آخر الأخبار

من المسؤول؟

في الحقيقة تسعدني ملاحظات قرائي الكرام وأسعد بأفكارهم دائماً ولكنني للأسف الشديد لا أستطيع أن ألبي كل رغباتهم لكي أكتب في كل المجالات التي يرغبون بالتطرق إليها، ولكن بالتأكيد سآخذ ذلك بعين الإعتبار وسأعمل جاهداً على التطرق لبعض المواضيع والأفكار التي يطرحونها سواء كان ذلك على المستوى الاجتماعي أو المستوى السياسي،  بين الحين والآخر وذلك قدر الإمكان.
هنا أود أن أبدأ فكرة موضوع مقالتي هذه من خلال التطرق لبعض المشاكل المجتمعية ، حيث أنه في شهر فبراير المنصرم اضطلعت على عدة قصص تحمل في طياتها مشاكل كبيرة لأسر من أبناء الجالية العربية، وحقيقة بعد السؤال والاستفسار وجدت أنه من السهل جداً حدوث مثل هذه المشاكل لأي فرد منا في ظل الغزو الفكري الذي يتعرض له القادمون الجدد بالتحديد، وذلك من خلال التشويش الذي يحصل لهم من قِبل من سبقوهم من بعض الفشلة وراغبي السيطرة على الآخر. 
في تقديري انه بالإمكان تجاوز مثل هذه المشكلات فيما لو ترك الإنسان مشاكله المجتمعية الموروثة ورائه،  وبدأ بالتركيز في حياته الجديدة مقتسماً همومها  مع شركاء حياته ضمن ما تتطلبه المسؤولية على كل فرد منهم في المغترب.
لكن للأسف الشديد وجدت أن الامور غالباً ما تفلت من أيدي كل الأطراف وتؤول لحكم أطراف غير متفهمة لطبيعة الثقافة التي يحملها هؤلاء ، مما يزيد الأمور تعقيداً، وبالتالي يؤدي ذلك إلى تفكك أُسري ومجتمعي ، وبالتالي وجت أنه المفيد الإشارة إلى أن هذا النوع من المشاكل يتطلب دراسة عميقة والبحث في كيفية تحمل المسؤولية من قِبل الأطراف التي تحظى بمكانة قيادية في المجتمع.
هذا يقودنا بلا شك لإلقاء نظرة على ما يمكن أن تؤول إليه مثل هذه المشاكل من تفكك وضياع  لأفراد الأسرة أو السقوط في مستنقع عالم المخدرات والجريمة.
حيث أنه بلا شك أن الضغوط النفسية التي يتعرض لها الفرد جراء هذه المشاكل الأسرية لها تأثير سلبي ينعكس على حياته بالمجمل، وعادة ما يكون التأثير على وضعه الاقتصادي الذي يؤدي إلى تشرده وضياعه في ظل غياب للدعم والتوجيه المعنوي، وقد يكون الفرد محظوظاً ويجد الدعم والتوجيه المناسب، وهنا يكون التأثير السلبي مؤقتاً، ولكن بالمقابل قد يكون التأثير دائم وفي هذه الحالة ستكون النتيجة كارثية من الممكن أن تؤدي إلى الانحراف في قضايا خطيرة.
وقد وجدت أن التقصير أو عدم الإكتراث من قٍبل المؤسسات المجتمعية والدينية للخوض في تفاصيل مثل هذه المشاكل بشكل صحيح، كبناء وخلق برامج تثقيفية إستباقية ضمن إستراتيجية عملية وتكاملية بين افراد المجتمع لإحتواء اي أثار سلبية قد تترتب على مثل هذه المشاكل بعد حدوثها عوضاَ عن الإستفراد بالضحية وتغذية فكرها بما هو منطقي وغير منطقي، المطلوب الكثير من الجهد والاهتمام للخروج بآليات واقعية قابلة للتنفيذ بعيداً عن  ضغوطات الثقافة والعقيدة. 
حتى الآن لم نجد من يتبنى فكرة البحث في أسباب هذه المشاكل الأسرية التي ينتج عنها تفكك مجتمعي بشكل جوهري وجريئ، وبالتالي يبقى السؤال المهم ومطروحاً وهو أليس للمؤسسات الاجتماعية والدينية دور في إرشاد وتوجيه الأفراد بما يتناسب مع تحديات المهجر الحقيقية؟! ، أليس من المفروض أن تعنى هذه المؤسسات بشؤون أبناء الجاليات التي تمثلها بالشكل الصحيح والإيجابي والبناء وليس من خلال محاولات الترضية ومحاكاة الثقافات الأخرى بطرق سلبية على حساب الثقافة الأم؟!.
إذاً لابد من توافر الرغبة والإرادة الحقيقية لوضع آليات عملية وجوهرية لمواجهة مثل هذه المشاكل وعمل خطط احترازية لمنعها قبل حدوثها، ولكن من الواضح أن القائمين على مثل هذه الجمعيات والمؤسسات يتناسون الأمانة وما يُوكل إليهم من مهام إنسانية ومسؤوليات مجتمعية، ويهتمون بالتركيز على المكتسبات الشخصية والاستعراض وإيهام الآخرين بأنهم قادرين على حل مشاكلهم رغم انهم لا يملكون القدرة ولا الخبرة لفعل ذلك، والنتيجة هي للأسف ازدياد المشاكل وتفاقمها وتعطل جزء من المجتمع عن الإبداع والعطاء نتيجة لذلك.
وهنا أجد أن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد في الجالية لمراجعة مهام هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم كمسؤولين عن أبناء الجالية، وعلينا أيضاً يأن نبحث عن خلفياتهم وثقافاتهم وسلوكياتهم قبل أن نأمنهم على أنفسنا وعلى أسرارنا الحياتية الخاصة، كما علينا أن نتأكد من مقدرتهم على مشاركتنا همومنا والتحديات التي نواجهها والعمل على مساعدتنا في حلها والوقوف إلى جانبنا بشكل جدي وليس تجميلي.
حيث أنه للأسف كثيرون ممن يمثلون الجالية تعاملوا مع أبناء الجالية بفوقية وبطريقة مستفزة وغير أمينة وذلك ضمن الفكر الفئوي والجغرافي الذي يؤدي إلى مآلات فكرية منغلقة على نفسها وتعمل على تجيير الخدمات في إطار فكرها المنحصر في سياق ما يحقق مصالحها الفردية والفئوية، متناسين أن افراد الجالية مجتمعين قادرين على إحداث دور في المجتمع وتأثير في القرار وهذه هو الأهم لكل أبناء الجالية والإرتقاء بها ورفعتها. 
نعم ، لازال هؤلاء غير قادرين على فهم متطلبات العمل المؤسساتي الذي يتطلب بأن يتحرر القائمين عليه من المزاج الفردي والإسلوب الديكتاتوري الخبيث، بحيث يربطون الخدمات بنوعية العلاقات بينهم وبين أفراد المجتمع ، فإن أحبك كشخص فتح أمامك الأبواب وزاد كرم العطاء، وإن لم يحبك حرمك، بعيداً عن أسس الأمانة وما تفرضة المكانة والمسؤولية، وأتساءل هنا، إلى متى ستنحصر مسؤليات هؤلاء في إطار مصالحهم الشخصية ومصالح دائرة معارفهم؟!، حيث أنهم أثبتوا عدم قدرتهم على حل مشاكل أبناء الجالية أو توسيع مساحة التواصل والإرتقاء الفكري والعملي، بل وساهموا في التضييق على البعض وفتح المجال للبعض ضمن ما تقتضيه المصالح الفردية وليس المجتمعية وللأسف بناءً على أجندات خفية وغير معلنة.
حقاً، لا أدري كيف لمجتمع تجمعه قيم أخلاقية وثقافية ولغوية واحدة أن ينقسم على نفسه وتتحكم به أهواء مُسيرة وأفكار مختلة وسلوكيات مشوشة وأوهام فارغة في أطر افكار مبعثرة وغير قابلة للإنطلاق في مساحات التحديث والتطور والإبداع.
إن المسؤولية أمانة ، والشراكة البناءة قوة، والقيادة تكليف وليس تشريف وتحتاج إلى كفاءة وشفافية، وإن الكفاءة لا تأتي بالتزكية بل بالعمل الصادق والمخلص والشفاف، والسؤال هنا، هل من يمثلوننا يملكون هذه الصفات؟!، يا ترى من المسؤول عن تصدر هؤلاء المشهد وهم لا يملكون مقومات القيادة الحقيقية؟، لا بل من المسؤول عن هذا المشهد العبثي الذي نراه، وللأمانة أجد بأننا كلنا مسؤولين لأننا غير قادرين على بلورة موقف شجاع يجعلنا نشير للأخطاء ونحاسب المخطئ، لقد سلمنا زمام أمرنا لمن لا يمتلكون من شأنهم شيئ.
إذاً ، لنعترف بسلبياتنا التي كانت سبباً في ضياع فرصتنا لإثبات أنفسنا كجالية بسبب عدم قدرة من يتحدثون بإسمنا على تمثيلنا التمثيل الصحيح لنصبح في نهاية المطاف عدد غير فاعل وليس لنا تأثير حقيقي على الأرض، وحتى نكون ذلك الرقم المؤثر، نحتاج لقيادات حكيمة ومؤهلة، تضع أحلام أبناء الجالية وطموحاتهم وتطلعاتهم ومطالحهم نصب عينيها وتصيغها على هيئة أهداف وتسعى من أجل تحقيقها في عمل جماعي متكامل ومتوافق ، ويكون الهدف الأسمى هو التناغم مع هذا المجتمع والعمل يداً بيد مع كل شركائنا فيه على الارتقاء به والحفاظ على أمنه وسلامة أفراده والخروج من شرنقة التعصب الإثني.
لنكن كلنا مسؤولين عن تحسين صورة جاليتنا، ولنعمل معاً بروح الفريق.. لقد قطعنا آلاف الأميال لننعم بما تقدمه كندا لمواطنيها من حرية وديمقراطية ومساحة كبيرة من الفكر والإبداع، فلنتحرر من فكرة الراعي والقطيع التي كنا عليها قبل أن نتنفس رائحة الحرية في وطننا الجديد كندا.
لنكن سفراء لهويتنا ونحن سعداء بذلك وشجعان بفخرنا بها وهي التي تمثل هوية من أعظم الهويات الثقافية والإنسانية وتستحق أن نفخر بها لا أن نختبئ وراء أصابع أيدينا أو نقف في وجه من يستطيعون أن يتحدثوا صدقاً بإسمها.