماية المستهلك وحفظ أمنه الغذائي.
أيضاً أسعدتني مبادرة بعض المتاجر لتخصيص ساعة مبكرة لكبار السن فقط ممن يرغبون في التسوق وذلك لتقليص فرصة إصابتهم بالفايروس نتيجة للاختلاط..هذا الاهتمام بكبار السن أعتبره من أجمل المشاهد الإنسانية .
 أما على المستوى الرسمي والمعلوماتي وهذا جانب مهم جداً في حالة الأزمات، رأينا حرص المسؤولين على التواصل مع المواطنين لطمأنتهم ومشاركتهم بكل القرارت التي اتخذوها لإدارة الأزمة ، وقد رأينا رئيس الوزراء السيد جوستن ترودو الذي حرص على الظهور منذ اليوم الأول ليعلن فيه عن إصابة زوجته بالفايروس ويحرص هو وكافة المسؤولين المعنيين على إخبار الكنديين بكافة المستجدات وبكل شفافية، وهذا له مردود إيجابي على الرأي العام ففي وضوح المعلومة لا تظهر الشائعات ولا يشعر البشر بالتخبط.
وأخيراً..اختتم بالجانب الأسري وتأثير هذه الأزمة عليه..أرى ان الموضوع له شقين، فكبار السن أصبحوا في حالة عزلة لعدم مخالطتهم لأحد حتى أبنائهم وهذا بلا شك أمراً قاسياً، أما الأسر الشابة بلا شك فهم مستمتعون بتجمع الأسرة ووجود الأبوين مع أبنائهم لأوقات طويلة، هذا بلا شك سيشعر الأطفال بالأمان، بالتأكيد هذا سيضع عبئاً ومجهوداً أكبر على الأهالي، لأنهم محتاجون إلى ابتكار وسائل لتسلية أبنائهم واستثمار طاقاتهم في تعلم مهارات جديدة.
شخصياً أرى أن هذه المحنة قد فتحت أعيننا على أشياء كثيرة، أهمها أن المرض لا يفرق بين غني وفقير، وأن الصحة هي الشيئ الأكثر قيمة ويجب الحفاظ عليها، أيضاً لاحظنا بأن المحن توحد البشر بغض النظرعن اختلافاتهم ، كلنا يصلي بطريقته من أجل البشرية ، كلنا يدعوا الخالق بأن يرحم البشر ويعفوا عنهم ..في المحن تظهرحقائق فاليوم رأينا النخب الحقيقية في المجتمع وهي التي تقف على الخطوط الأولى لمحاربة الأمراض كالكوادرالطبية والعلماء الذين يوصلون الليل بالنهاركي ينقذوا البشرية، اليوم رأينا بأن فيروس متناهي في الصغر أقوى من كل ألات الحرب وإننا مهما وصلنا بالتطور في التكنولوجيا نبقى عاجزين عن مواجهة  الموت بكل صوره..وحدها الثقة بالله القادرة على منحنا حالة من السكينة والتقبل وتجاوز هذه الظروف الاستثنائية بسلام.
هذا الفايروس الذي جاب العالم ولم يستثني أحداًلن يغرب قبل أن يضع لمساته ..سيعيد تهذيب سلوكيات البشر، سيعيد ترتيب أولويات الدول، سيغير المنظومة البشرية بالمجمل..لذلك أقول: ما بعد زمن كورنا لن يكون كما قبله..
سلم الله الجميع..

سلوى حماد