آخر الأخبار

بدون رتوش .. هذه هي مجرد وجهة نظر!

لم أتعود منذ إصدار العدد الأول من صحيفة عرب كندا أن أكتب في الشأن السياسي الكندي، بالرغم من أنني كتبت مئات المقالات في جوانب أخرى خاصة فيما يتعلق بالشؤون السياسية الدولية، نُشرت في الكثير من أهم المواقع الإلكترونية العربية لأنها كانت تحمل وجهة نظر محايدة ومستقلة ومدعمة بتحليلات منطقية تتعلق بوجهة نظري الخاصة تجاه الأحداث في تلك المناطق التي لا زالت شرارات الإلتهاب تلاحقها وتهديدات الإرهاب والتطرف تزعزع إستقرارها.
اليوم وبعد مرور عدة أسابيع من تشكيل الحكومة الكندية الجديدة برئاسة رئيس الوزراء جاستن ترودو، أجد أن هناك فرصة للخروج من الوضع التقليدي في كتاباتي عن الأمل والتحفيز للإجتهاد والعمل والإبداع وعدم الإنعزال والدعوة للإندماج في المجتمع الكندي التي تحدثت حولها في الكثير من مقالاتي والتي لا زلت أتبنى الموقف الإيجابي والبناء حيالها وأشجع عليها،  لأنني أعتقد أنها الوسيلة الأكثر فعالية في ضمان النجاح في المجتمعات التي نعيش فيها، ومن ثم ضمان الإبداع وتأمين المستقبل الأفضل لنا ولأولادنا.
 لكن اليوم وددت أن أخرج في مقالتي هذه من هذا السياق،  بصياغة جديدة تسلط الضوء على أهمية العلاقات الكندية العربية وتطويرها في كل المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والقانونية والعسكرية وغيرها من المجالات التي يتوفر فيها عوامل مشتركة كثيرة ما بين كندا وهذه الدول تعود بالنفع على جميع الأطراف وخاصة أن بينهم مصالح مشتركة كثيرة .
فكما نعلم أن كندا اتخذت موقفين هامين على الساحة الدولية بالرغم من تباعدهما في الآونة الآخيرة وهما فيما يتعلق بعدم التصويت في الأمم المتحدة لصالح أو ضد تجديد تفويض الأونروا وهي المنظمة التي تٌعنى بشؤون اللاجئين الفلسطينيين وحاجاتهم الإنسانية بالرغم من أن كندا هي دولة داعمة لهذه المنظمة من جهة،  وكانت من أكثر الدول إهتماماً ورعاية لملف اللاجئين الفلسطينيين بشكل عام على سنوات طوال من جهة أخرى، وكان هذا الموقف بلا شك مثير للدهشة والاستغراب لدى العديد من المراقبين والمهتمين بهذا الشأن.
أما الموقف الثاني وهو الذي أثار إعجاب الكثيرين وحظي بدعم وتشجيع المهتمين والمتابعين لهذا الشأن وهو  تصويت كندا لصالح قرار يساعد في عملية السلام العادلة المبتغاة خاصة فيما يتعلق بدعم حل الدولتين.
هذان الموقفان الهامان جاءا بالتزامن مع زيارة عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني القصيرة مؤخراً إلى العاصمة الكندية أوتاوا والتي حظيت بحفاوة بالغة على المستوى الرسمي الكندي برئاسة رئيس الوزراء جاستين ترودو في دلالة على نظرة كندا إلى أهمية العلاقات والشراكة الإستراتيجية مع هذا البلد العربي الهام،  خاصة أن الملك عبدالله الثاني يتمتع بحكمة بالغة، ولديه مكانة خاصة بين زعماء العالم، وقد وصفه رئيس الوزراء الكندي بأنه قائد استثنائي وقوي في وقت صعب، من خلال قيادته في الشرق الأوسط والتحديات التي تواجهها المنطقة، إضافة إلى مواقفه حيال القضايا العالمية. 
هذه الزيارة التي تم خلالها بحث سبل التعاون المشترك في عدة مجالات بالغة الأهمية ومنها محاربة الإرهاب، وقضايا حقوق الإنسان وشؤون اللاجئين، كما تم البحث خلالها أيضاً في أهمية تحقيق السلام العادل والدائم والشامل على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
هذا يأخذنا بلا شك إلى ترشح كندا للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي للفترة 2021-2022، حيث تتنافس مع إيرلندا والنرويج، وكانت قد انتهت فترة كندا الأخيرة كعضو في مجلس الأمن في عام 2000، وكندا اليوم تتطلع بلا شك إلى تجديد الالتزام بالسلام والأمن العالميين لكي تستعيد مكانتها الدولية الطبيعية والحصول على مقعد في مجلس الأمن.
ولضمان ذلك ، فإن كندا بالتأكيد تحتاج إلى دعم الجميع ومنها الدول العربية التي تستطيع أن توسع علاقات الشراكة الإستراتيجية معها، ومنها الإستثمار في البنية التحتية والإعمار وملفات أخرى ذات إهتمام مشترك ، تعود بالفائدة على الطرفين حيث أن كندا لديها من الموارد الطبيعية والتكنولوجية ، والخبرة في مجال حقوق الإنسان تؤهلها بلا شك لأن تكون شريكاً أميناً وصادقاً ومهماً مع هذه الدول العربية التي باتت تعاني من تحديات أمنية كبيرة وعدم استقرار سياسي واقتصادي إلى جانب حاجتها إلى الخبرات الكبيرة التي تتمتع بها كندا.
هذا  إلى جانب أن هناك جاليات عربية كبيرة من الكثير من الأقطار العربية يمثلون ثروة بشرية حقيقية وهائلة،  بالإمكان الإستثمار فيها من أجل الإرتقاء بالعلاقات الكندية العربية على مستويات متعددة ومتقدمة تضمن مصالح هذه الدول من جهة وتضمن دعم كندا في مجلس الأمن كإستحقاق أمين ومفيد، خاصة أنه قد سبق لرئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو أن قال حول ترشح بلاده لعضوية مجلس الأمن بأن كندا تريد أن تقوم بدورها «لحماية الشعوب المهددة والقيادة على الساحة الدولية والمشاركة في تحديات العصر.. هذه هي كندا اليوم، وهذه هي كيفية بناء العالم غدًا».
الجدير بالذكر أن مجلس الأمن الدولي يتكون من 15 دولة عضوًا، 5 دول دائمة العضوية، لها حق النقض «الفيتو» هي: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين، و10 دول تنتخب لمدة عامين، وستُجري الجمعية العمومية للأمم المتحدة اقتراعا في عام 2020، على المقعد الذي تترشح له كندا.
وكانت كندا قد تولت مقاعد في مجلس الأمن فيما سبق 6 مرات، لكنها خرجت منه في عام 2010، تحت قيادة رئيس الوزراء السابق ستيفن هاربر، عندما اضطرت للانسحاب من المنافسة والاعتراف بفوز البرتغال.
اليوم وقد إستطاعت كندا أن تحقق التوازن بحده الأدنى في مواقفها الدولية ضمن ما تمليه عليها مصلحتها العليا،  تستطيع بلا شك أن تفسح المجال أمام الشركاء العرب لاستمالة مواقفهم وضمان أصواتهم لصالح كندا كعضو في مجلس الأمن.
 كما أنه في تقديري أن من مصلحة الدول العربية دعم كندا في هذا الترشح لما تتمتع به من مكانة دولية على جميع الأصعدة، خاصة أن علاقات الصداقة القوية التي تربط القيادة الكندية بالكثير من الزعماء العرب الذين لديهم القدرة على خلق موقف موحد داعم لكندا في مجلس الأمن الدولي، هي علاقات واضحة من خلال الدفء الذي يصاحب إستقبال هؤلاء المسؤولين خلال زياراتهم إلى كندا والعكس صحيح.
أيضاً في تقديري أنه من المفيد أن تستعيد الحكومة الكندية زمام المبادرة بالعمل على تسوية بعض الأمور الخلافية التي طرأت في الفترة السابقة وتطوير علاقاتها مع البلدان العربية إلى مستويات أكثر تقدماً، وفتح الأبواب أمامها على جميع الأصعدة المختلفة، خاصة فيما يتعلق بالتشاور والتحاور حول توحيد المواقف السياسة الخارجية حيال التطرف والإرهاب والتحديات الأمنية التي تواجه الجميع من جهة، ومن جهة أخرى تطوير العلاقات التجارية والإقتصادية بما يفسح المجال أمام زيادة فرص الإستثمار،  ومن ثم توفير فرص عمل أكبر ، وتوسيع التعاون في المجالات الأخرى، وبالتالي توسيع رقعة المصالح المشتركة فيما بين كندا وبين هذه الدول التي لديها من الثروات الطبيعية والإمكانيات المالية الهائلة، والتي أعتقد أنه لا يوجد سبب لكي لا يكون لديها الإستعداد الكافي لكي تتعاطى بإيجابية بالغة مع أي إنفتاح من قبل كندا إن رغبت بذلك، وفي كل المجالات والعمل على دعمها في مجلس الأمن حتى تستعيد كندا مكانتها الطبيعية في هذا المجلس ومشاركتها في القرار الدولي خاصة فيما يتعلق بالسلم العالمي.