آخر الأخبار

الإنتهازيون في المهجر تحت المجهر

بقلم رئيس التحرير م. زهير الشاعر

بداية أود أن أتقدم إلى أبناء الجالية العربية الموقرة في العاصمة الكندية الجميلة أوتاوا وفي كل أنحاء الأراضي الكندية بأحر التهاني والتبريكات بمناسبة العام الجديد آملاً أن يكون عاماً مكللاً بالإنجازات يحمل بين أيامه الخير والأمن والأمان للجميع. 
مع كل عام جديد نصيغ أحلاماً جديدة ونبذل كل ما بوسعنا لنراها حقيقة على أرض الواقع ، ويبدأ كل إنسان طموح بمراجعة أولوياته حسب ما تم تحقيقه في العام المنصرم من حياته،  ليبدأ رحلة حياة نحو الصعود آملاً بأن تسمح له الظروف بذلك، ولكن هناك بعض الانتهازيين المتسلقين الذين يتسببون في إحباط مسيرة الآخرين وعرقلتهم بوضع العقبات في طريق طموحاتهم، هؤلاء يسلكون كل الطرق بما فيها الملتوية وأحياناً غير القانونية من أجل تحقيق الغايات الشريرة بدون الإلتفات لمشاعر وحاجيات الآخرين، ولهذا سنضعهم في هذه المقالة تحت المجهرونحاول أن نعرف القارئ الكريم بهذه النوعية حتى يكون على حذر أثناء التعامل معهم.
من هنا لابد من التعريف الشمولي بمفهموم الإنتهازية وهي السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف - مع الاهتمام الضئيل بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين، وأفعال الشخص الانتهازي هي أفعال نفعية تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية الأنانية والذاتية.
كما أننا هنا لا نتحدث عن نظرية «الأنانية النفسية» في علم النفس التي يعتبر مناصروها أن دوافع السلوك البشري تنطلق من مصالح شخصية، حتى وإن كانت مثل العطاء والإيثار، بل نقصد هنا «الانتهازية السلبية» التي يكون فيها صاحبها مستعداً لأن يضرب بالمصلحة العامة وكل القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط في سبيل تحقيق مبتغاه أي كان، لأن الانتهازي مستعد أن يبني سعادته على حساب شقاء الآخرين.
لذلك أستطيع القول بأن الانتهازية لا تحمل معنى الفعل الإيجابي بالمطلق، فالانتهازيون هم أشخاص نالوا من الفشل نصيبهم، فالتجأوا إلى الآخرين كسلم يصعدونه بدون أي قيود مجتمعية أو قيم إنسانية تردعهم، هم أشخاص يعانون من حالة عدم توازن سلوكي، يقومون بتحقيق مصالحهم على حساب مصلحة الآخر أو المصلحة العامة دون الأخذ بعين الاعتبار أي ضوابط مجتمعية أو قانونية أو إنسانية، وما أكثر الانتهازيون في زمننا هذا.
هم أولئك الذي يتسلقون على أشلاء الآخرين ليصلوا إلى مبتغاهم، فيجيدون فن المداهنة والتملق والمدح، كما أنهم مبدعون في رسم الخطط الشريرة للإلتفاف على جهود الآخرين وتجييرها لأنفسهم، لا مبدأ لديهم ولا فكرة يدافعون عنها، همهم الوحيد في الدنيا هو الاتكال على الآخرين وسلب حقوقهم أو أفكارهم أو إستغلال طاقاتهم والصعود على أكتافهم ليحققوا مآربهم الشريرة، وحالما يحققون المبتغى الذي يسعون من أجله يطلقون ساقهم للريح ويختفون، ولا يتبقى منهم شيئاً إلا الذكرى الأليمة والشعور بالحسرة والغبن.
بطبيعة الحال، الانتهازيون لا إنتماء لهم ولا يدينون بالوفاء لا لوطن ولا لدين ولا حتى لمجتمع ، هم يسابقون الزمن لكي يستولون على كل ما هو جميل من أجل إرضاء أنفسهم وتشويه أي إنجاز لا يستطيعون القيام به بينما ينجح فيه غيرهم.
هم الباحثون عن تعطيل مسيرة الآخرين ممن لا  يتماشون مع أفكارهم الشريرة وخططهم المجنونة، فيعملون على الوقوف في وجه نجاحاتهم من خلال اللجوء للتشهير والتشكيك والغدر وممارسة الإرهاب الفكري ضدهم.
هم عبارة عن شلل متقاطعة المصالح، يملأ قلوبهم الغل والحقد، ولهم في كل مكان وجود ، إنهم ينتشرون ويتكاثرون كالجراد خاصة بيننا في بلاد المهجر ومنهم أمثلة كثيرة وخطيرة!،  يعملون على إستغلال العلاقات الانسانية التي تقوم على الحب والمودة والإحسان والعرفان ورد الجميل ونكران الذات لتحسين وجوههم البشعة التي سرعان ما نكتشف حقيقتها ونكتشف حجم فسادها وإفسادها للقيم الإنسانية. 
لذلك نستطيع القول أن الانتهازية يمكن أن نعتبرها من الامراض النفسية المعدية التي قد تنتقل من شخص لأخر في دائرة سلوكية ضيقة قد تكبر خاصة بين ضعاف النفوس أصحاب الضمائر النائمة.. هذا الأمر خلق لدينا حالة من الفوبيا من تكوين صداقات جديدة فأصبح معظمنا حريص كل الحرص في علاقاته مع الأخرين خاصة في انتقاء صداقاته بعيداً عن هؤلاء الإنتهازيين الباحثين عن تحقيق المصالح الذاتية على حساب الآخرين، ولكن ليس جميعنا يستيطع أن يتجازوهم أو أن لا تتملكه هذه الإنتهازية السلبية لتحقيق أهدافهم النبيلة والمشروعة.
أيضاً، الإنتهازيون خاصة في بلاد المهجر يخبئون سم قلوبهم ويطرحون بعض العسل حتى لو كان رخيصاً ومغشوشاً من أجل السيطرة على ضحاياهم وإستغلالهم والتغلغل بين أبناء جالياتهم لضمان السيطرة عليهم أو غزوهم فكرياً وثقافياً لحساب أجندات مشبوهة ولربما موجهة ومدفوعة الأجر، وإن فشلوا بتحقيق مآربهم يخرجون بأفكار عقيمة ومريبة لا قيمة لها،  ولكنهم يطرحونها للمجتمع والمؤسسات الرسمية والقانونية من خلال الكذب والدجل  وتزوير الحقائق ويقدمون أنفسهم على أنهم ممثلين لمجتمع ما بكل مكوناته وهم يفتقرون للحد الأدنى من تمثيل الأقربين منهم فكيف بإمكانهم تمثيل مجتمع غالبيته فاقد الثقة بهم.
فلدينا مثلاً بعض الحقائق التي تتحدث عن ذلك وما أكثرها ، فأولئك الذين يسارعون لإستقطاب القادمين الجدد لتحديد بوصلتهم مبكراً ، كثير منهم يكون إنتهازياً يعمل على الصعود على أكتفاهم لتحقيق نجاحات مفقودة أو لفتح قنوات بعيدة المنال ، وأيضاً هناك مهرجانات عربية تقوم بإسم هذه الجاليات ولكنها في الحقيقة لا تعدو سوى مشاريع تجارية خاصة تخضع لسيطرة حفنة رخيصة من أفراد تتقاطع مصالحهم بعيداً عن الرقابة المجتمعية والمتابعة الرسمية، ولأنهم إنتهازيين يستغلون ولاء جاليتهم لأوطانهم التي أتوا منها وحبهم لإظهار ثقافتهم وهويتهم لشركائهم في المجتمع ليجيرون أي نجاح لهم حصراً ، وما يساعدهم على ذلك بأنهم يوهمون المجتمع بأنهم يحظون بدعم هذه الجهة أو تلك متناسين بأنهم يعيشون في بلاد يحكمها القانون .
لا بل قد بالغ البعض في تفصيل الألقاب والمسميات وتوزيعها على بعضهم البعض فمنهم مثلاً إستوحى لقب الأب الروحي أو الرئيس الفخري وغيرها من الخزعبلات الرخيصة من أجل أن يضمنوا البقاء في المشهد العام وفي مقدمة الصفوف لتمثيل جالياتهم، وذلك من أجل الاستمرار في جني المكاسب والثمار على حساب مصالح مجتمعهم بدون أن يقدموا له اي خدمة تُذكر تساهم في إندماجه والإرتقاء به.
ايضاً حالة الهوس بلغت مدى غير مسبوق عند بعض الإنتهازيين من خلال تسخير التكنولوجيا لتصوير أنفسهم على انهم خير نماذج  أخرجتها الجالية العربية متجاهلين نجاحات أبناء الجالية الأخرين بالرغم من وجود نماذج ناجحة ومشرفة تستحق أن يٌسلط عليها الضوء،  وهؤلاء هم من نستطيع أن نقول بأنهم عناوين محل إعتزاز وفخر لنا وهم من يستحقون بأن يكونوا نماذج حقيقية لنا قدموا ولا زالوا يقدمون وهم الأحق بأي تكريم.
نعم إن الانتهازي هو شخصية شريرة في داخلها ، شخصية ستجدونها في أي مكان وربما تضعنا الظروف وجهاً لوجه أمام هذه الشخصية تحت ظرف معين، ولهذا وجب علينا الحذر منهم.. فهم قادرون على تقديم أنفسهم بخلاف حقيقتهم ويستعينون بالنظرية الميكافيلية التي تعتمد مقولة " الغاية تبرر الوسيلة" ، لذلك علينا أن لا ننخدع بأساليبهم الملتوية وتملقهم حتى لا نقع في فخهم ونندم حيث لا ينفع الندم، ولنا أن نأخذ الحكمة من هذا المثل الإيطالي الذي يقول: "ذاك من يتملق إليك أكثر حتى مما ترغب، إما سيقوم بخداعك أو يتمنى أن يفعل"، هؤلاء هم النماذج القبيحة الذين لابد من نبذهم وتجاوزهم وعدم إتاحة الفرصة لهم لتحقيق نجاحات على ظهورنا وعلى حساب طموحاتنا وتطلعاتنا.
كما أنني أود أن أنهي مقالي هذا بأجمل كلمات شعرية للصحابي معن بن أوس بن نصر المزني أحد شعراء الجاهلية والإسلام، تعطي وصفاً دقيقاً لمثل هؤلاء في هذا الزمن الذي أتاح الفرصة أمامهم ليستبيحوا كل القيم الأخلاقية والإنسانية والضوابط المجتمعية  حيث قال:
أعَلِّـمُهُ الرِّمَـايةَ كُلَّ يَـومٍ 
                            فَلمَّـا اشْتَدَّ سَاعِدُه رَمانِي
وَكَمْ عَلَّمْتُـهُ نَظْمَ القَوَافي 
                              فَلَـمَّـا قَالَ قَافِيةً هَجـانِي
ختاماً أود أن أؤكد على أن التعامل على أسس أخلاقية وتحكيم ضميرنا في كل شيئ سيجعلنا نؤمن لأنفسنا السلام الداخلي والسلام مع من حولنا، ويصبح كشف الانتهازيين أو غيرهم ممن ينتهجون الممارسات الخاطئة والشريرة واجب أخلاقي من أجل مجتمع سوي يتمتع فيه الجميع بالأمن والسلام وتسوده المحبة وحب الخير.
دمتم بخير وعلى المحبة نلتقي على الدوام.