آخر الأخبار

في ظل أزمة كورونا يصبح التكافل الاجتماعي واجب وطني وإنساني نبيل

 بداية أود أن أهنئ أبناء الجالية العربية والإسلامية بحلول شهر رمضان المبارك، سائلاً المولى عز وجل أن يعيده علينا جميعاً وعلى بلدنا العظيم كندا وسائر بلاد المسلمين بالخير واليمن والبركات، وأن يحمي البشرية جمعاء من هذا الوباء الذي لا زال يهدد إستقرارنا وصحتنا.

 وفي ظل التحديات التي فرضتها جائحة فيروس كورونا  COVID -19وما  صاحب ذلك من أخبار مؤسفة حول تزايد الأعداد المصابة بهذا الداء ، أود القول بأن رئيس الوزراء الكندي إستطاع مع فريقه أن يدير المعركة مع هذا الوباء بطريقة مذهلة أدت إلى تماسك الجبهة الداخلية الكندية على المستوى الفيدرالي بالرغم من إنتشار الأخبار المرعبة بخصوص تفشي الوباء وارتفاع عدد حالات الوفيات والمصابين في معظم بلدان العالم.

رئيس الوزراء جاستن ترودو ومن خلال مؤتمراته الصحفية المتواصلة من حديقة منزله نظراً لخضوعه للعزل الذاتي، وبصفة شبه يومية استطاع أن يدعم المواطن الكندي معنوياً وأن يطلعه على كل المستجدات أولاً بأول، كما انه دعى كل الكنديين للتكاتف والتكافل في هذه الأوقات العصيبة، والعمل على مساندة المواطنين لبعضهم البعض خاصة فيما يتعلق بتلبية الإحتياجات التي تلزمهم، كما قدم لهم النصائح والتعليمات بضرورة  الإلتزام بالمكوث في بيوتهم وتطبيق قانون التباعد الاجتماعي في كل الأماكن.

 هذا الأداء المتميز والشفاف أمر يستحق بلا شك الثناء والاحترام والتقدير ، بغض النظر عن أن الإجراءات الحكومية التي من المفترض أنها ستساهم في تخفيف آثار هذا الوباء عن كل المواطنين بمختلف شرائحهم وتعزز صمودهم في مواجهته لا زالت تحتاج إلى المزيد من الإجراءات حتى تكون عادلة خاصة أن جميع شرائح المجتمع بلا إستثناء باتت متضررة من إستمرار هذا الوضع بصورة أو أخرى.

كما سجل كل رؤساء وزراء المقاطعات الكندية بلا إستثناء عملاً رائعاً ومتميزاً ، واخص بالذكر هنا رئيس وزراء أونتاريو دوغ فورد الذي لا زال يُبدي مواقفاً إبداعية رائعة من خلال متابعته الحثيثة للأزمة وتقديمه النصائح المستمرة للمواطنين في أونتاريو ، وحرصه على مصارحتهم بالأعداد المصابة والمتوقع إصابتها نتيجة لسرعة انتشار هذا الفيروس، داعياً المواطنين للإلتزام بالتعليمات الصادرة عن هيئة الصحة العامة ومؤكداً على أن قمة أولوياته هي حياة الإنسان .

 كما أنه سجل بصمة رائعة ترسخ التماسك الوطني حينما أعرب عن أنه قد نبدو بحاجة عندما يتعلق الأمر بشأن المواطنين ولكن الكنديين عمالقة عندما يتلعق الأمر بالصناعة ولديهم من الخبراء والمبدعين ما يمكنهم من تجاوز المحن، وكأنه يؤكد على طمأنة الكنديين بأن كندا بخير مهما واجهت ظروفاً قاسية وغير متوقعة وستتمكن من تجاوزها حتى تبقى كندا قوية ويبقى الكنديون بخير وأقوياء.

من هنا لابد من التطرق لمعرفة المفهوم الحديث للتكافل الاجتماعي، حيث يُقصد به اجتماع أفراد المجتمع على المصالح المشتركة فيما بينهم أمام التحديات التي تواجههم، وأن يكونوا يداً واحدة ضد المعوقات الفردية والجماعية التي تقف في طريقهم، ويتّحدوا على دفع الضرر والمفسدة عن مجتمعهم، والتكافل يأتي في عدة صور منها مساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف والمبادرة من أجل حماية الضعيف، وتكريم من يستحق التقدير، والنظر إلى كل من لديه حاجة بإيجابية وبمشاعر طيبة ونبيلة تسد حاجته دون تجريح.

 ومن أهم آثار التكافل الاجتماعي أنها تصون نفس الفرد وتجعله يشعر بالراحة والطمأنينة والحب، كما تزداد ثقته بنفسه لأنه يجد التقدير والدعم من الآخرين مما تعزز لديه روح الانتماء، والذي يدفعه بدوره إلى التقدير الذاتي وعدم الانزواء، بل للمبادرة والإبداع في مساعدة الآخرين، مما ينعكس إيجاباً على المجتمع بالكامل، فيصبح أكثر لُحْمةً وتماسكاً واستقراراً وقوةً ولديه قدرة أكبر على مواجهة كل الأزمات، ويسهم في زوال الضرر مهما بلغت التحديات،  وبالتالي ينعكس على زيادة القدرة الإنتاجية الفردية والجماعية، ويعزز المواهب وينميها في المجتمع ويفجر الطاقات الإبداعية ويوجهها بالاتجاه السليم.

كما أن هناك عدة صورة للتكافل الاجتماعي، فهناك الجانب المادي كمساعدة المحتاج ، والوقوف إلى جانب من تعرض لمصاب مادي أو إنساني، وهناك الجانب المعنوي  من خلال تحفيز أفراد المجتمع لبعضهم البعض وبث الروح الإيجابية،  وتقديم الدعم النفسي لكبار السن على سبيل المثال وهذا ما نراه اليوم في ظل محنة إنتشار فيروس كورونا، إذ يقف المواطنين الكنديين صفاً واحداً لمواجهة هذا الفيروس القاتل، حيث نرى الالتزام في المنازل حرصاً على أرواح بعضهم البعض، ونرى المتطوعين من أبناء جاليتنا العربية والإسلامية الذين يقدمون خبراتهم ويبذلون كل ما يستطيعون فعله جنباً إلى جنب كل مكونات المجتمع الكندي من أجل تجاوز هذه المحنة.

كما أننا نرى الكوادر الطبية التي ترفع لها القبعات وهي تعمل على مدار الساعة من أجل الحد من انتشار الحالات المصابة ومعالجة المصابين، ونرى المحال التجارية التي غيرت طريقة التسوق من أجل تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي، هذه الصور المشرفة ترسخ مبدأ التكافل الاجتماعي وتُشعر المواطنين بالارتياح والاطمئنان في ظل التوتر النفسي الذي سيطر علينا جميعاً في هذه الأثناء.

ولأننا في مجتمع متعدد الثقافات فقد ساهم هذا التنوع في تعدد الخبرات مما يساهم في تدعيم مقدرة المجتمع ككل وجعله أكثر قدرة على مواجهة المشكلات الاجتماعية والإنسانية بأقل التكاليف والأضرار.

 كما يمكن للتكافل الاجتماعي أن يكون على هيئة توزيع المسؤوليات على أفراد المجتمع، وخاصة فيما يتعلق بأصحاب القرار في المجتمعات وذوي الرأي فيه، فهؤلاء تقع على عاتقهم مسؤولية حماية المجتمع والمساهمة في حل مشاكله جنباً إلى جنب مع الدوائر الرسمية وإلتزاماً بتوجيهاتها، فمنهم يجب أن تبدأ مبادرات التكافل الاجتماعي، والتي من المفترض أنها تبحث في أسباب المشكلات المعقدة في المجتمعات وتحاول حلها وتخطيها، لينعم أفراد المجتمع في النهاية بالراحة والأمان مهما بلغت درجة التحديات وقسوتها.

من هنا ومن هذا المنبر ، نؤكد على ضرورة خلق المبادرات الإنسانية التي تضمن ترسيخ مبدأ التكافل الإجتماعي الحقيقي الذي سيأخذ المجتمع لحالة الإلتزام والإطمئنان، وأن نكون على يقين بأن الأزمة التي تواجهنا اليوم جميعاً ستمر إن تكاتفت أيدينا، وقدرنا وإحترمنا وإلتزمنا يما يصدر عن الجهات الرسمية التي لا ينام القائمين عليها من أجل متابعة كل ما يمكنه المحافظة على سلامتنا، وبالتالي يتوجب علينا كمواطنين أن نكون عند حسن الظن في تكافلنا وفي سلوكنا وفي أدائنا وأن نلتزم بيوتنا حتى نكون مطمئنين بأن الأزمة ستمر وبأننا سنخرج منها أقوى ، وبأن سلامتنا وسلامة أبنائنا وسلامة بلدنا يجب أن تكون في قمة أولوياتنا، مع أمنياتنا للجميع بالسلامة ومعاً وسوياً نتكافل ونتكاتف من أجل بلدٍ معافى وقوي حتى نكون نحن به أقوياء ومعه على الدوام نتمتع بالصحة والعافية والطمأنينة.