فلسطينيًا.. ماذا نريد من العرب؟!

تستحضرني في هذا المقام كلمة لرئيس الوزراء السلبق وصفي التل الذي تم إغتياله في القاهرة عندما قال: " ليس هناك حل سلمي مع الكيان الصهيوني والسبب لان الحل السلمي مضيعة للوقت وتكريس للاحتلال والاغتصاب"، وأضاف: " وحينما يتعلق الامر بالوطن لا فرق بين الخطأ والخيانة لان النتيجة ذاتها" وهنا أتفق على تلك البديهية التي ذكرها إذا لم يتم التراجع عن الخطأ والإعتراف به وإعادة المسارات للصراع كما هي كحتمية تاريخية على الأرض الفلسطينية والعربية فلا يكون هناك فرق بين الخطأ والخيانة.

وتستحضرني أيضًا كلمة ونصيحة لقائد ثورة الفاتح معمر القذافي عندما أرادت منظمة التحرير أن تسحب قواتها من بيروت إلى المنافي نصحهم القذافي وقال لهم انتحروا في بيروت ولا تخرجوا منها، متوقعًا ماذا سيحدث بعد ذلك، وربما أتته الأنباء والأخبار بأن هناك وعود لإقامة أي كيانية فلسطينية من فيليب حبيب بناء عليها يتم التنازل عن البندقية والإعتراف بإسرائيل على غالبية الأرض الفلسطينية، هو هذا الثمن الذي هو الإعتراف بمنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد وإقامة حكمها على قطعة من الأرض مقابل ذاك الإعتراف التاريخي من المنظمة بوجود إسرائيل على أكثر من 80% من الأرض الفلسطينية، وثارت ثائرة القذافي واتهمناه بأنه ضد الفلسطينيين وبأنه مجنون ويهذي ولكن في الواقع كان القذافي وكثير من مناضلي فتح يدركون هذا الجرف الذي تسوقنا إليه تلك القيادة وتجميع كل قواها وقواتها تحت سطوة الآلة والأمن العسكري الإسرائيلي في الدّاخل.

وتستحضرني هنا أيضًا طلب منظمة التحرير أيضًا من الملك حسين رحمه الله بفك الإرتباط مع الضفة عام 1988 لتبسط منظمة التحرير سيادتها السياسية على الضفة الغربية ومسؤوليتها عن كل الفلسطينيين وعن كل الأنشطة التي تمثل الفلسطينيين في الخارج والداخل، وبعد هذا الفك بعدة أسابيع ينعقد مؤتمر الجزائر الذي سموه مؤتمر الإستقلال ليعترف ب242 و338 ويسجل اعترافًا باسرائيل كوجود ودولة على الأرض الفلسطينية مقابل حلقات من الحوار مع القوى الأمريكية للإعتراف بهم وفتح مكتب لهم في نيويورك، هذا ما حدث والقصة أطول من ذلك وأكثر تفصيلًا واستفاضة ولكل مقام مقال.

في الآونة الأخيرة ومع تصاعد أنشطة الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيق صفقة القرن خرجت بعض الأصوات من نخب عربية في الخليج العربي تدين الفلسطينيين وتدعو للتطبيع وهناك من دعى لأكثر من ذلك بأن ليس للفلسطينيين أي حقوق على الأرض، ومنهم من شكك في وجود المسجد الأقصى، ومنهم من اعتبر أن مسجد في أوغندا أكثر أهمية من المسجد الأقصى، ونتيجة ذلك كانت ردود الفعل من النخب الفلسطينية قاسية أيضًا فلم تستهدف تلك النخب بل استهدفت الأنظمة والحكومات في الكويت والسعودية والامارات والبحرين، وكان هذا هو الخطأ بعينه، حيث أن عملية الاعلام فلسطينيا غير مسيطر عليها توجهًا وبرنامجًا وهي عبارة عن غابة كل يدلي بدلوه ولو كان على حساب مستقبل الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

دعى السادات منظمة التحرير الفلسطينية لأن تكون طرف في مباحثات كامب ديفيد في خطابه الشهر عندما أعلن زيارته للقدس وكان أول المصفقين له الرئيس ياسر عرفات، وبعدها ذهب الرئيس عرفات بعيدًا عن مصر إلى جبهة الصمود والتصدي ومقاومة كامب ديفيد ولكن الحقيقة كان هناك تيار يعمل بجد ونشاط بدأ بالاتصال بالإسرائيليين بعيدًا عن مصر وعن العرب وازدادت هذه الاتصالات التي تصاعدت منذ عام 1976 إلى اجتماعات في بيروت وتونس والمغرب ودول أوروبية، كل ذلك بعيدًا عن العرب وخاصة بعد فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية وكأن الفلسطينيين هم الذين يحملون فقط لواء القضية الفلسطينية ولهم حق التصرف فيها، والآن يلومون العرب على كل خطواتهم حفاظًا على مصالحهم وأمن بلادهم بعد أن عجز الفلسطينيين عن إدارة شراعهم وتعمقوا في علاقتهم مع الإسرائيليين، حتى وصل الأمر باكورته في التعاون الأمني والالتصاق بالاقتصاد الإسرائيلي، إذًا ما هو المطلوب من العرب؟

العرب والأنظمة العربية لم يبخلوا على الفلسطينيين منذ انطلاقة الثورة فهم الذين أمدوها بالمال والسّلاح وكانوا معها في كل شعائرها وأهدافها التي تعمل على تحرير كل فلسطين، ولكن من خذل من؟ ألعرب خذلوا الفلسطينيين أم أن الفلسطينيين خذلوا شعاراتهم وخذلوا شعبهم وذهبوا بعيدًا عن العرب في أوسلو وما بعد أوسلو، هذه حقيقة يجب الإجابة عليها قبل أن نلوم العرب في أي خطوة تطبيعية مع إسرائيل عندما يصرح أمير سر اللجنة المركزية ورئيس السلطة الفلسطينية بأن للإسرائيليين حق التواجد على حائط البراق وعندما يصرح رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بأنه لن يغرق إسرائيل باللاجئين الفلسطينيين وأنه لا يحلم بالعودة إلى صفد إلا زائرًا.

بالتأكيد العرب لديهم أجهزتهم الخاصة التي يعرفون بها دقائق الأمور عند الفلسطينيين، يعرفون ما هي طبيعة علاقة السلطة مع الإسرائيليين وشواطئ تل أبيب وحاناتها ونلوم عربي إذا زار تل أبيب أو شاطئ تل أبيب! نلوم العرب إذا زار إسرائيلي بلادهم وهناك من الفلسطينيين من يقيمون في مستوطنة بيت ايل وغيرها، وهناك غرفة مشتركة في مدينة روابي، إذا على ماذا تلومون العرب؟ وأنا لا أضع هنا مبررًا للتطاول على الفلسطينيين وعلى وجودهم وكفاحهم وصلابتهم، وليس آخر المطاف عندما نجد سلطة ومنظمة قد أخطأت بل ارتكبت خطيئة، فالشعب باق على أرضه يمتلك كل أدوات النضال والمقاومة إلى أن يكتب الله أمرًا كان مفعولًا، ولكن نحن نتحدث هنا عن حقيقة الأشياء، فمازالت الإمارات العربية والسعودية والكويت والبحرين وكل الأنظمة والحكومات العربية تعمل مع الفلسطينيين من خلال منظمة التحرير وبرنامجها باعتباره ممثلًا شرعيًا للشعب الفلسطيني، إذًا ماذا تريدون من العرب إذا كان هذا هو مشروع منظمة التحرير وسلوكها.

في مارس 1968 أي بعد معركة الكرامة زرت البحرين زيارة لشقيقي مدرس اللغة الانجليزية في مدرسة المنامة الثانوية وكان حينذاك أمير البحرين خليفة بن عيسى ووزير خارجيته طالبان في الثانوية في تلك المدرسة، ورأيت كم هما متعاطفان مع الفلسطينيين والثورة الفلسطينية، بل كانا مشاركان في جمع التبرعات والأنشطة الأخرى لحركة فتح والجبهة الشعبية، إذا لماذا انقلب الوضع الآن؟ أيجب بالضرورة أن يكونوا هم المنقلبون، أم أن هناك تغير وانقلاب في البرنامج الفلسطيني دعى لانقلاب عربي؟ هذه حقيقة أخرى، علمًا بأن تلك الدول مازالت تدعم السلطة ماليًا وتقوم بعدة مشاريع ومعونات إنسانية في الضفة وغزة ولبنان أيضًا.
• إذا لماذا التركيز على السعودية والامارات؟

ما هو انطباعي العام عن «المواقف الرسمية المعلنة» للسياسة الخارجية السعودية فيما يخص القضية الفلسطينية؟.
استجابت المملكة العربية السعودية لكل المتغيرات الفلسطينية منذ انطلاقة الثورة، فهي دعمت الثورة الفلسطينية بالمال واللجان الداخلية لدعم الشعب الفلسطيني وعندما اعتنقت منظمة التحريرالحل المرحلي وزاد الأمر سوء في برنامج المنظمة ودخولها أوسلو دعمت السعودية من خلال موقفها في المحافل الدولية السلطة الفلسطينية ودعمت برنامجها نحو حل الدولتين وكان ينبع موقف السعودية السياسي والقومي اعتمادًا على برنامج منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت ب242 وبالتالي أطلقت مبادرتها التي تسمى المبادرة العربية في بيروت عام 2002 الأرض مقابل السلام، أما موقف السعودية الحالي فهو موقف مضغوط لعدة تطورات حدثت في المنطقة منها الربيع العربي ونتائجه وتواجد الإرهاب والحرب اليمنية والتهديد الإيراني وأحلامهم بالاستيلاء على مكة المكرمة، وبالتالي أصبحت المعاضلة في الشرق الأوسط وقد أصابت القضية الفلسطينية بكثير من السهام لفرضيات التهديد الإيراني والنفوذ الإيراني في المنطقة مما جعل السعودية تبحث عن حلفاء قادرين على مساعدتهم لتحقيق الأمن القومي العربي أمام التهديد الإيراني واعتبار إسرائيل عدو من الدرجة الثانية. إجمالًا موقف السعودية يتماشى مع برنامج منظمة التحرير وما تطلبه القيادة الفلسطينية وليس مأخوذ عليها أنها خرجت عن الحل التاريخي للقضية الفلسطينية، بل كان ذلك خيارًا فلسطينيًا.

من وجهة نظري لماذا يتم التركيز على تغريدات أو مواقف شخصيات سعودية واعتبارها تمثل المملكة، في الوقت الذي قد لا يكون لها القيمة والاحترام داخل السعودية نفسها؟

هذا يدخل في حيز المناكفات التي لها عمق سياسي نتيجة توزيع القوى في المنطقة والنفوذ والتداخلات الإقليمية، فكل من هؤلاء يحاول أن يضعف الطرف الآخر من خلال الماعون الفلسطيني الذي غابت عنه الثقافة الفلسطينية والموحدة في مواجهة المتغيرات الإقليمية وتحديد ثوابت الشعب الفلسطيني في مواجهتها، في ظل العولمة والإنفتاح والمؤسسات الدولية لحقوق الإنسان والتقرير الأممي قد تجد الأنظمة نفسها أمام انضغاط في تفاعلاتها وانفعالاتها تجاه من يعارضون سياساتها من ادخل بلدانها، ولذلك فالأنشطة الفردية التي ظهرت مؤخرًا من السعودية ودول أخرى لها مبرراتها، أولًا انهيار البرنامج الفلسطيني والانقسام، ثانيا اعتراف الفلسطينيين باسرائيل، والاتفاقيات التي وقعت مع إسرائيل من دول إقليمية، كامب ديفيد ووادي عربة، كل تلك عوامل جعلت هناك من يعتقد ثقافيًا أنه له الحرية المطلقة في التعبير عن رأيه وعولمته واضعًا أمام عينيه الإنهيار السياسي والوطني في القضية الفلسطينية، وكما قلت التعامل والتعاون المباشر مع الإٍسرائيليين في كافة المجالات فلسطينيًا، قد أعطى أيضًا نوع من الجراءة والذريعة للشواذ ثقافيا أن يشوهوا التاريخ ويغردوا خارج السرب اللشعبي والنخبوي العربي باعتبار أن العرب هم القوة التي ترغب التطبيع مع إسرائيل.

دقائق ولحظات للتأمل في كل ما يحدث الآن من تصعيد بين بعض النخب في الوطن العربي ونخب في الشعب الفلسطيني هي مائدة خصبة لعمل الموساد الإسرائيلي والأجهزة الأمنية لنقل المعركة بين الفلسطينيين والحاضنة الشعبية العربية وهذا أخطر ما يمكن.