لا تفكوا عقدة اللسان فالسكوت أفضل في غالب الأحيان!

إن صاحب القلم الحر هو صاحب موقف،  لا يمكنه بأن يكون جامداً مثل ذاك الجاهل الذي يحبس نفسه في سياق فكرة تخدم أجندة خاصة، تركله الأقدام حسب من يدفع أكثر، فيحاول أن يحبس غيره في سياق أحقاد فكره وأوهامه، وبدلاً من أن يتعلم من مدرسة الحياة بأن هناك فسحة من التسامح والأمل وتقاسم الهم الحياتي، يصبح  عوضاً عن ذلك بتصرفاته الحمقاء كالعصفور المتطوع بدون عناء تجنيد ولا ثمن مقابل ذلك .

أيضاً لا يمكن لصاحب القلم الحر أن يكون مثل ذاك الأحمق الذي إذا لم تتواكب الأمور مع مصالحه وهفواته،  يطلق العنان لقلمه الذميم وقتما شاء وكيفما شاء بدون ضوابط أمانة الكلمة ، وهنا للأفواه التي إعتادت أن تخرج سموم قلوب أصحابها بكلماتها الذميمة التي تحمل معها تشهيراً وقحاً وقبيحاً غايته غير نظيفة قلنا ذلك.

من هنا ونحن نودع شهر رمضان المبارك لا زلت أتذكر عدة مواقف  بعضها طريفة وبعضها مؤلم ، حيث أنني كلما ذهبت إلى إفطار رمضاني تعرفت فيه على الكثير من الناس الطيبين وتيقنت أكثر بأن جاليتنا العربية والإسلامية في العاصمة الكندية الجميلة التي يداعبني على الدوام عشقها أوتوا، بخير، وهي لا تقتصر على حفنة من الفاشلين هنا أو هناك،  حيث لا زالت هذه الجالية كما هي بطبعها تحب الخير للجميع ، ولكن لا يخلو الأمر من بعض المنغصات الفردية التي تعكر صفو اللقاءات ما بين هذه المجاميع الكريمة المحبة للحياة والراغبة بالعيش بأمن وأمان وسلام في بلد متعدد الثقافات ويحترم جميع الأديان ، بلد له من الخصوصية ما يميزه عن الكثير من بلدان العالم التي تعد مدعاة للفخر والإعتزاز للإنسانية وبأننا اصبحنا من أبنائه فهذا يزيد من رصيدنا ورصديها ولا ينتقص من قدرنا أو قدرها.

هذا الأمر يستحضرني لموقفين هامين وهما ، الأول يتمثل في تهنئة رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو التي وجهها للمسلمين في كندا والعالم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك كعادته منذ توبأه منصب رئيس الوزراء لكندا، والتي أكد فيها على ما تتميز به كندا من نشر روح التسامح والمحبة والتعايش،  وأكد أيضاً على ضرورة نبذ الكراهية والعنف، وهذا أمر يستحق الإحترام والتقدير والثناء والبناء عليه مستقبلاً لترسيخ حالة من الرخاء والإزدهار لا تنعم بها إلا البلدان التي تسعى للحفظا على حالتها الأمنية وتوفير الآمان لمجتمعاتها والجامعة لأبنائها.

كما لفت نظري كلمات جاءت على لسان زعيم حزب المحافظين المعارض أندرو شير أمام النادي الإقتصادي الكندي في تورنتو في وقت سابق التي قال فيها،  كندا متميزة عن كل دول العالم بالقيم التي تتبناها Canada is Unique and Special ، مما أثار إعتزازي ككندي زار الكثير من دول العالم ووجد أن ما قاله شير كان محق به للغاية،  فكندا لها خصوصية فريدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان ونزاهة القضاء ومهنية المؤسسات وبإفساح المجال لمشاركة المواطنين بكافة ثقافاتهم وأديانهم بالقرار وشفافية المنافسة.

من هنا وبدون الإطالة أجد أن بعض المتفزكلين من الباحثين عن الصغائر وعن أوجه الخلافات لتعميقها أن سكوتهم نعمة لهم وللآخرين، وأن عقدة اللسان لابد أن تنفك في البحث عن الإبداع والبناء والمشاركة الفاعلة في كل جوانب الحياة من أجل الإرتقاء بالروح والنفس والإنسان بدلاً من ممارسة عادات سلوكية موروثة في جلها قبيحة  الهدف والمضمون ولا تحمل معها إلا جهل وأحقاد وحسد غير محمود.

فأنا مسلم سني شيعي كندي عربي فلسطيني ولكم ما شئتم من مسميات،  حيث أنها لا تهمني، ولكن ما يهمني كيف أبحث في  خلق التوافقات بين الإنسان وأخيه بغض النظر عن دينه وثقافته، وكيف أبحث عن كيفية صناعة الإبتسامة على وجه محتاج للمساعدة أو كيف ابحث عن مشاركة إنسانية جنباً إلى جنب مسيحي ويهودي ومن كل الثقافات لنصنع معاً حكاية أمل بغدٍ أفضل ونقول سوياً أننا كبشر نؤمن بأن حياة الإنسان هي أغلى ما نملك وليس من حق أحد سواء كان مجرماً أو جاهلاً أو حتى حاقداً ولربما عابراً ومتطفلاً على قيم إنسانية مفقودة ، أن ينكر بأن أغلى ما نملك هو الإنسان.

فدعونا لا نفك عقدة اللسان في كل زمان ومكان فالسكوت في غالب الأحيان أفضل إن لم يكن لذلك حاجة، لأن بعض الأحيان يكون الكلام جارحاً ويعمق الخلاف ويخلق فجوة ومن ثم غضباً ولربما صدام!.