آخر الأخبار

قراءة سياسية في قرار وقف التعامل بالإتفاقات مع إسرائيل

 

 

بعيدا عن الحماسية والعاطفية والمثالية في قراءة أسرع قرار فلسطيني بوقف التعامل مع الإتفاقات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلى ، نحتاج إلى وضع القرار في سياقاته المتعدده والمتناقضة أحيانا. والمقصود بالقرار كما نعلم وهو عملية معقده إختيار بين مجموعة من البدائل المطروحة لحل مشكلة أو أزمة ، والقرار السياسى ليس بعملية سهله بل يشكل بيئة معقده من المؤثرات والقيود والمحددات الداخلية والخارجية ، وبقراءة سريعة لتوصيف القرار الفلسطيني فهو أقرب إلى قرار الأزمة أو القرار التكتيكى. وليس الإستراتيجى. وللوقوف على ماهية القرار الفلسطيني وأهدافه وآلياته، يعتبر القرار الفلسطينى من أكثر القرارات السياسية تعقيدا وصعوبة مقارنة بالقرار السياسى لأى دولة عاديه . فأولا القرار الفلسطينى أقرب إلى نموذج القرارات المقيده والتى تلعب فيها المؤثرات الخارجية دورا أكبر بكثير من العوامل الداخلية ، بل ينفرد بالتداخل بين المحددات الداخلية والخارجية لدرجة ان المؤثرات الخارجية تشكل مكونا أساسيا، وهذا التداخل ينعكس على فعالية الخيار، وصعوبة تنفيذه بالكامل. والملاحظة الثانية ان القرار الفلسطينى يتم في إطار بيئة سياسية مقيده وليست حره ، هذه البيئة السياسية أوجدتها الإتفاقات الموقعة مع إسرائيل كإتفاق أوسلو الأساس وإتفاق أريحا الذى بموجبه نشأت السلطة ، فصعوبة القرار الفلسطينى ان صاحب القرارا يأخذ قراره وهو مقيد بسلسله من القيود التي يصعب التحرر منها، وهذا بلا شك ينعكس على ماهية القرر السياسى وخصوصا ما يتعلق بالجانب الإسرائيلي ، فقد يكون سهلا إتخاذ قرارا إزاء قضايا إقليمية ودولية ، والتأكيد ان القرارالفلسطيني حر مستقل, لكن في الحالة الإسرائيلية فأعتقد ألأمر أكثر صعوبة ، ولا يصح ان يوصف القرار بالحرية أو المستقل, والسبب في ذلك البيئة المعقده للقرار الفلسطيني وتدخل إسرائيل وتحكمها في كل مراحله بدءا من صدوره حتى تنفيذه وتداعياته.ويمكن وصفه بالقرار المقاوم.القرار السياسى في النهاية يعكس عنصران مهمان العنصر الأول القوة ، والمقصود بالقوة كل عناصرها من سياسيه وإقتصاديه وعسكرية وسكانية والمتاح من عناصر القوة الناعمة ، والملاحظ هنا إفتقار القرار الفلسطيني إلى عناصر القوة الكفيلة بفرضه وتنفيذه وإستجابته بشكل كامل من قبل المستهدف وهنا إسرائيل. ولعل عنصر القوة الوحيد الذى تخشاه إسرائيل وتقلق منه العنصر السكانى . فعدد السكان الذى يساوى عدد سكان إسرائيل ما بين النهر والبحر عنصر القوة الذى لا يمكن لإسرائيل تجاهله. ويعانى القرار السياسى الفلسطيني من عناصر ضعف كثيره تتعلق أولا بحالة الإنقسام السياسى والتنازع على الشرعية السياسية ، والإعتماد الكلى على الأموال التي تقوم إسرائيل بجبايتها نيابة عن الفلسطينيين ، وتتحكم في حجم التجارة الفلسطينية دخولا وخروجا، والإعتماد على المنح والقروض والتي لم تعد كما كانت عند بدايات السلطة فتقليص هذه المساعدات واضح على المستويين العربى والدولى.فى هذه السياقات يأتى القرار الأخير بوقف التعامل بالإتفاقات مع إسرائيل. وهنا عنصر الزمن مهم جدا في تفسير هذا القرار،فهو ياتى في وقت لا تملك فيه السلطة بدائل أخرى او كثيره، بل إن البدائل الأخرى بما فيها بديل الإنتفاضة السلمية التي يمكن أن تأخذ منحى آخر لا يعمل لصالح السلطه، ومن ناحية أخرى يأتي وعين على إسرائيل والعين الأخرى على حماس البديل الجاهز. والقرار يتحدث عن وقف التعامل وليس إلغاء أو مراجعة كامله ، ولا يعلن عن مرحلة الدولة الفلسطينية بالكامل والذى يعنى إلغاء كل الإتفاقات والتفاو ض من جديد على أساس إتفاقات دولة لدولة . ولذلك هو قرار أزمة ، وقرار تكتيكى ، ياتى في أعقاب تمادى إسرائيل في سياساتها التدميرية للسلطة ، وإستخفافها بها ، والإستهانة بها، وهذا القرار كان في حاجة لحدث كبير تجسد في هدم قرية أبو الهمص وتشريد أكثر من مائة أسره، والهدم في المنطقة ج والتي تقع تحت السيطرة الفلسطينية ، وهو ما يعنى ان السلطة باتت امام خيارات صعبة إما أن تفقد ما تبقى لها من شرعية ومصداقية ، او صدار قرار يحفظ لها ماء الوجه.وعلية القرار لا يعدو ان يكون رسالة ضغط وتهديد مباشرتين لإسرائيل وللولايات المتحده والدول العربية ودول الإتحاد ألأوروبى ان العلاقة بإسرائيل قد دخلت مرحلة ما قبل الإنفجار والمواجهة الشاملة .والتى قد تمتد تداعياتها لدول المنطقة ، وتزيد من فرص التشدد والمقاومة العسكرية. وتأتى رسالة أن السلطة قد تذهب فيما هو أبعد من وقف التعامل بالإتفاقات.وفى ضؤ ذلك نحن أمام السيناريوهات التالية سيناريو ألإلغاء وحل السلطة وهذا مستبعد تماما لأسباب تتعلق بعدم قدرة السلطة على البدائل البديلة ولمحافظتها على السلطة ومؤسساتها وإعتبار ذلك إنجازات ينبغي الحفاظ عليها لمرحلة الدولة، والسيناريو الثانى الوقف الجزئى الذى يتعلق بمسائل معينه وهذا هو المتوقع كتخفيض مستوى التنسيق الأمني ، وخفض مستوى العلاقات الاقتصادية.والذهاب لخيار المصالحة الفلسطينية كما تريد حماس.وهذا هو السيناريو الممكن، إنتظارا لما قد يسفر عنه القرار من توقعات ونتائج تتمثل في إستجابة إسرائيلية أكبر مثل إستئناف الأموال للسلطة الفلسطينية ، وإتاحة الفرصة امام ممارسة دور مصري وأردنى اكبر ضاغط على إسرائيل, ويقابله أيضا دور اوروبى حرصا على السلطة وبقائها وإستنمرارها, وأخيرا التوقع ان يحدث مرونة اكبر في الموقف الأمريكي من الدولة الفلسطيمنية .وتبقى المشلكة الكبرى التي تواجه القرار في حال عدم إستجابة إسرائيل السريعىة ان تتسع فجوة عدم المصداقية من الشعب الفلسطيني وهذه الفجوة قد تؤدى لما يمكن تسميته بالقرار المقلوب الغير متوقع والذى تتفاداه السلطة وإسرائيل ،الإنتفاضة الشعبية الكاملة التي قد تكون في كل إتجاه وهذا ما تعمل حركات المقاومة كحماس على تشجيعه في الضفة الغربية.