آخر الأخبار

كلنا كندا.. بقلم رئيس التحرير م. زهير الشاعر

مما لاشك فيه أن كندا عاشت مؤخراً عرساً ديمقراطياً تاريخياً، حيث أن الإنتخابات الأخيرة لم تكن تقليدية وهادئة كالعادة، بل كانت المنافسة فيها على اشدها ، وفي العديد من محطاتها خرجت عن النص من خلال تبادل الإتهامات وكانت وكانها تمثل حالة تراجيديا غير مسبوقة، حيث بالغ البعض في التعاطي معها حتى وصلت سلوكياتهم في بعض الأحيان للتهديد والوعيد وعلى أعلى المستويات مما كاد أن يعكر صفوها.
من رصدنا للسباق الانتخابي وتفاعل الشارع معه، لاحظنا بأن الكثير من السلوكيات في الإنتخابات الكندية لم تكن محببة أو محل ترحيب مجتمعي، لقد واجهت الانتخابات تحديات كبيرة وتخوفات من تدخلات للتأثير على نتيجتها، كما أن درجة الإستقطاب للأصوات كانت على أشدها والمنافسة قوية للغاية، وقد كان قرار الشعب الكندي هو الفصل في النتائج، وهذا إن دل على شيئ فهو يدل على مدى وعي المواطنين الكنديين وقدرتهم على تحديد ما يريدون في ظل أجواء ديمقراطية تحترم صوت المواطن وحرية التعبير، وتعطي الفرصة للجميع بأن يختار ما يراه مناسباً، وهذا ما يميز كندا  التي أتاحت كل الظروف للإختلاف والتوافق وممارسة حرية التعبير، ليكون لسان حال كل أفراد المجتمع  الكندي كلنا كندا وكندا فوق الجميع.
لقد أثبت المواطن الكندي بمختلف ثقافاته وعقائده وانتماءاته الحزبية بأنه على درجة عالية من المسؤولية وأكثر يقظةً ووعياً، وذلك من خلال المشاركة المنضبطة والفاعلة والبناءة والهادفة للمحافظة على ديمقراطية بلاده التي منحته حق المواطنة والأمن والأمان والاستقرار، وأتاحت أمامه فرصة العيش الكريم والإبداع والتطور.
هذا وقد فاز الحزب الليبرالي الكندي بزعامة جاستين ترودو في الانتخابات الفيدرالية الكندية الثالثة والأربعين في تاريخ البلاد التي عقدت يوم 21 أكتوبر 2019، وذلك بحصوله على 156 مقعداً من مقاعد مجلس العموم البالغ عددها 338 مقعدا تمكنه بذلك من تشكيل حكومة أقلية،  حيث لم يفز الحزب بعدد 170 مقعدا التي تمكنه من تشكيل حكومة أغلبية، بعد أن واجه زعيمه سلسلة من الإنتقادات طوال الحملة الانتخابية التي استمرت 40 يوما، ولكن يبدو بأن جهوده تكللت بالنجاح بحده الأدنى لكسب ثقة الكنديين في ولاية جديدة كرئيس للوزراء إن تمكن من التحالف مع أي من الأحزاب الأخري لتشكيل حكومته الموعودة.
هذا يجعلنا نفكر جلياً في حقيقة الإنتماء،  الذي يمثل حاجة الإنسان إلى الانخراط والإندماج في مجموعة أو مجتمع، وهو عبارة عن علاقةٍ شخصيةٍ حسيةٍ إيجابية وتفاعلية، يبنيها الفرد مع أشخاصٍ آخرين أو مجموعةٍ ما داخل مجتمع يشعر بأنه ينتمي إليه، أما مفهوم الانتماء إلى الوطن فيعني تلك الحالة التي يشعر فيها المواطن بأنه جزء أصيل من هذا الوطن وأن دوره تجاهه هو التفاعل بإخلاص مع قضاياه والمشاركة الفاعلة ، وتكوين علاقةٍ ايجابيةٍ وقوية ومتماسكة مع كل مكوناته،  وذلك للوصول إلى أعلى درجات الإخلاص لهذا الوطن.
لذلك لابد من التأكيد على أن هناك العديد من السلوكيات المهمة التي تندرج تحت بند الانتماء، منها الالتزام بالقوانين والقواعد السلوكية، والانضباط في العمل، واختيار أسلوب الحوار الواعي في حلّ المشاكل والنزاعات التي تقع بين الأفراد والجماعات في المجتمع الواحد، واحترام عادات وتقاليد وأعراف هذا المجتمع، والاعتزاز بهذا الوطن وهويته، واسمه، ورموزه، واحترام الممارسات الديمقراطية التي يتحلى بها هذا الوطن.
هذا بلا شك لمسناه بالقدر الكبير في الإنتخابات الأخيرة بالرغم من محاولات البعض من جميع الأطراف المختلفة، تعكير صفو هذه المسيرة الديمقراطية التي مثلت مفخرةَ وطنية يعتز بها كل كندي بغض النظر عن إنتمائه الحزبي أو إيمانه العقائدي.
وهذا يفتح المجال أمام التفكير جدياً وبعمق حول ضرورة فتح باب الحوار البناء بين الجميع خاصة بين أبناء جاليتنا العربية والإسلامية والأطر المجتمعية والمؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية المختلفة للالتقاء تحت راية واحدة تجمع الفرقاء وترفرف فوق رؤوس الجميع بحب وود وتفاهم، وتقبل بالمجموع ليقولوا جميعاً  كلنا كندا الدولية وأن الحفاظ عليها وعلى مكانتها الدولية وعلى أمنها وسلامتها هو مسؤوليتنا جميعاً، والاختلاف الطبيعي والمشروع على من يتبوأ قيادتها هو من أجلها حتى لو تعددت واختلفت الرؤى،  فضمان مستقبل أبنائنا يكمن في إيماننا الصادق بضرورة العمل معاً بجد وإخلاص من أجل أن تظل أمنة على الدوام، ومن هذا المنبر أود أن أهنئ الحزب الليبرالي بفوزه كما أهنئ كل الأحزاب الأخرى على ما أحرزته على الساحة الانتخابية من إنجازات، راجياً أن تتظافر جهود كل الأحزاب من أجل مصلحة الوطن والمواطنين وأن يكون الحوار البناء حول الإختلافات في الرؤى هو العنوان، فالكل لديه الروح والإستعداد لكي يكون جندياً من أجل بلدنا كندا العظيمة ومصلحتها وإستقرارها.
كل موسم انتخابي وأنتم بخير، ووطننا كندا في رفعة وتقدم على الدوام ..