لقاء العدد مع سفير جمهورية السودان لدى كندا طارق أبو صالح

في لقاء العدد الذي أجراه رئيس تحرير صحيفة عرب كندا م. زهير الشاعر مع سعادة سفير جمهورية السودان  لدى كندا طارق حسن أبو صالح، رحب بهذا اللقاء ترحيباً خاصاً وغمرنا بكرمه وحسن استقباله، وقد أجاب على كل أسئلتنا بدون تحفظ وبرحابة صدر وبجرأة وثقة عالية وصراحة كبيرة وبتفاصيل حصرية تنفرد بها صحيفة عرب كندا، كما أنه وفّر لنا  كل وسائل الراحة لإتمام هذا اللقاء الحصري وإنجاحه.

بداية نود أن نشكركم سعادة السفير على إتاحة الفرصة لنا لإجراء هذا اللقاء الهام، كما نرجو من سعادتكم التكرم بتعريف القارئ العربي في كندا  بكم كسفير لجمهورية السودان لدى كندا.
أشكركم شخصياً م. زهير على هذه الزيارة، وأشكر صحيفة عرب كندا  صحيفة كل العرب، وهي صحيفة متميزة ومعروفة على مستوى كندا.. أنا طارق حسن أبو صالح، التحقت بوزارة الخارجية عام 1996م تحديداً يوم 24 إبريل، حيث تخرجت من جامعة الخرطوم عام 1987م كمهندس معماري. عملت في القطاع الخاص حوالي سنتين في مجال التصميم المعماري، ثم التحقت بالهيئة القومية للآثار والمتاحف وعملت كمهندس معماري مختص في الحفاظ على التراث المعماري والحضري.


تلقيت العديد من الدورات التدريبية  المتقدمة وأكملت دراسات عليا في روما بإيطاليا في أكبر المراكز المعنية بالحفاظ على التراث الثقافي وهو المركز الدولي للحفاظ على التراث الثقافي في روما (إيكروم) ICCROM، كذلك تلقيت دورات تدريبية في المركز الإقليمي لصيانة الممتلكات الثقافية في الدول العربية التابع لجامعة الدول العربية، وهذا المركز كان في مقره الرئيسي في بغداد ونتمنى اليوم أن يعود إلى بغداد لما لها من رمزية كبيرة وما تمتلكه من إرث حضاري معروف. أيضاً شاركت في منتديات كثيرة حول الحفاظ على التراث الثقافي والمعماري في جامعة الدول العربية بالقاهرة وغيرها من المؤسسات داخل وخارج السودان.
في الحقيقة أنا سعيد للغاية اليوم كون هذا اللقاء يجيء متزامناً مع الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة ديسمبر المجيدة والذكرى الرابعة والستين لاستقلال السودان في الأول من يناير 1956م، وكذلك مع بداية العام الميلادي الجديد الذي نتمنى أن يكون عاماً للسلام والاستقرار في السودان وأرجاء العالم كافةً.
سعادة السفير ، هل تدرجت في الخارجية في مجال العمل الدبلوماسي حتى وصلت إلى رتبة سفير؟
تدرجت في الخارجية  حيث بدأت كسكرتير ثاني ،وعملت بالكثير من المواقع داخل الوزارة، ثم بدأت عملي بالخارج في الجزائر وهي دولة عريقة ولها إسهامات عظيمة على المستوى العربي والإقليمي، وهذا كان في فترة ولاية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة حيثُ دخلت حينها الجزائر في مرحلة جديدة بعد اقرار قانون الوئام المدني تميزت بالاستقرار وشهدت الكثير من الأنشطة السياسية والاقتصادية وكثير من الملتقيات الدولية والإقليمية مما أتاح لي الفرصة لكسب المزيد من الخبرات في العمل الدبلوماسي.
بالتأكيد هذه الخبرات قد أدت إلى صقل خبراتكم.. متى استلمتم مهامكم كسفير لجمهورية السودان في كندا؟ 
وصلت إلى كندا في19 أبريل 2019م.
كيف وجدتم فرصة العمل كسفير عربي هنا في كندا، وهل واجهتم تحديات حقيقية سواء على المستوى الشخصي أو المستوى المهني؟
كندا بلد شاسع جداً فهي بمثابة قارة كبيرة ولها سواحل كثيرة ممتدة حيثُ يُطلق عليها بلد السواحل الثلاثة ويحرص كل الزعماء والسياسيين الكنديين على ذكر مقولة
 From coast to coast to coast في كل خُطبهم ورسائلهم، لذا فإن كندا تمتلك العديد من الفرص كما أن بها الكثير من التحديات. منذ أن وصلت إلى كندا بدأت أتلمس هذه الفرص، وهي فرص في مختلف المجالات، اقتصادية وثقافية وأكاديمية. وكندا فيها العديد من الجامعات العريقة والتي تصنف من أفضل جامعات العالم، كما أن كندا بلد متقدم جداً في البحث العلمي. هناك فرص اقتصادية وثقافية هائلة وفي مختلف المجالات كالمجال الأكاديمي ونحن نعمل على الاستفادة من الخبرات الكندية في كافة المجالات ونقل التطور التكنولوجي لبلدنا.
هل لمستم أن هناك تعاون وترحيب من قبل الجانب الكندي الرسمي؟
منذ أن وصلت إلى كندا شعرت بالتعاون والترحيب من الجانب الكندي، فوزارة الخارجية بابها مفتوح  في كل الأوقات وتستجيب للقاءات التي نطلبها، كما أنهم ينظمون لقاءات على مستوى الوزراء في Global Affairs Canada أو نوابهم ومساعديهم أو مديري الإدارات المختصة. عموماً الاستجابة الكندية جيدة ولكن لا يخلو الأمر أحياناً من أن يكون هناك بعض التأخير في الاستجابة وهذا أمر طبيعي بسبب الروتين الإداري وتسلسل المسائل بصورة إدارية، ونحن نتفهم ذلك. 
السودان تعرض لأزمات داخلية كثيرة ومنها إنفصال جنوب السودان وبعض الإضطرابات التي حدثت في  دارفور، ثم تغيير النظام السوداني، بلا شك هذا خلق تحديات أمنية. كيف تنظرون للوضع السوداني اليوم خاصة من الناحية السياسية والاقتصادية وفرص الاستثمار هناك؟
السودان كما تعلم انقسم إلى بلدين في 9 يوليو 2011م بناءً على استفتاء تقرير المصير وفقاً لإتفاقية السلام الشامل التي وقعت في 9 يناير 2005م وكان هذا حدثاً  تاريخياً في السودان.
 حقيقة بعد انفصال جنوب السودان تعرض السودان لصدمة اقتصادية كبيرة وذلك بسبب أن آبار البترول التي استثمر فيها السودان الكثير من الأموال قد آلت في النهاية إلى جمهورية جنوب السودان. تقريباً 75% من الآبار النفطية موجودة في جنوب السودان، وبذلك فقدنا أكثر من 70% من الدخل القومي بعد خروج البترول من الصادر. أيضاً، كما تعلم بأنه حدث تغيير كبير في السودان يوم  11 أبريل 2019م حيث سقط نظام الإنقاذ الوطني بعد ثورة شعبية عارمة، وهي من الثورات الفريدة في السودان، ومعروف أن السودان حدثت فيه ثورات شعبية وانتفاضات أشهرها ثورة أكتوبر عام 1964، ثم بعد ذلك انتفاضة أبريل عام 1985م ثم جاءت الثورة الأخيرة ثورة ديسمبر المجيدة التي انطلقت شرارتها الأولى يوم 13 ديسمبر 2018م في الدمازين ولكن البداية الحقيقية كانت في عطبرة، حيث هبت انتفاضة ضخمة جداً يوم 19 ديسمبر 2018م في الذكرى الثالثة والستين لإعلان استقلال السودان داخل البرلمان، وهذا كان له رمزية كبيرة. ومن ثم انتقلت هذه الثورة إلى كل المدن السودانية، وكنت وقتها في الخرطوم وشهدت موكباً تاريخياً بشارع المك نمر في قلب العاصمة يوم 25 ديسمبر 2018م وأدركت حينها أن ذاك الموكب المهيب في ذلك اليوم يمثل بداية سقوط نظام الإنقاذ الوطني بعد ثلاثين عاماً من الحكم الأحادي.
كيف تجدون فرص الاستثمار والوضع السياسي والاقتصادي بعد هذه الحراكات وهل أصبح السودان الآن أكثر استقراراً؟
الوضع السياسي أصبح الآن أفضل بكثير من السابق. لقد كان السودان مكبلاً بقضايا سياسية شائكة، وكان في حالة احتقان سياسي دائم، بسبب هيمنة حزب سياسي واحد على مقاليد الأمور بالبلاد رغم وجود أحزاب أخرى مشاركة في الحكومة لكن لم يكن لها وزن حينذاك. كما كان هناك قضية المحكمة الجنائية الدولية المعروفة، والتي كبلت السودان لفترة طويلة وجعلت البلد كلها رهينة في يد الرئيس المعزول.
الآن السودان أصبح منفتحاً بشكل كبير على دول العالم وبالتحديد على الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، والكثير من وزراء الخارجية زاروا السودان ونتوقع زيارات على مستوى رفيع من المسؤولين في كندا خلال الشهر الجاري.
هل الوضع السياسي إنعكس بالإيجاب على الوضع الإقتصادي وخلق نوعاً من الأمل في مجالات الاستثمار في السودان؟
نعم إن الوضع السياسي الجديد خلق أرضية جيدة للاستثمار في السودان رغم أنه لازال في طور التشكيل، فنحن في مرحلة إنتقالية جاءت وفقاً لاتفاق سياسي وهذه السلطة الانتقالية ستستمر لفترة ثلاث سنوات حتى نوفمبر 2022.  الاقتصاد بدأ يستقر لكننا نحتاج لبعض الوقت لأن السودان ورث وضعاً صعباً للغاية، وهذا يحتاج إلى تكاتف جهود كل السودانيين وعملهم بجد للخروج من هذا الوضع الاقتصادي الحرج.
أفهم مما ذكرت بأن الأمور بدأت تسير بخطى إيجابية  ثابتة باتجاه الانفتاح على الاقتصاد العالمي من جهة ومن جهة أخرى فتح المجال للاستثمارات الخارجية ؟
نعم الأمور تسير بصورة جيدة نحو الانفتاح على الاقتصاد العالمي، وكما ذكرت لك بأن رئيس الوزراء دكتور عبدالله حمدوك قام بزيارات عديدة إلى الكثير من الدول وفي جعبته رسائل محددة مفادها أن ايقاف الحرب والعمل على بناء السلام العادل والشامل والمستدام هي الأولوية في السودان وكذلك ايقاف التدهور الاقتصادي وتحقيق النمو الاقتصادي، وقد التقى في زيارته لأمريكا مؤخراً بمسؤولين في المؤسسات الدولية المعنية بالاقتصاد، حيث التقى بكبار المسؤولين  في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.  
 أفهم من سعادتكم أن السودان الجديد أصبح أكثر حرصاً على الانفتاح بعلاقاته على الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية كونها أكبر دولة في العالم، وكندا كإحدى الدول السبع الكبار الهامة اقتصادياً.
بعد التغيير الذي حدث في السودان هناك توجه كبير بضرورة وأهمية العمل على الإنفتاح على دول العالم وبالفعل تمت خطوات بهذا الإتجاه، وبدأ السودان يعود بقوة إلى عضوية المجموعة الدولية، فهناك العديد من الزيارات التي تمت على مستوى وزراء الخارجية إلى السودان من أوروبا ومختلف الدول العربية والأفريقية.
نعم، السودان بدأ يعود بقوة للمجتمع الدولي وهناك مؤتمرات نظمت بخصوص السودان، ففي الدورة 74 من الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر سبتمبر الماضي نُظِم مؤتمراً دولياً حول السودان حضره كبار المسؤولين في العديد من دول العالم، وفي نوفمبر الماضي نُظِمَ مؤتمر أصدقاء السودان، وقريباً سيتم تنظيم مؤتمر اقتصادي هام في السودان نتمنى أن يخرج بتوصيات تعمل على الارتقاء بالسودان اقتصادياً وتنقله إلى مرحلة الرخاء والإزدهار والقدرة على الشراكة مع دول العالم الأخرى.
كما تعلمون بأن كندا بلد متعدد الثقافات، كيف وجدتم تأثير هذا على تجربتكم كسفير للسودان الذي لديه حضارة وثقافة عريقة، وماذا تودون القول لأبناء الجالية العربية بشكل عام والجالية السودانية على وجه الخصوص؟
 هذا السؤال جميل جداً. معروف عن كندا بأنها بلد راعٍ للثقافات المتعددة والعرقيات المتنوعة وذلك ناتج بسبب أن كندا من الدول القليلة في العالم التي فتحت باب الهجرة بصورة كبيرة لمختلف الجنسيات. وحقيقة منذ وصلت إلى كندا أُعجِبتُ بمدى التنوع الثقافي بين القوميات وبين الجنسيات المختلفة، الكل تقريباً يفتخر بأنه كندي في المقام الأول أي أن انتمائه أصبح لكندا أولاً، وهذا أمر بالغ الأهمية في موضوع الإندماج.
 كما لاحظت بأن الرغبة بالاندماج في كندا كبيرة جداً لدى الجاليات المختلفة. وكذلك تجربة السكان الأصليين تعتبر تجربة فريدة جداً، واهتمام الدولة الكندية بهم عظيم لدرجة تخصيص وزارة مختصة بشؤونهم،  وفي كثير من المقاطعات نلمس هذا الاهتمام.
 لقد زرت مقاطعة كولومبيا البريطانية في شهر أكتوبر الماضي والتقيت بكثير من السكان الأصليين هناك ولاحظت في كل اللقاءات بأن أول من يخاطب الحضور شخص من السكان الأصليين وهذا يعطي دلالة على رقي هذا البلد الكبير وما يوليه من اهتمام بالغ ومزايا ضخمة تجاه الإنسان وحقوقه وإحترام ثقافاته المتنوعة.  
هل تلمستم بأن كندا تعطي أولوية لهذا التعدد الثقافي ؟
نعم لقد لمست هذا بوضوح، فكندا دولة رائدة في مجال حقوق الإنسان، لذلك تولي أهمية قصوى في الاستثمار في الإنسان ولهذا من الواضح جداً أنه من أهم أولوياتها تسهيل عملية الاندماج الاجتماعي بين كل أفراد المجتمع الكندي، وحقيقة هذه تجربة متميزة نتمنى أن نطبقها في السودان كي نبلور هوية سودانية تتقبل الاختلاف حتى يتعايش الكل في سلام ووئام.
ماذا تود أن تقول لأبناء الجالية العربية في كندا والسودانية على وجه الخصوص؟
التقيت بالكثير من أبناء الجالية العربية في كندا في عدة مدن كندية، والحقيقة أن أبناء الجالية العربية لهم دور كبير جداً في نقل العادات والتقاليد العربية الأصيلة وتعريف المجتمع الكندي بالثقافات والهوية العربية.
 المجتمع الكندي لديه صفة القبول والانفتاح على الثقافات الأخرى، وقد لاحظت بأن الكثير من رواد المطاعم العربية هم من الكنديين،  وهذا دليل على أن الثقافة العربية ومن ضمنها المأكولات العربية لها قبول عند الكنديين، لهذا يستطيع أبناء الجالية العربية أن يتركوا بصمة إيجابية في المجتمع الكندي ويمكن أن يكونوا سفراء حقيقيين لقضاياهم وأوطانهم وأن يتركوا انطباع جيد لدى المجتمع الكندي.
وفي هذا المقام أدعو أبناء الجالية السودانية للتكاتف والتآزر وبذل الجهود من أجل عمل مشترك يصب في صالح بلدهم الأم السودان، وأن يتقدموا بمبادرات اقتصادية للارتقاء بالاقتصاد السوداني بما يعود بالرخاء والنماء والإزدهار على بلدنا الحبيب.
كما تعلمون بأن موضوع الاندماج هو أمر بالغ الأهمية لخدمة القضايا العربية والحفاظ على هويتها، هناك تحديات تواجه الجاليات  العربية فيما يتعلق بالانعزال والخوف من الاندماج مع المجتمعات التي يعيشون فيها، فماذا تودون القول فيما يتعلق بهذا الموضوع؟
حقيقة لم ألحظ هذا بصورة جلية، وقد يكون هناك مشاكل في الاندماج  خاصة في محيط القادمين الجدد، لكنهم عادة ما يدخلون في دورات تدريبية بواسطة مؤسسات كندية لتشجيعهم ومساعدتهم بالاندماج في المجتمع الكندي. كذلك هذه المشكلة تواجه الفئات التي لا تجيد اللغة الإنجليزية أو الفرنسية لهذا أنصحهم بالالتحاق بدورات تدريبية لأحد اللغتين الرسميتين في الدولة واستغلال الفرص المتاحة لهم لتحقيق ذاتهم وبلوغ طموحاتهم.
في كندا من يترقى في السلم الأعلى هو من يمتلك المؤهلات الأفضل، ليس هناك حدود للطموح للمواطن الكندي مهما كانت أصوله وخير دليل على ذلك أن العديد من المسؤولين  الكنديين هم من أصول إثنية متعددة، وذلك جاء بناءً على تأهيلهم العالي واندماجهم في المجتمع بصورة جيدة وقبولهم للآخر... كندا هي بلد الفرص الحقيقية.
في ظل التحديات التي تواجه العالم خاصة الإرهاب بماذا تنصحون أبناء الجالية العربية كي يحصنوا أنفسهم من هذه التحديات؟
الإرهاب أصبح الهاجس الأكبر في كل دول العالم، وحقيقة لاحظت بأن معظم أبناء الجالية العربية في كندا ملتزمون بالقوانين الكندية في المقام الأول وليس هناك تجاوزات تذكر أو ممارسات تتعلق بالإرهاب وخلافه.
الحصن المنيع لكل العرب وخاصة المسلمين منهم هو الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، فالدين الاسلامي دين يحث على التسامح والمحبة والسلام والتكافل ومساعدة الغير والكثير من القيم السامية، فاذا التزمنا بهذه القيم بشكلٍ صحيح، سنغلق جميع الأبواب أمام المتطرفين وإفشال أي محاولة لاستقطاب أي شخص من قبل أي فكر متطرف يغرقهم في مستنقع الإرهاب. 
فيما يتعلق بالعلاقات السودانية الكندية، كيف تنظرون لهذه العلاقات  السياسية والاقتصادية بين كندا والسودان؟  
العلاقات السياسية والاقتصادية في تقديري في تقدم كبير، لقد التقيت بالعديد من المسؤولين في مختلف القطاعات منذ حضوري إلى كندا، وقد التقيت بوزير الخارجية الجديد السيد فرانسوا فيليب شامبين،وكان لقاءً طيباً، وهذا الرجل متحمس جداً لدفع العلاقات مع السودان في العهد الجديد. نحن نتوقع بأن تشهد العلاقات الثنائية خلال الفترة القادمة دفعة مقدرة في مختلف المجالات.


 من المعروف أيضاً أن السُودان وكندا تبادلا الإعتراف السياسي بينهما بعد أن نال السُودان استقلاله عام 1956م، كما تبادلا التمثيل الدبلوماسي غير المُقيم بواسطة سفرائهم في كلٍ من واشنطن والقاهرة عام1961م وذلك بعد إنشاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في ذاك العام. وقد تمّ إفتتاح أول سفارة للسُودان في أوتاوا في 27 ديسمبر1978م وكان السفير إبراهيم محمد علي أول سفير مُعتمد للسُودان بكندا تلاه السفير فرانسيس دينق (أصبح فيما بعد وزير دولة بوزارة الخارجية وهو الآن من مواطني جمهورية جنوب السُودان). ظلّ التمثيل الدبلوماسي الكندي غير المُقيم على مُستوى السُفراء من القاهرة وأديس أبابا إلى حين إفتتاح كندا لأول سفارة لها بالخرطوم عام 2000م على رأسها الدبلوماسي الكندي المرموق السفير نيكولاس كوقلان Nicholas Coghlan، والذي كان سفيراً لكندا في كولومبيا. وأود الإشارة أن السبب الرئيسي الذي دعا كندا لفتح سفارة لها بالخرطوم آنذاك هو سبب اقتصادي، حيث أن شركة تاليسمان للطاقة Talisman Energy  كانت من أكبر الشركات العالمية التي دخلت في مجال الاستثمار في البترول بالسودان إذ استثمرت ما يربو على مليار دولار أمريكي إلا أن اضطرتها الضغوط للانسحاب من السودان بسبب العقوبات الاقتصادية التي كانت تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على السودان حينذاك.
الآن تم رفع هذه العقوبات ولكن يبقى إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والذي نأمل أن يتم قريباً.
أيضاً نتمنى أن تلغي المؤسسات المالية الدولية والدول ديونها على السودان والتي ورثها من عهودٍ سابقة خاصة بعد أن استوفى السودان كل الشروط المُوجِبة لإعفاء ديونه وفقاً لمبادرة الدول المثقلة بالديون HIPC.
لذلك أعتقد أن هناك فرصة حقيقية لتطوير العلاقات بين البلدين وسيكون هناك الكثير من التشاور والتعاون مع كندا في القضايا الإقليمية التي تهم كلا البلدين وكذلك في القضايا الدولية . 
هل تجدون بأن موقع السودان في المنطقة العربية والأفريقية يمنحه القدرة على التأثير في السياسة الدولية  والإقليمية؟
السودان له أهمية كبيرة جداً في المنطقة العربية والأفريقية ومنطقة الشرق الأوسط ككل، فموقع السودان المتميز جعله بمثابة جسر بين الدول العربية وأفريقيا والعكس صحيح. كذلك السودان دولة من الدول المؤسسة لمنظمة الوحدة الأفريقية في 25 مايو من عام 1963م، كذلك السودان من الدول التي لها إسهامات كثيرة لدعم حركات التحرر في أفريقيا حيث قدم لها الكثير .
أيضاً السودان الآن عضو فاعل جداً في الاتحاد الأفريقي ولدينا عدد من المواقع الأساسية في مفوضية الاتحاد الأفريقي، كما أن السودان الآن هو رئيس مجموعة الإيقاد IGAD وهي المنظمة الحكومية للتنمية في أفريقيا. هذه المنظمة تم إنشائها في يناير 1986م وتضم دول القرن الأفريقي (جيبوتي، السودان، جنوب السودان، الصومال، كينيا، أوغندا، إثيوبيا، وإريتريا)، وهي مجموعة اقليمية مهمة جداً تهتم بالأمن الغذائي وحماية البيئة، والحفاظ على الأمن والسلام وتعزيز حقوق الإنسان والتعاون والتكامل الاقتصادى، وهذه المجموعة ترتبط دولياً بالاتحاد الأوروبي وبأمريكا وكندا، فهي منظمة إقليمية دولية معروفة وتسعى لتحقيق عدة أهداف منها تعزيز استراتيجيات التنمية المشتركة وتنسيق عدد من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والعلمية، وتعزيز القدرة على جذب الاستثمار الأجنبي، والتنسيق بين السياسات المتعلقة بالتجارة والجمارك، والنقل، والاتصالات، والزراعة، والموارد الطبيعية، وتعزيز حرية حركة السلع والخدمات وتطوير وتحسين البنية التحتية في مجالات الاتصالات والنقل والطاقة في المنطقة.
كان السودان يحتل منصب السكرتير التنفيذي للإيقاد لدورتين، ولكن جاءت فترة أصبحنا بعيدين وغير مؤثرين بسبب المشاكل السياسية التي كانت تعصف ببلدنا السودان.
سعادة السفير مؤخراً سمعنا بأن السودان أطلقت دعوة للشركات الكندية بالعمل على الاستثمار في مجال التعدين في السودان. لماذا هذا المجال بالتحديد وماهي المعادن  والموارد التي يملكها السودان  لتشجيع الاستثمار فيها؟
هذا صحيح، لقد وجهت وزارة الطاقة والتعدين دعوة للشركات الكندية للاستثمار في مجال التعدين في السودان. كان هذا خلال الاسبوع الماضي وهي دعوة قديمة لكنها جددت حديثاً . 
بعد أن فقد السودان المورد الأساسي وهو البترول في 2011م، اتجه لتعويض ذلك عن طريق قطاعات أخرى فلجأ للتعدين خاصة في معدن الذهب، حيث أن السودان تاريخياً معروف بأنه بلد غني جداً بالذهب وكان يطلق عليه إسم بلاد النوبة "Nubia" والتي تعني باللغة القديمة أرض الذهب.
 هناك احتياطي كبير جداً من الذهب وكذلك المعادن الأخرى كالحديد والزنك والنحاس والتي لم تستغل إلى الآن بصورة كبيرة ونطمح بأن تقوم الشركات الكندية بالمشاركة في هذا المجال لتحقيق النمو للاقتصاد السوداني. حالياً لدينا عدد من الشركات الكندية تعمل في هذا المجال. وقد جاءت هذه الدعوة في الوقت المناسب خاصة وأن هناك منتدى هام جداً حول التعدين يعقد سنوياً في تورنتو اسمه "MineAfrica"، وسيعقد هذا العام خلال الفترة من 1-4  مارس 2020م،  وستشارك فيه كبريات الشركات في مجال التعدين في كندا والولايات المتحدة الأمريكية والكثير من الدول الأفريقية المعروفة بإهتمامها بهذا المجال. ودأب السودان على المشاركة في هذا المنتدى سنوياً وسنشارك هذا العام بقوة بوفد يقوده وزير الطاقة والتعدين كما ستشارك كبريات الشركات العاملة في مجال التعدين في السودان خاصةً الذهب. 
في هذا السياق سعادة السفير ما هي الأشياء التي تعملون عليها اليوم أو لا زلتم تطمحون لتحقيقها على مستوى العلاقات السودانية الكندية وكيف تنظرون لأهمية العلاقة مع كندا؟
كما ذكرت لك سابقاً، هناك الكثير من الفرص موجودة في كندا ويمكن الاستفادة منها في السودان.  في مجال الاقتصاد نحن نطمح في أن نستفيد من التجربة الكندية والخبرة الكندية في مجال الزراعة لأن كندا من أكبر البلدان الزراعية في العالم، وتحديداً  في مجال تكنولوجيا زراعة القمح، ومجال الميكنة الزراعية. 
حقيقة كندا لها الفضل في إدخال الزراعة الآلية للسودان بمختلف ماكينات الحرث والبذور والحصاد بعد أن كانت الزراعة هناك تتم على نطاق واسع بالوسائل التقليدية، إذ خلال السبعينات تقدمت كندا بمشروع لميكنة الزراعة في السودان ودعمت هذا المشروع  المسمى "سمسم" (بفتح السين وسكون الميم) والذي كان له الفضل في انتشار الزراعة الآلية في السودان في نهاية السبعينات من القرن الماضي.
السودان يمتلك أكبر مشروع زراعي في أفريقيا وهو "مشروع الجزيرة "، وللأسف فقد أُهمِلَ هذا المشروع لفترة طويلة خلال العهد البائد ولكن الدولة الآن بصدد إعادة إنعاشه من جديد.
كما أن السودان كان من أكبر المصدرين للقطن في العالم ولكن الآن أصبحت دولة بنين هي الدولة الأولى في تصدير القطن. موارد السودان الطبيعية، كالأراضي الخصبة لا زالت وفيرة للغاية وكذلك المياه، ولدينا حوالي 200 مليون فدان من الأراضي الخصبة الصالحة للزراعة لم يتم استغلالها بالكامل، وهناك دراسة لمنظمة الزراعة والأغذية الدولية " الفاو"  في روما، تفيد بأنه إذا تم استغلال ثلث المساحة الموجودة من الأراضي الصالحة للزراعة في السودان فإن الناتج سيكفي لإطعام أفريقيا والشرق الأوسط كله، فما بالك إذا تم استغلال كل المساحة الصالحة للزراعة في السودان.
هل هذه دعوة منكم للشركات الكندية للاستثمار في هذا المجال؟
ندعو الشركات الكندية للاستثمار في هذا المجال لأن السودان يمثل سلة غذاء العالم. السودان أرض النيل ففيه النيل الأزرق والأبيض وبه المياه السطحية والجوفية، وإذا تم استغلال هذه الموارد المتاحة سيصبح السودان من أكثر الدول المستقرة إقتصادياً وسياسياً، ولأن كندا رائدة في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا ننظر إلى الاستفادة من الخبرة الكندية المتميزة، ونطمح كذلك لأن نستفيد من الفرص المتاحة في التدريب في مختلف المجالات وكذلك البحث العلمي، حيث لدينا عدد كبير من السودانيين الذين قاموا بإعداد دراساتهم العليا في الجامعات الكندية في مجالات الزراعة والتعدين ويحتلون الآن مواقع مرموقة في السودان. 
كيف تنظرون الى طبيعة العلاقة مع كندا كونها رائدة في البحث العلمي، هل تطمحون بفتح مجال تبادل أو ابتعاث طلاب من السودان للدراسة في كندا وفتح برامج تعليمية تبادلية بين الجامعات في كندا والسودان؟
نعم ، نطمح لقيام برامج أكاديمية بين الجامعات الكندية والسودانية وقد التقيت بعدد من رؤساء الجامعات في كندا، حيث التقيت بكل من رئيس جامعة أوتاوا وجامعة كارلتون وجامعة فيكتوريا وجامعة بريتش كولومبيا في فانكوفر، وأخيراً التقيت برئيس جامعة ويسترن في لندن أونتاريو، وقد زرت هذه الجامعة للمشاركة في يوم التعاون الأفريقي الكندي وفوجئت بأن هذه الجامعة لديها برامج ضخمة جداً للتبادل مع أفريقيا فهم يرسلون طلبتهم إلى رواندا وكينيا ونيجيريا وجنوب افريقيا للقيام بأبحاث في هذه الدول ولديهم معهد أبحاث أفريقيا الذي تم انشائه خصيصاً لإرساء التعاون بين كندا والدول الأفريقية، وتحدثت مع مدير معهد أفريقيا بخصوص بدء برامج للتعاون مع هذا المعهد، وآمل أن يتحقق ذلك قريباً وأن يكون هناك تبادل أكاديمي حقيقي. 
في ظل التحديات الأمنية التي يواجهها السودان، كيف ترون السياحة هناك، وماذا تقولون لأبناء الجالية العربية من خلال صحيفة عرب كندا لتشجيعهم لزيارة السودان وأيضاً الاستثمار فيها؟
حقيقة هذا سؤال مهم جداً. السودان يمكن أن يصبح قبلة سياحية مهمة في العالم، فهو أرض الحضارات القديمة كحضارة كرمة وحضارة كوش وهما من الحضارات العريقة جداً التي كانت ذائعة الصيت في العالم القديم ولها اسهامات كبيرة قدمتها للانسانية، وقد تم العثور على كثير من المقتنيات التي ترجع للإمبراطوريات الرومانية والإغريقية والصينية والهندية مما يدل على وجود علاقات بين الممالك السودانية القديمة والحضارات التي سادت في العالم القديم.  السودان لديه 250 هرم ويسمى لذلك بأرض الأهرامات، وهناك معالم سياحية كثيرة وآثار كالمعابد والقصور وكذلك الاهرامات التي كانت مدافن ملوك مملكة كوش، وهناك السياحة الصحراوية المفتوحة، والسفاري في المحميات الطبيعية كالدندر، والسياحة البحرية كالغوص في البحر الأحمر. السودان يمتلك ساحل من أجمل السواحل البكر في العالم بسبب وجود كمية كبيرة من الشعب المرجانية، وهذه السواحل لم تلوث وما زالت على حالتها الطبيعية.
ماذا عن تكلفة الزيارة السياحية للسودان؟ وهل هناك تسهيلات متوفرة كالفنادق وخلافه؟

التكلفة ليست مرتفعة أبداً والفنادق متوفرة في الكثير من المناطق السياحية، وتم إنشاء  الكثير من القرى السياحية، وهي تشبه الموتيلات في كندا، وهي مجهزة بكل الوسائل من أجل راحة السائح. السياحة تحتاج إلى استثمار كبير، ولذلك أدعو الكنديين وأبناء الجالية العربية للإستثمار في مجال السياحة، السودان الآن مستقر سياسياً خاصةً أن الحكومة تسعى للوصول إلى سلام شامل في السودان وتوافق بين حركات الكفاح المسلح في بعض المناطق التي كانت تشهد نزاعات (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق)، حيث تجري الحكومة مفاوضات سلام مع هذه الحركات في كل المسارات.
أخيراً ما هو رأيكم بصحيفة عرب كندا؟
أحرص على قراءة صحيفة عرب كندا التي تصدر كل شهر وكذلك أقوم بتصفح موقع عرب كندا نيوز  الإلكتروني الذي يعكس الأخبار بصورة سريعة وملخصة. هذه الصحيفة لديها الكثير لتقدمه للقارئ العربي، أدعوها للاهتمام أكثر بالجوانب الثقافية في الدول العربية وتسليط الضوء على الثقافات والتقاليد العربية حتى يتعرف عليها أبناء الجالية العربية، لأن الكثير من الإخوة العرب أصبحوا قليلي التواصل مع دولهم بسبب المشاغل، فهذه الصحيفة يمكن أن تقوم برسالة أكبر وأن تكون منارة لبث الوعي الثقافي بين الجاليات العربية وآمل أن يكون لها دور كبير ومستقبل باهر.
حوار على هامش اللقاء ..
م. زهير: أشكركم جداً على رأيكم بالصحيفة وملاحظاتكم القيمة  التي نثمنها عالياً وسنأخذها بعين الاعتبار ولكن أيضاً ندعوكم لمساعدتنا في طرح أي مواضيع تقترحونها بخصوص السودان أو بخصوص القارة الأفريقية بشكل عام لنقل ثقافات القارة الأفريقية الغنية والثقافة السودانية الثرية تحديداً، نحن نتشرف بذلك . 
سعادة السفير : نحن على استعداد لتزويد صحيفة عرب كندا بكل ما يمكن أن يسهم بالفائدة للقارئ من أبناء الجالية العربية، وأنا شخصياً أعدك بكتابة مواضيع ثقافية عن السودان قريباً..
م. زهير : أشكرك ونتشرف بنشر أي موضوع تساهمون به في أي وقت.. ومن هنا نقدم دعوة  لحرمكم المصون، كما نرحب بزوجات السفراء العرب ونأمل أن يتفضلن بتقديم تجاربهن كنموذج حتى تستفيد المرأة العربية بكندا خاصة في النشاطات الثقافية والتعريف بالموروث الثقافي ببلادهن حتى يتركن بصمة إيجابية لدى سيدات الجالية العربية وتوجيههن لاستغلال طاقاتهن بالشكل الصحيح في الابداع.
سعادة السفير: هذه دعوة مهمة جداً سنعمل على نشرها، وسط السيدات العربيات وزوجات السفراء العرب بأن تقام أنشطة ثقافية تعمل على تعريف المواطن الكندي على الثقافات العربية، وهناك أنشطة يمكن ترتيبها على سبيل المثال يوم للمأكولات العربية، وكل دولة عربية تقوم بتقديم مأكولاتها الشعبية.  وقد شاركت قبل فترة في اليوم الثقافي العالمي الذي شارك فيه حوالي 75 دولة، ومن الدول العربية التي شاركت المغرب، تونس، فلسطين، مصر والسودان، وكان الإقبال على المأكولات العربية كبيراً. أيضاً يمكن تخصيص يوماً خاصاً للمصنوعات التقليدية التراثية التي يمكن أن يكون لها دور في جذب السياح الكنديين للدول العربية.
م. زهير: شكراً جزيلاً لكم.