الانتخابات بين حرية الرأي والتعبير والاستقطاب والتجيير

مما لا شك فيه أننا هنا في كندا العظيمة نتمتع بهامش كبير من الحرية ، وكندا اليوم وهي تستعد للانتخابات العامة لاختيار قياداتها للمرحلة المقبلة تكتسي بثوبها المزخرف بكل ألوان الثقافات التي تعتز بعلمها الكندي ذواللونين الأبيض والأحمر،  لتكون عروس ولؤلؤة الغرب بكل معنى الكلمة من خلال الممارسات الديمقراطية الحقيقية، وهي التي إحتفلت قبل عام بعيدها ال 150 ، فهي الدولة التي أثبتت عملياً بأنها تستحق بجدارة بأن تكون الدولة التي يفخر بها كل مواطنيها،  بغض النظر عن إختلاف ثقافاتهم وأصولهم، خاصة وانها منحتهم فرصة التعايش الآمن فيما بينهم، وأعطت الجميع بدون تمييز  فرص متساوية للحصول على حقهم الإنساني في العيش بكرامة تحت مظلة العدالة.

كندا اليوم  وبعد هذه السنوات من البناء والإستثمار في الإنسان ، أسست جسوراً من الثقة ما بين مؤسساتها ومواطنيها، لكي ينال أبنائها حرية ممارسة حقوقهم وحظوظهم في مستقبل عنوانه الأمل،  وملئ بالأمن والأمان والسلام بمشاركة الجميع من أبنائها حتى يكون هناك مستقبل أفضل وأكثر إزدهاراً ورخاءاً وإشراقاً لها وللأجيال القادمة منهم.

من هنا كان لابد لي أن أعرج في هذا العدد على موضوع الإنتخابات الفيدرالية العامة المقبلة التي ستعقد في شهر أكتوبر 2019 خاصة أنها باتت تمثل المحور الأهم في هذه المرحلة في ظل المنافسة الكبيرة بين المرشحين، حتى أوضح أهمية المشاركة فيها لنا كمواطنين كنديين ومن أصول عربية ، حتى نستطيع إختيار ممثلينا الأقرب لفهم ثقافتنا والقادرين فعلاً على التعاطي مع مصالحنا وضمان تقديم المساعدة والمساندة الأفضل لنا والحفاظ على حقوقنا التي يصونها القانون في هذا البلد العظيم بغض النظر عن إنتماءاتهم الحزبية،  حيث أن الحزب في النهاية له سياسة عامة لابد من طرحها للناخبين، ولكن مهما تشددت هذه السياسة أو تساهلت أو حتى وقفت على الحياد تجاه الالتزام بسياسات هذا الحزب أو ذاك، ما سيحسم الأمر في النهاية للتعاطي مع مصالحنا وصون حقوقنا هو السلوك الفردي لهذا المرشح أو ذاك وما يؤمن به تجاه قضايانا ومصالحنا بشكلٍ عام.

لذلك أرى أنه من الضروري عدم الإنغلاق أو العزوف عن المشاركة، وعوضاً عن ذلك لابد  من محاولة البحث في برامج كل المرشحين من الآن وفهم إيجابياتهم وسلبياتهم ومزاياهم الإنسانية وسلوكياتهم الفردية حتى لا يظن هذا الناخب بأننا مجرد أرقام للإستخدام وقت الإنتخابات فقط يتم إستغلالها وقت الحاجة أو من خلال بعض المنتفعين الباحثين عن صورة أو إبتسامة هنا أو هناك مع هذا أو ذاك، حيث أن ثمن أصواتنا لا يجب أن يكون بخساً لصالح هذا الحزب أو ذاك أو هذا المرشح أو ذاك  بل هي حقوق تحتاج إلى موقف ومتابعة كما تحتاج إلى إلتزام تجاه مكانة كندا ومصالحها بطبيعة الحال.

لذلك في تقديري أن هذا الأمر طبيعي جداً  خاصة فيما يتعلق بما نحظى به من حرية التعبير والمساحة الواسعة من المشاركة البناءة في بلد تعد هي عنوان الديمقراطية في العالم ، كما أنه لا يمكن إغفال أن هذا الأمر ليس بجديد حيث أنه قائم بالفعل، وحيث أن حقيقة المصالح المشتركة تكمن في حقيقة أن العلاقات بين الأطراف سواء الناخب أو المرشح قائمة على الاستراتيجية الواحدة وعلى مفهوم توحيد المواقف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولكن الأمر غير الطبيعي هو في أن يتباكى بعضنا ممن يعلمون  بأنهم جزء من هذا التوجه منذ البداية ويعلمون بأنهم أدواته ويساهمون طوال الوقت في تسهيل الوصول إلى نتيجة تقصي مصالحنا وتتجاهلها أو تجعل منا أدوات للإستخدام ولربما للعبث لصالح أفراد من هذا الحزب أو ذاك وفي النهاية لصالح أفراد يدعون بأنهم يمثلون تطلعاتنا ونحن في الغالب لا نعرفهم ولا نعرف عنهم أو عن خلفياتهم الثقافية والمجتمعية شيئاً!.

لذلك في تقديري أنه يتوجب علينا البحث عن آلية موضوعية لخلق جسور من الثقة فيما بيننا والعمل على توحيد مواقفنا، حتى لا نخسر فرصة تاريخية مثل هذه في ظل هذا التنافس الديمقراطي الكبير، حيث أنه لربما تكون بعض الشخصيات في بعض الأحزاب التي نبتعد عنها هي الأكثر قرباً منا ، كون أن هناك مبادئ  ورؤية مشتركة نابعة من قناعات  ورغبات متراكمة لتحقيق النجاح والتطور والارتقاء تستحق الاحترام وهي التي من المفترض أن تتحكم بسلوكياتنا أثناء هذه الإنتخابات من خلال المشاركة الفاعلة والواسعة ضمن رؤية مشتركة وليست رؤية موجهة ، والتي لربما ستحظى بالفعل بفرصة تحقيق نقلنا من مكانة مجتمعية وسياسية إلى أخرى أكثر تقدماً، أو على الأقل سنحظى بفرصة ممارسة حرية الرأي والتعبير الحقيقية من خلال الإيمان بقبول الآخر والتعاطي معه بشراكة حقيقية وليس البقاء في إطار الإستقطاب والتجيير، لأن كندا بلد عظيم وتستحق منا كل مساهمة بناءة للإرتقاء بها ومعها ومن خلالها والمشاركة في إختيار الأفضل لمن يقود مسيرتها.

أخيراً ، أجد أنه من الواجب أن أدعو من خلال هذا المنبر الموقر، أبناء الجالية العربية الكرام بأن يتعاملوا مع الانتخابات بجدية ومسؤولية ويسجلوا أعلى نسبة مشاركة فاعلة، لأن حق الانتخاب هو استحقاق ديمقراطي يتمتع به كل الكنديين المندمجين حقاً في هذا البلد العظيم مهما كانت أصولهم.

لذلك أجد أن هذا البلد الذي يمنحنا هذا الاستحقاق هو جدير بلا شك بأن نحرص كل الحرص على التفاعل بوعي واهتمام مع  كل قضاياه واهمها اليوم العملية الانتخابية واختيارالمرشح القادر على تحقيق طموحاتنا وإيصال أصواتنا والارتقاء بمجتمعنا بما يليق به وفي الأصل صون كندا ومصالحها.